الاقتصادي - قدَّم رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، يوم الأربعاء الماضي، تفسيراً حول التفكير الحالي الذي يتبعه البنك المركزي بشأن التضخم، وذلك في كلمة ألقاها في معهد "بروكينغز". في اليوم التالي، وفي توقيت مثالي، تبيّن أن أرقام التضخم لشهر أكتوبر متوافقة إلى حدٍّ كبير مع تصريحاته. فقد بات التضخم تحت السيطرة، إلا أن المشكلة لا تزال بعيدة عن الحل؛ إذ ما زالت هناك حاجة إلى مزيدٍ من رفع أسعار الفائدة، وإن كان بالإمكان تخفيف وتيرة التشديد قليلاً.
سيُعلن قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي التالي بشأن سياسة أسعار الفائدة في 14 ديسمبر الجاري. يعوّل المستثمرون بالفعل على زيادة بمقدار 50 نقطة أساس، بدلاً من 75 نقطة أساس التي أُعلن عنها بعد كل اجتماع من الاجتماعات الأربعة السابقة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي. توافقت تصريحات باول مع هذا الأمر، وكذلك مع الارتفاع بوتيرة أبطأ من المتوقع في المقياس المفضل لـ"الاحتياطي الفيدرالي" بشأن التضخم الأساسي. فقد بلغت الزيادة في أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، باستثناء الغذاء والطاقة، 0.2% في أكتوبر الماضي، لتبلغ بذلك الزيادة السنوية 5%، وهو مستوى أقل قليلاً مما أشارت إليه التوقعات الخاصة.
مع ذلك، وكما أكد باول، من السابق لأوانه الشعور بالرضا تجاه هذا الوضع. فالإنفاق الشخصي لا يزال قوياً.
ارتفاع مفاجئ في التوظيف
أظهرت بيانات الرواتب يوم الجمعة ارتفاعاً سريعاً غير متوقع في التوظيف خلال الشهر الماضي، وأكبر زيادة في الأجور بالساعة منذ يناير. يثير ذلك الشكوك حول ما إذا كان الطلب يهدأ بالسرعة المطلوبة. لا يزال التضخم الأساسي لنفقات الاستهلاك الشخصي البالغ 5%، مرتفعاً للغاية. كذلك يمكن القول إن مقياساً أفضل للأسعار الأساسية (استناداً إلى متوسط نفقات الاستهلاك الشخصي، الذي يستبعد أكبر التقلبات، وليس فقط ذلك المتوسط المتعلق بالغذاء والطاقة)، ارتفع بنسبة 5.7% على أساس سنوي حتى أكتوبر، بانخفاض طفيف عن الشهر السابق.
يشير كل ذلك إلى أنه لا يمكن استبعاد أكبر مخاوف بنك الاحتياطي الفيدرالي بعد، وهي أنه من دون المزيد من التشديد، قد يستقر التضخم عند مستوى مرتفع للغاية. نطاق الفائدة الحالي هو 3.75% إلى 4%؛ ومع إضافة 50 نقطة أساس في ديسمبر، ستظل سلبية بالقيمة الحقيقية. شدّد بنك الاحتياطي الفيدرالي سياسته النقدية بسرعة كبيرة وفقاً لمعاييره السابقة، وأصبحت هذه السياسة الآن أقل تكيفاً بكثير مما كانت عليه في الربيع. لكن سياسة أسعار الفائدة، ليست "مقيّدة" بعد بالمعنى الاعتيادي.
بناء على ذلك، ربما تكون هناك حاجة للوصول إلى معدل 6% أو أكثر، وهو أمر راهن عليه المستثمرون في الفترة الأخيرة. إن احتمال رفع أسعار الفائدة، من شأنه أن يجدّد المخاوف بشأن حدوث هبوط حادّ في الاقتصاد، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى زيادة الضغط على بنك الاحتياطي الفيدرالي من أجل التخلي عن سياسة التشديد. يمكن بالفعل التنبؤ بشكل من أشكال الانتقاد لهذا النهج، حيث يجادل عدد من الاقتصاديين المرموقين، بأن هدف التضخم لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%، منخفض للغاية. فإذا أُعيد تحديد هذا المستوى عند 3% أو 4%، كما يُقال، يمكن أن يؤدي تباطؤ أقل حدة إلى تحقيق ذلك (وستكون السياسة النقدية أكثر بساطة في إدارتها على المديين المتوسط والطويل، لأن أسعار الفائدة ستصل إلى الصفر "الحد الأدنى للفائدة" أو (Zero Lower Bound) بشكل أقل تكراراً).
الثقة في قدرة "الاحتياطي الفيدرالي"
دعونا نأمل ألا تكتسب هذه الفكرة المزيد من الزخم. فالثقة في قدرة البنك المركزي وتصميمه على خفض التضخم إلى 2%، تعتبر من أقوى العناصر التي يمتلكها. ارتفعت توقعات التضخم على المدى المتوسط أخيراً، ولكن من المدهش أنها محدودة في ضوء الزيادة الهائلة الحالية. يعود ذلك في جزء كبير منه إلى الاحتياطي الفيدرالي، الذي يجعل من المهمة الصعبة للغاية، مهمة أقل صعوبة إلى حد ما.
رسالة باول بأن البنك المركزي لا يمكنه التيسير، وأنه سيفعل ما يلزم للسيطرة على التضخم، هي رسالة في محلّها. قبل أن ينجز باول مهمته، قد يتعرض هذا الالتزام للاختبار بشكل أكثر حِدّة مما يتمناه المرء.