الاقتصادي - شكّلت الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا تبعاً لذلك منفذاً لتطور حجم العلاقات الاقتصادية بين موسكو وبكين، لا سيما بعد أن اتجهت روسيا إلى الصين على نحو واسع؛ هرباً من الضغوطات المفروضة عليها في ظل تلك العقوبات.
النمو الذي شهده حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال العام 2022 شاهدٌ على محطة جديدة في سياق التعاون الاقتصادي بينهما، وسط آفاق مُتجددة للبناء على هذا التقدم المُحرز، وهو الأمر الذي ربما كان من الدوافع الرئيسية كي تكون روسيا هي الوجهة الخارجية الأولى للرئيس الصيني شي جينبينغ، في ولايته الثالثة، للبناء على تلك العلاقات.
استفادت بكين إلى حد كبير بتوجيه روسيا اقتصادها صوب بكين، لا سيما بعد أن حظت بواردات مخفضة من النفط والغاز الروسيين في ضوء العقوبات المفروضة على موسكو بعد الرابع والعشرين من شهر فبراير 2022 وهو تاريخ بدء العملية العسكرية في أوكرانيا.
فإلى أي مدى يُمكن الرهان على استمرارية ذلك التطور الذي تشهده العلاقات الاقتصادية، وكذلك مدى ارتباط ذلك التطور بمجريات الأحداث الجارية ضمن سياقات الحرب في أوكرانيا؟
يقول الأستاذ بكلية الاستشراق بالمدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، الأكاديمي والباحث رامي القليوبي، في تصريحات خاصة لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن "العلاقات الروسية الصينية من المؤكد أنها لم تتأثر بالعقوبات الغربية، بل إذا تحدثنا بلغة الأرقام فيما يخص الشق الاقتصادي نجد أن العلاقات التجارية بين البلدين قد شهدت تطوراً كبيراً".
ويضيف: "حجم التبادل التجاري بين البلدين ارتفاع من 147 مليار دولار في العام 2021 إلى 190 مليار دولار العام الماضي، وبزيادة نحو 43 مليار دولار خلال عام واحد فقط".
بالإضافة إلى ذلك، فقد تحول روسيا إلى المورد الأكبر للغاز إلى السوق الصينية، وقد زاحمت -وفق بيانات الجمارك الصينية- واردات تركمانستان وقطر في هذا الملف. ويضيف القليوبي: "ناهيك عن إمدادات النفط التي شهدت أيضاً زيادة كبيرة". وقد حصلت بكين على تلك الواردات بخصومات أكبر.
أظهرت بيانات الإدارة العامة للجمارك في بكين أن واردات الصين من النفط الخام الروسي قفزت ثمانية بالمئة في العام 2022 مقارنة بالعام السابق إلى 86.25 مليون طن، بما يعادل 1.72 مليون برميل يومياً.
كما أظهرت بيانات إدارة الجمارك الصينية أن توريد الغاز الطبيعي المسال من روسيا إلى الصين ارتفع في أول 10 أشهر من العام 2022 على أساس سنوي بنسبة 32 بالمئة، وصولاً إلى 4.98 مليون طن.
طبقاً للبيانات الصادرة عن عملاق الطاقة الروسي غازبروم، فقد ارتفعت صادرات الغاز الروسي إلى الصين خلال العام 2022 بمعدل 15.5 مليار متر مكعب.
ويتابع الأستاذ بكلية الاستشراق بالمدرسة العليا للاقتصاد بموسكو: "وبذلك تحولت الصين إلى البلد الرئيسي الذي يساعد روسيا في الالتفاف على العقوبات الغربية في مجال الطاقة".
لكنه في الوقت نفسه، يلفت إلى أنه "إذا نظرنا إلى القطاع الخاص سنجد أن بعض الشركات الصينية الكبرى مثل هواوي قد انسحبت من السوق الروسية؛ خشية تعرضها لعقوبات غربية مثل تلك التي كانت تفرض على من يتعامل مع إيران".
على جانب آخر، شهدت العلاقات السياسية أيضاً تطوراً ملحوظاً مع امتناع الصين عن التصويت على أي قرار يدين الأعمال الروسية في أوكرانيا.
ويوضح القليوبي أن "زيارة الرئيس الصيني إلى روسيا في أول زيارة خارجية له بولايته الثالثة الجديدة تحمل من وجهة النظر الروسية رمزية كبيرة".
عدد الحاويات الخاضعة للرقابة الجمركية "تجاوز جميع الحدود القصوى التاريخية في العام 2022 على الحدود بين روسيا والصين"، طبقاً للنائب الأول لرئيس هيئة الجمارك الفيدرالية الروسية، روسلان دافيدوف.
تزايدت حصّة اليوان في العملات المستخدمة في التجارة الخارجية الروسية، من 0.5 بالمئة إلى 16 بالمئة (الأمر الذي قاد لانخفاض بحصة اليورو والدولار في الصادرات الروسية)، (طبقاً لبيانات بنك روسيا في تقرير مخاطر السوق المالية).
وعلى رغم هذا التطور اللافت في العلاقات الاقتصادية، إلا أن "موسكو تخاطر بعلاقات غير متوازنة مع الصين"، طبقاً لتقرير نشرته "فرنس برس"، ذكر أنه "بعد عزل روسيا بشكل واسع عن أوروبا منذ الحرب في أوكرانيا قامت روسيا بتوجيه اقتصادها على نطاق واسع نحو الصين، مجازِفة في أن تجد نفسها في علاقة غير متوازنة مع بكين وفي موقف ضعيف أمامها".
انفتاح الاقتصاد الروسي على ذلك النحو على الاقتصاد الصيني، إنما يخدم في السياق نفسه رغبة بكين في الاستفادة بالحصول على طاقة بأسعار أرخص، فضلا عن الحصول على تكنولوجيا عسكرية متقدمة ودعم دبلوماسى لمصالح الصين الدولية.
مشهد تكاملي عنوانه "التحالف من أجل الأمن والاستقرار"
من جانبه، يشير رئيس المركز الثقافي الروسي العربي، الدكتور مسلم شعيتو، إلى أن "العلاقات بين روسيا والصين تمثل مشهداً تكاملياً بين البلدين في كل المجالات وبشكل تصاعدي تحت عنوان (التحالف)، وهو التحالف غير الموجه ضد طرف آخر أو يشكل عداءً لطرف آخر، إنما تحالفاً من أجل حفظ الأمن والاستقرار العالميين".