الاقتصادي - فاجأت دول تجمع "أوبك+" أسواق النفط العالمية بقرارها مؤخراً خفض إنتاجها من النفط بنحو 1.16 مليون برميل يومياً، إضافة إلى الخفض الذي أعلنته روسيا في فبراير (شباط) الماضي لإنتاجها بمقدار 500 ألف برميل يومياً، وهو القرار الذي انتقدته الولايات المتحدة لكنها لا تستطيع اتخاذ أي إجراء حياله.
ومن المقرر بدء تنفيذ قرار خفض الإنتاج في الشهر المقبل واستمرار العمل به حتى نهاية العام، وإن كانت التقديرات تشير إلى أن الخفض الحقيقي سيكون أقل من الرقم المعلن بكثير نظراً لأن أغلب دول أوبك وأوبك+ لا تنتج حصصها المقررة بالفعل لأسباب مختلفة. ورغم ذلك ارتفعت أسعار النفط مع بداية تعاملات أمس بأكثر من 8% قبل أن تفقد جزءاً من مكاسبها مع تقدم التعاملات.
وفي تحليل نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي، قال كبير الباحثين في برنامج أمن الطاقة والتغير المناخي بالمركز بن كيهيل، إن قرار خفض الإنتاج كان سيصبح أقل مفاجأة للأسواق لو صدر قبل أسابيع عندما تراجعت أسعار النفط العالمية بشدة على خلفية المخاوف الاقتصادية من تداعيات انهيار بنكي سيليكون فالي وسيغنتشر الأمريكيين وكريدي سويس السويسري. ففي 9 مارس (آذار) الماضي تراجع سعر خام برنت القياسي للنفط بأكثر من 12% ليصل لأقل من 72 دولاراً للبرميل. في ذلك الوقت تضررت سوق النفط من السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) الأمريكي ومواصلة زيادة أسعار الفائدة مع المخاوف من نشوب أزمة مالية عالمية على غرار أزمة 2008 التي تفجرت مع انهيار بنك ليمان برازارز الأمريكي.
في ذلك الوقت قلص المستثمرون تعاملاتهم في سوق العقود الآجلة للنفط إلى أقل مستوياتها منذ 2011. وبعد ذلك تحسنت أسعار النفط لكنها ظلت أقل من مستوياتها في مارس (آذار) من العام الماضي عندما تسببت حرب روسيا في أوكرانيا في ارتفاع أسعار الطاقة إلى مستويات قياسية. ومع تراجع المؤشرات على حدوث نقص قريب في الإمدادات، خفض حتى المضاربون على ارتفاع الأسعار توقعاتهم.
عودة الارتفاع
ولكن الأيام القليلة الماضية شهدت عودة أسعار النفط للارتفاع نتيجة توقف تصدير نفط شمال العراق عبر ميناء جيهان التركي نتيجة الخلافات بين حكومة إقليم كردستان العراق والحكومة المركزية في بغداد مما حرم السوق العالمية من نحو 400 ألف برميل يومياً. ولكن السعودية مازالت تتحدث عن المخاوف من تراجع الأسعار وضرورة التحرك بشكل استباقي للمحافظة على استقرارها.
وقبل قرار أوبك+ المفاجئ يوم الأحد الماضي كانت هناك حالة توازن في السوق بين المخاوف الآنية المتعلقة بأوضاع الاقتصاد الكلي من ناحية وتوقعات تحسن أوضاع الاقتصاد خلال النصف الثاني من العام الحالي. لكن قرار خفض الإنتاج يشير إلى قلق التجمع من تراجع الطلب العالمي. ومن الصعب توقع ارتفاع كبير للطلب خلال النصف الثاني من العام الحالي دون قفزة كبيرة في الطلب الصيني. وإذا ما زاد الطلب الصيني بمقدار 960 ألف برميل يومياً كما تتوقع وكالة الطاقة الدولية، فإن السوق العالمية قد تشهد نقصاً في المعروض خلل النصف الثاني من العام الحالي. كما أن زيادة الاستهلاك المحلي للوقود في الصين ستقلص صادراتها منه، وبالتالي يظهر نقصاً في إمدادات المنتجات النفطية في السوق العالمية. ومع ذلك فالنمو الاقتصادي للصين لم يعد يعتمد على استهلاك المواد الخام والنفط كما كان يحدث من قبل، لذلك فحتى إذا حققت الصين معدل النمو المستهدف وهو 5% أو تجاوزته، لن يكون لذلك التأثير القوي على أسعار النفط كما كان الحال في العقد الأول من القرن الحالي.
خيارات البيت الأبيض
وفي حين تدافع دول أوبك+ عن ارتفاع السعر المقبول للنفط وترفض الانتقادات التي تقول إن هذه الأسعار تؤجج المخاوف من التضخم، انتقد البيت الأبيض قرار خفض إنتاج أوبك+ لكنه لا يمتلك خيارات كثيرة للرد عليه، بحسب بن كيهيل، الذي يشير إلى انخفاض الاحتياطي الاستراتيجي للنفط لدى الولايات المتحدة إلى 372 مليون برميل بعد لجوء الحكومة للسحب منه بكثافة خلال العام الماضي للحد من ارتفاع أسعار النفط، لذلك فإن السحب من المخزون لضخه في السوق أكثر من ذلك سيكون قراراً غير حكيم.
وبددت إدارة بايدن فرصة إعادة تكوين المخزون عندما تراوح سعر خام غرب تكساس الوسيط وهو الخام القياسي للنفط الأمريكي بين 67 و72 دولار للبرميل ، متعللة بأن هناك تعقيدات فنية تتعلق بإعادة تعبئة المخزون، بينما كانت عمليات السحب مستمرة.
وأخيراً فإنه من غير المعتاد أن تتحرك دول أوبك+ وتخفض الإنتاج عندما يكون سعر النفط قريباً من مستوى 80 دولاراً للبرميل، وهو ما يشير إلى أنها تسعى لتحقيق مصالحها الاقتصادية المباشرة، كما تفعل الدول الغربية. وإذا كان هناك وجه إيجابي في قرار أوبك+ بالنسبة للإدارة الأمريكية والمستهلكين الأمريكيين، فهو أن خفض الإنتاج يعني إعادة تكوين فائض للطاقة الإنتاجية لدى أوبك+ والذي تلاشى خلال السنوات الأخيرة.
وأوضح بن كيهيل، أنه يمكن أيضاً التراجع عن الخفض الطوعي للإنتاج بسهولة إذا تغيرت أوضاع السوق. ومن المحتمل أن يمنع تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي والتعافي التدريجي للصين تصاعد الضغط على أسعار النفط في وقت لاحق من العام الحالي. ولكن قرار أوبك+ خفض الإنتاج يشير إلى أن التجمع سيتخذ خطوات أشد جرأة لخلق حالة من نقص الإمدادات في السوق.