هناك ميل في العصر الحديث لتغيير المنظومة الكلاسيكية التي تقوم عليها أسس العمل، إلى منظومة تحددها مجموعة من القواعد المبنية، بشكل أساسي، على الخبرة والمعرفة، وهو ما يطلق علية "الترشيد الاقتصادي". فمن خلال الترشيد، يتم حساب ما هو ضروري لبلوغ هدف اقتصادي ما، ويعتمد نجاح المهمة على الحماسة التي يبذلها العمال، والمهارة في إرساء وتطبيق القواعد، ومدى مناسبة هذه القواعد للمهمة ذاتها.
وفي ظل تزايد المتغيرات في بيئة العمل، يسعى الترشيد الاقتصادي إلى استغلال أفضل للإمكانات المتاحة، حيث يتم، عادة، استبدال القوى العاملة بالأجهزة والمعدات، الذي يعرف بـ "الترشيد الاستثماري"، بغية تحقيق ظروف تشغيلية مناسبة تؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة الكفاءة الإنتاجية للعمل.
ولا يمكن فصل عملية الترشيد الاقتصادي عن النظام الحياتي للأفراد، إذ إنها تلعب دوراً كبيراً في تقسيم وتنسيق أنشطهم الحياتية وتطوير علاقاتهم مع بعضهم البعض ومع مجتمعاتهم، لغرض رفع كفاءة الإنتاج والتوزيع للسلع والخدمات. وقد ساهمت الأساليب العلمية، المتمثلة في الملاحظة والتجربة والتحليل، في تغيير السلوك البشري بشكل إيجابي، بحيث أصبح تغيير شخصية الفرد جزءا أساسيا من عملية الترشيد الاقتصادي.
ومن الأساليب المتبعة لترشيد اقتصاديات الشركات، بيع، أو إغلاق بعض المصانع، أو الوحدات لإعادة تنظيم عمليات شركة صناعية، مثلاً، لتكون أكثر انسجاماً مع صميم نشاطها التشغيلي، أو لتحقيق كفاءة أكبر في الإنتاج، أو كإجراء يهدف إلى خفض تكاليف الإنتاج. وغالباً ما يُستخدم فصل الموظفين كذريعة لبدء عملية الترشيد الاقتصادي.
بالنسبة لبعض الاقتصاديين، فإن رفع الكفاءة الاقتصادية يبقى الهدف المقدس لهم والسبيل للوصول إلى ترشيد اقتصادي ناجع، الذي يمكن تحقيقه من خلال رفع مستوى التنافسية وتحرير قوى السوق. ونظراً لمعارضتهم الشديدة للتدخل الحكومي في الاقتصاد، فهم يعتقدون أن الهدف الأساسي للسياسات الحكومية يكمن في إنشاء إطار يمكن من خلاله تعظيم فاعلية قوى السوق، وتخصيص الموارد بقدر أكبر من الكفاءة. لتحقيق ذلك، ينبغي للسياسات الحكومية التركيز على تحسين نشر المعلومات، وتحسين انتقال اليد العاملة وغيرها من الموارد، وعدم تشجيع الممارسات التقييدية التي من شأنها خفض تنافسية السوق. وهم يصرون، بذلك، على أن القطاع العام يميل بطبيعته إلى أن يكون قطاعاً غير فعال. فالترشيد، حسب هؤلاء، هو نتاج التخصص العلمي والتميز التقني الذي يحاول ان يقف في وجه البيروقراطية.