الاقتصادي- المحامي والمستشار القانوني صهيب الشريف- يمكن القول إنّ معظم الشركات في فلسطين، بما في ذلك الشركات العائلية، هي شركات "غير مُمأسسة" على نحو سليم؛ إذ إنها لا تحكم بأنظمة ولوائح وسياسات واضحة، ولا يتوفر فيها هيكل تنظيمي يُحدّد الصلاحيات والمسؤوليات، كما أنها لا تعمل وفق خطة عمل مدروسة ومتفق عليها، ولا تنفق ضمن موازنة معتمدة. (ولا تدخل في ذلك- بطبيعة الحال- الشركات المدرجة، والشركات الخاضعة لجهة تنظيمية، مثل شركات التأمين والإقراض، بالإضافة إلى الشركات التابعة لشركات مدرجة).
انطلاقًا من واقع الحال، وعند إلقاء نظرة متفحّصة على الشركات العائلية، نلاحظ أن المؤسس غالبًا ما يضخّ الفائض النقدي - إن وُجد - في رأس مال الشركة التشغيلي أو التطويري انطلاقاً من قاعدة مراكمة الإنجازات والبناء على ما هو قائم وثابت النجاح، أو يقوم باستثماره بصورة تقليدية في الأراضي والعقارات على وجه التحديد، باعتباره خياراً آمناً. (هنالك حالات محدودة للغاية، قد يختار مؤسس الشركة العائلية لاعبتارات شخصية أكثر منها موضوعية المساهمة في رأس مالٍ مُخاطر).
نأتي على سؤال هام، لاذا يعتبر استثمار الشركات العائلية في الشركات المدرجة خطوة استراتيجية - فرصة واعدة وميزة إضافية لها؟
قبل إجابة هذا السؤال، لا بد من تذكير المؤسس بأنه قد اكتسب خبراته ومعارفه في مرحلة بناء الشركة ومباشرتها لأعمالها، وهذا سياق مختلف عن سياق أبنائه الذين سيديرون شركة قائمة أعمالها متحققة. ومن جهة أخرى، الشركة ليست أرضاً أو عقارًا أو حساباً مصرفياً، بل هي مجموعة من الأعمال والأموال المنقولة وغير المنقولة والأصول والالتزامات التي لا يمكن إدارتها بشكل مشترك إلا ضمن منظومة سليمة ومحددة ومتفق عليها.
بناءً على ما سبق، فإن تغافل المؤسس عن اعتماد هيكل تنظيمي فعّال، وعدم تبنّيه خطة مناسبة لفصل الإدارة عن الملكية تدريجيًا (مع العلم أن عدم الفصل لا يعني بالضرورة فشل الشركة، لكنه قد يكون لاحقًا من أبرز أسباب تعثرها)، إلى جانب إغفال اعتماد سياسة معقولة للتخارج، مثل خطة احتياطي التخارج، من شأنه أن يزيد احتمالية تعريض الشركة لتحديات وأزمات جسيمة في المستقبل، سيما في حال التنازع على الإدارة.
لذلك، أعتقد أن الاستثمار في الشركات المدرجة خطوة استراتيجية ضرورية ومفيدة لبعض الشركات العائلية، للأسباب التالية:
لأن التطور الطبيعي والضرورة المستقبلية للشركات العائلية تكمن في تطبيق معايير ومبادئ الحوكمة، وليس من السهل برأيي تبني هذا التحول ما لم يشهد ملاك الشركات العائلية عن قرب نماذج لشركات تطبق معايير ومبادئ الحوكمة. بالتالي، هنالك فرصة حقيقة للتعلم من خلال التجربة في حال المشاركة في عضوية مجالس إدارة الشركات المدرجة.
تعتبر فرصة جيدة للتعرف وتجربة نوع مختلف من الإدارات ( نظام العمل اللامركزي)، سيّما وأن أغلب الشركات العائلية تتبنى نظام عمل مركزي، كما أنها فرصة جيدة للتعرف على رجال أعمال/مستثمرين/تنفيذيين مختلفين في أسلوب تفكيرهم، تجمعهم المصالح العملية والمادية بعيداً عن الروابط العائلية.
لأنها فرصة جيدة تساعد في التحضير والاستعداد للتوسع في الخارج، إذ من الممكن أن تصبح الشركة العائلية جاهزة إلى حد مقبول للتعامل والشراكة مع الشركات الأجنبية والبنوك الأجنبية والمؤسسات المالية الدولية.
لأن هذا الاستثمار سيساهم في توفير احتياطي تخارجي جيد (استثمار سهل البيع عادة). ذلك أن واحدة من أهم تحديات الشركات العائلية والتي تؤثر على استدامة الشركة تكمن في عدم توافق الخلفاء على إدارة الشركة مع عدم توفر بدائل مناسبة عند الرغبة في التقسيم.
لأن هذا الاستثمار يساعد الشركة العائلية في عملية الإعداد والتجهييز للإدراج إذا تقرر ذلك. مع الإشارة إلى أنه يترتب على تحول الشركات العائلية لشركات مساهمة عامة العديد من الفوائد غير المحصورة، وعلى رأسها تخفيض عوامل المخاطرة ( مثل التعثر الإداري والمالي) وتحقيق استمرارية أطول للشركة.
(لا أدعي هنا أن مصلحة الشركة العائلية دائماً تكون بالتحول إلى شركة مساهمة عامة، بل أدعي أن مصلحتها الدائمة تكمن بتوفر هذا الخيار ضمن خياراتها عندما تقرر ذلك. سيما وأن تحول الشركة العائلية (م،خ،م) إلى مساهمة عامة يعد عاملاً في إنجاح الشركة؛ ذلك أنها تصبح وفق النظام القانوني المعمول به في فلسطين مجبرة على اتباع قواعد الحوكمة والعمل بها، على خلاف الشركات المساهمة الخاصة التي لا إلزامية عليها بتطبيق قواعد الحوكمة. كما يعزز التحول لشركة مساهمة عامة من تقليل دور الأفراد إلى مستوياته الدنيا من شأن ذلك أن يُسهم في ضمان استمرارية الشركة على المدى الطويل، بعيدًا عن التأثر بالأفراد أو الاعتماد عليهم. ومن ناحية أخرى يقلل من المخاطر على المساهمين أنفسهم. وغير خفيًّ أن امتلاك الشركة من قبل شريحة أكبر من المساهمين، سيدفع القائمين عليها اعتماد الممارسات الفضلى).
ختاماً، في حال قناعة المؤسس بأهمية الاستثمار في الشركات المدرجة، فإنه من المهم أخذ النقاط التالية بعين الاعتبار:
- اختيار شركة موثوقة ومستقرة وذات سمعة جيدة ولديها تاريخ ممتاز.
- استغلال الفرصة عند نضوجها ورفع نسبة المساهمة لضمان مقعد في مجلس إدارتها.
- التدرج بالمساهمة مع الترقب والفهم لطبيعة أنشطة الشركة وقدرتها على تطبيق خطتها الاستراتيجية.