هل الاحترار العالمي مسؤول عن التغيرات في أحوال الطقس الفلسطينية؟
AHC: 0.80(%)   AIB: 1.05(3.67%)   AIG: 0.17(%)   AMLAK: 5.00(%)   APC: 7.25(%)   APIC: 2.25(%)   AQARIYA: 0.78(%)   ARAB: 0.75(%)   ARKAAN: 1.31(%)   AZIZA: 2.71(%)   BJP: 2.80(%)   BOP: 1.49(%)   BPC: 3.70(2.63%)   GMC: 0.76(%)   GUI: 2.00(%)   ISBK: 1.12(%)   ISH: 0.98(%)   JCC: 1.55( %)   JPH: 3.58( %)   JREI: 0.28(%)   LADAEN: 2.50( %)   MIC: 2.47(%)   NAPCO: 0.95( %)   NCI: 1.75(2.94%)   NIC: 3.00(0.33%)   NSC: 2.95(%)   OOREDOO: 0.78(%)   PADICO: 1.02(%)   PALAQAR: 0.42(%)   PALTEL: 3.97(0.50%)   PEC: 2.84(%)   PIBC: 1.05(4.55%)   PICO: 3.50(%)   PID: 1.90(%)   PIIC: 1.80(%)   PRICO: 0.30(%)   PSE: 3.00(%)   QUDS: 1.09(1.87%)   RSR: 4.50(%)   SAFABANK: 0.68(3.03%)   SANAD: 2.20(%)   TIC: 2.98(%)   TNB: 1.20(%)   TPIC: 1.94(%)   TRUST: 2.85(%)   UCI: 0.40(%)   VOIC: 5.29(%)   WASSEL: 1.00(0.00%)  
12:00 صباحاً 11 كانون الأول 2015

هل الاحترار العالمي مسؤول عن التغيرات في أحوال الطقس الفلسطينية؟

 

هل سخونة مواسم الصيف الفلسطينية آخذة في التفاقم أكثر فأكثر؟  هل ستتساقط الثلوج مرة أخرى في مدينة يافا وسواها من المدن الساحلية كما حدث في أوائل الخمسينيات؟  هل الاحترار العالمي مسؤول حقا عن التغيرات المتطرفة في أحوال الطقس التي بتنا نشهدها خلال العقود الأخيرة؟  فبينما نمسح العرق المتبقي على وجوهنا من موجة الحر المريعة في آب الماضي الذي تميز بكونه الأكثر سخونة منذ بدء توثيق أحوال الطقس في فلسطين، دعونا نتذكر العواصف الثلجية التي ضربت أعالي الجليل الفلسطيني والجولان المحتلين خلال شهري كانون ثاني وشباط المنصرمين في فصل الشتاء الأخير (2015)؛ إذ وصل ارتفاع الثلوج في تلك  المناطق إلى 80 سم أو أكثر، وبدرجات حرارة دنيا (14 درجة تحت الصفر) تعتبر أيضا الأكثر انخفاضا منذ بدء التوثيق الحراري.

الأسئلة المطروحة هي:  ما الذي يحدث بالضبط لطقس فلسطين؟  هل جن جنونه؟  أم هل هذا ما كان دائما؟

لقد اعتدنا في السنوات الأخيرة، أن نسمع غالبا تحذيرا متكررا من خبراء الأرصاد الجوية بأن أحوال الطقس خلال الصيف أو الشتاء الحالي "غير عادية لهذا الموسم".  وفي ذات الوقت، ما بتنا نلمسه هو استمرار ارتفاع درجات الحرارة في فلسطين وسائر أنحاء العالم.  تقارير التغير المناخي التي نشرت في الفترة الأخيرة تؤكد ما يعايشه شخصيا كل فرد فينا:  ارتفاع كبير في درجات الحرارة منذ أواسط التسعينيات، وصولا للفترة الأخيرة التي تعد الأكثر سخونة.

ورغم أن سنوات الستينيات والسبعينيات كانت ساخنة إلى حد كبير؛ فيمكننا القول بأنه منذ عام 1950 حتى يومنا هذا تميزت فترة العشرين سنة الأخيرة تحديدا بكونها الأكثر سخونة.  بعبارة أخرى، هذا الأمر يتطابق مع الاتجاه العالمي.

لكن السؤال المطروح:  هل أحداث الطقس في العقود الأخيرة مترابطة؟  هل التسخين العالمي (الاحترار العالمي) مسؤول، من بين أمور أخرى، عن تطرف أحوال الطقس الذي شهدناه خلال السنوات القليلة الماضية؟  مثل هذه الأسئلة لا بد أن تدفع الباحثين والخبراء الفلسطينيين في المؤسسات ومراكز الأبحاث والوزارات المعنية (سلطة جودة البيئة، وزارة الزراعة، سلطة المياه، المؤسسات البحثية المعنية...إلخ) إلى تنفيذ مراجعة شاملة لجميع التغيرات المتطرفة الموثقة في أحوال الطقس بفلسطين منذ أوائل القرن العشرين.

المراجعة يفترض أن تتضمن مئات الأحداث المتصلة بأحوال الطقس، بما في ذلك الثلوج الكثيفة، العواصف المطرية العنيفة، الفيضانات المميتة، الجفاف، موجات الحرارة، وغير ذلك من الأحداث التي ينجم عنها بالعادة دمار كبير، بل وأحيانا بعض الوفيات.  يمكننا الحصول على العديد من الأحداث الموثقة المتصلة بأحوال الطقس خلال نحو مائة عام، وتحديدا منذ عام 1920 حينما بدأت شبكة محطات رصد أحوال الطقس تنتشر في فلسطين.

ولا بد لهذه المراجعة العلمية أن تصل إلى الوثائق التاريخية وقصاصات الصحف منذ عهد الاحتلال البريطاني لفلسطين؛ ما سيعزز معطيات الأرصاد الجوية كما تم قياسها في المحطات.

 

الاحترار العالمي وأحوال الطقس المتطرفة

 علماء كثيرون عالجوا العلاقة بين الاحترار العالمي وأحوال الطقس المتطرفة.  لكن، بهدف مناقشة هذه المسألة لا بد أن نطرح سؤالين منفصلين:  أولا، هل توجد علاقة بين الاحترار العالمي، النشاط البشري وأحداث الطقس المتطرفة؟  وثانيا، هل كان هناك فعلا زيادة في تواتر وشدة هذه الأحداث؟  حاول العديد من الباحثين الإجابة على السؤال الأول.  العشرات منهم المنتسبون للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، نشروا عام 2014 تقريرا يلخص الأحداث المتطرفة في عام 2013.  ووفقا للتقرير فإن تسارع النشاط البشري يزيد من مخاطر موجات الحرارة الشديدة؛ وبالتالي فإن الارتفاع في وتيرة وشدة موجات الحرارة يمكن أن يعزى إلى مساهمة المجتمع البشري.  إلا أن الهيئة المذكورة يجب أن تثبت لنا وجود صلة فعلا بين تأثير الإنسان وأنماط أخرى من الأحداث المناخية المتطرفة، مثل الجفاف أو الأمطار الغزيرة.

إجمالا، يجب أن نحرص من ألا نعزو كل حالة من حالات الطقس المتطرف لمسألة الاحترار العالمي؛ فمن معرفتنا بالمناخ الفلسطيني وخبرتنا به، نعلم بأن لا وجود لهذه العلاقة بالضرورة، وبخاصة أن عددا كبيرا من أحداث الطقس الخطيرة والمتطرفة حدثت تحديدا في فترات مبكرة، قبل أن يتحدث أي شخص عن مسألة الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية العالمية.  الدليل على ذلك أن أعلى درجة حرارة تم قياسها حتى الآن في فلسطين كانت عام 1942.

الخلاصة النهائية لم تتغير: الطقس لدينا أكثر سخونة؛ لكن يجب أن نثبت بأن ذلك يتطابق مع تواتر وشدة الأحداث المناخية المتطرفة.  إذ لدى تحليلنا بيانات أحوال الطقس منذ عام 1950 فصاعدا، لا نعثر على زيادة واضحة في تواتر الأحداث المناخية المتطرفة.  علاوة على أن المسح المناخي لفلسطين وسائر بلاد الشام يشير إلى أن أحوال الطقس الأكثر تطرفا حدثت تحديدا خلال القرن التاسع عشر.  ومن ثم سقط الثلج في مدينة يافا الساحلية خلال شهر كانون ثاني 1950، فوصل ارتفاعه إلى عشرة سنتيمترات؛ ما شكل أشمل حالة ثلوج تم توثيقها حتى الآن في فلسطين.  فهل سنشهد خلال فترة حياتنا تساقط الثلوج مرة أخرى في السهل الساحلي؟  الثلج عام 1950 في يافا كان بالتأكيد غير عادي؛ لكن الحقيقة أن ليس بحوزتنا أية وسيلة تمكننا من معرفة ما إذا كان الثلج آنذاك في الساحل الفلسطيني عبارة عن حادث لمرة واحدة كل 100 سنة أو 1000 سنة؛ أم أنه حدث لمرة واحدة فقط قد لا يتكرر.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، من المثير حقا أن نعرف أن أعلى درجة حرارة في القدس المحتلة غير مسبوقة حتى يومنا هذا، تم توثيقها خلال الموجة الحرارية التي ضربت فلسطين في أواخر شهر آب 1881.  فآنذاك، تم تسجيل درجة حرارة مقدارها 44 درجة سلزيوس في المشفى الإنجليزي بالبلدة القديمة بالقدس، وذلك لمدة ثلاثة أيام متتالية؛ ولم يتم كسر ذاك الرقم القياسي حتى يومنا هذا.  وفيما عدا القدس، لم تنتشر محطات القياس آنذاك في مواقع فلسطينية أخرى، مثل الأغوار أو صحراء النقب أو أم الرشراش أو غيرها.  لذا، فنحن لا نعرف على وجه الدقة كم وصلت درجات الحرارة آنذاك في سائر أنحاء فلسطين.

السؤال الإضافي المطروح هو:  هل موجات الحرارة التي عانينا منها عشوائية أكثر منها اتجاها منتظما ومستمرا؟  ربما من السابق لأوانه الجزم في هذه المسألة.  ورغم أن الاتجاه المناخي في فلسطين قد لا يكون واضحا تماما، إلا أن السنوات القليلة الماضية سجلت فعلا المزيد من الموجات الحرارية.

ورغم التقدم الكبير الذي حدث في تكنولوجيا الأرصاد الجوية، وابتكار نماذج مناخية متطورة؛ إلا أننا لا نستطيع التنبؤ بحالات الطقس المتطرفة المستقبلية.  ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أنه مع مرور الوقت واقترابنا من نهاية القرن الحالي، ستزداد احتمالية تكرار موجات الحر. وقد بدأنا نشعر فعلا بهذا الاتجاه، في ضوء طول موجات الحرارة الخطيرة والتقارب الزمني فيما بينها. كما أن شهر آب للعام الحالي (2015) يعتبر الأكثر سخونة من بين جميع أشهر آب السابقة التي تم توثيقها.  وينسحب كذلك الأمر على شهر أيلول 2015 الذي يعتبر الأكثر سخونة أيضا منذ بدء توثيق أحوال الطقس.  ومن الناحية المناخية، تعد سنة 2015 مثيرة؛ إذ شهدنا خلالها موجات حرارية كثيرة، إضافة إلى العواصف الثلجية التي ضربت المناطق الفلسطينية المرتفعة في شهري كانون ثاني وشباط.

وبالعادة، تصاحب الظواهر الجوية المتطرفة عواقب بعيدة الأثر، مثل الجفاف الذي يتسبب في أضرار زراعية لا رجعة فيها، أو عاصفة ثلجية يمكن أن تؤدي إلى انهيار أسقف المباني والمنازل، وتعطل نظام المواصلات وانقطاع التيار الكهربائي.  لذا فإن التوقعات للأحوال الجوية المتطرفة يمكن أن تنقذ حياة الناس.  فهل من سبيل للحد من عجز الإنسان في مواجهة قوى الطبيعة؟

 

مراجعتنا لأحداث الطقس المتطرفة في فلسطين تفيد بأنه رغم الارتفاع المتزايد في سخونة العالم، ورغم أن درجات الحرارة آخذة في الارتفاع أيضا، مع زيادة ملحوظة في عدد حوادث الطقس المتطرفة؛ إلا أن ذلك لن يكسر بالضرورة الأرقام القياسية التي سجلت في القرنين التاسع عشر والعشرين.  لكن المعطيات المتعلقة بالحوادث المتطرفة يمكن أن تستخدم بالتأكيد كقاعدة للسيناريوهات التي يمكن أن تحدث في المستقبل؛ ما يمكننا من الاستعداد المناسب.

خلاصة القول، نشاط الإنسان ليس بالضرورة هو المسؤول حصرا عن الكوارث المناخية التي نعاني منها، وبالتالي لا يجوز ربط كل حالة طقس متطرفة بالتغير المناخي الناجم عن النشاط الإنساني.  الاحترار العالمي من جهة، وارتفاع وتيرة أحداث الطقس المتطرفة من جهة أخرى، لا يعني بالضرورة أن الثانية هي نتيجة أوتوماتيكية للأولى؛ فالأمران شيئان منفصلان، وعلينا أن نتحقق مما إذا كانا متطابقين. معظم أحوال الطقس "المتطرفة" هي جزء من تغيرات طبيعية؛ وبالطبع هذا لا يتعارض مع حقيقة أن درجة حرارة العالم آخذة في الازدياد، وبأن الإنسان لعب دورا في هذا الاحترار.

عن "مجلة آفاق البيئة والتنمية"

Loading...