لا يختلف حال تجارة الذهب في غزة عن الواقع الاقتصادي المحلي، فكلاهما يكتوي بنار أزمات حياتية واقتصادية متتابعة، تسبب بها الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من تسع سنوات، الأمر الذي أثر سلباً على القدرة الشرائية للمواطنين، ونتيجة لذلك أصيبت مصانع الذهب بحالة ركود غير مسبوقة.
ويوجد في القطاع نحو 40 مصنعاً وورشة للذهب، تختلف فيما بينها بأصناف الذهب المصنعة وشكلها الخارجي، وذلك وفق الآلات والمعدات التي يملكها كل مصنع، ولكن جميع تلك المصانع والورش تتفق على أن الذهب فقد بريقه الأصفر، منذ فرض الحصار وأن مهنتها النادرة أصبحت مصدر خسارة لا رزق.
ويصف تاجر الذهب، جمال سرحان، حال مصانع الذهب في غزة، بـ "القاسية جدا"، ويقول سرحان إن تجارة الذهب المحلية عانت بشكل تدريجي من تراجع معدلات البيع والإنتاج؛ بسبب الحصار الذي فرض عام 2007، ومع تردي الأوضاع المعيشية واشتداد الأزمات، وصلت التجارة لمرحلة الموت السريري".
ويضيف: "تسببت القيود الإسرائيلية بعدم إدخال المعدات التي نحتاجها في عمليات التصنيع ومنع كذلك إدخال قطع الغيار الخاصة بالماكينات، بجانب إعاقة عمليات التصدير إلى الضفة الغربية المحتلة وبخاصة أسواق مدينة الخليل، فضلاً عن صعوبة إدخال المواد الخام الخاصة بمستلزمات التصنيع أو إعادة التدوير".
ويعمل سرحان (51 عاماً) في مهنة بيع الذهب وتصنيعه منذ أكثر من ثلاثة عقود، بعدما اكتسب خبرة تلك المهنة النادرة من شقيقه الأكبر ووالده، الذي افتتح مع مطلع الثمانينيات مصنعاً لصناعة الذهب وإعادة تدويره في منطقة تل الزعتر، شمال قطاع غزة، بمساحة لا تتجاوز 120 مترا.
وبين تاجر الذهب أنّ معدلات شراء المواطنين الغزيين للذهب قبل فرض الحصار الإسرائيلي، كانت عالية طوال أيام السنة، وليس في مناسبات محددة، الأمر الذي كان ينعكس إيجابياً على مصانع وورش الذهب ويبقي الآلات تعمل لساعات طويلة لتلبية طلبات المواطنين أو عمليات التصدير، وذلك على عكس ما يجري الآن.
ويلفت سرحان إلى أنّ الحروب الإسرائيلية الثلاثة التي شنت على القطاع خلال سبع سنوات، أبعدت الناس عن اقتناء الذهب وشرائه، بعدما أصبح شيئاً ثانوياً، نتيجة تداعيات الحصار وعدم استقرار الأوضاع الحياتية والأمنية داخل القطاع، مبيناً أنّ مستوى العمل داخل مصنعه انخفض بمقدار 60% بعد عام 2007.
وبلغت القدرة الإنتاجية لمصنع سرحان، قبل ثماني سنوات، نحو 150 كيلوغراماً سنوياً من الذهب، لتتراجع بشكل حاد طوال سنوات الحصار، لأقل من 70 كيلوغراماً سنويا، فيما قلت أيام العمل داخل المصنع، الذي يديره خمسة عمال، ليوم أو يومين أسبوعيا ووفق طلب السوق المحلي.
ويتخذ سرحان من محله الصغير في ممر القيسارية القديم أو ما يعرف شعبيا بسوق الذهب، داخل مدينة غزة القديمة، مكانا ثابتاً لبيع الذهب الذي يجهزه داخل مصنعه، كحال عشرات التجار الذين تنتشر محلاتهم الصغيرة على طول الممر، حيث يتمركز في ذلك السوق غالبية تجار الذهب، البالغ عددهم نحو 240 تاجرا.
ولا يختلف حديث سرحان، حول أوضاع مصانع الذهب في غزة، عن حديث التاجر، وائل أبو زايدة، الذي قال لـ "العربي الجديد" إنّ الذهب المصنع محليا يلقى إقبالا كبيرا من المواطنين بسبب انخفاض سعره، مقارنة بالذهب المستورد والأجنبي، رغم أن الأخير يتميز بحداثة تشكيلته ودقة تصنيعه، بسبب جودة الآلات المستخدمة.
وأضاف أبو زايدة: "الذهب المستورد يدخل إلى غزة مهربا من دول الخليج وتحديدا إمارة دبي، منذ عقود طويلة، نتيجة عدم وجود كيان مستقل أو بنك مركزي يتكفل بمهمة الاستيراد والتصدير"، مشيرا إلى أن أسعار الذهب المستورد تتحدد بتكلفة مراحل النقل والتهريب، وما قد ينتج عنها من سرقة أو عمليات احتيال وغش.
ولفت أبو زايدة إلى أن عمليات شراء الذهب تقتصر على فئات قليلة من ذوي الدخل العالي والميسور، وفي فترات محددة كالأعياد أو خلال شهري يوليو/تموز، وأغسطس/آب، اللذين يكثر فيهما الزواج، مستدركا: "كميات الشراء في الفترة الجارية، لا تتجاوز نصف الكمية التي كان يشتريها كل زوجين قبل فرض الحصار".
ويملك غالبية أصحاب مصانع الذهب في غزة، القدرة على تطوير مستوى إنتاجهم وزيادة مستوى الجودة في العمل النهائي، إن توفرت الأجواء المناسبة لذلك، المتمثلة برفع القيود الإسرائيلية عن إدخال قطع الغيار والآلات الخاصة بمصانع الذهب، بالتزامن مع تحسن الأوضاع الاقتصادية للمواطنين.
بدوره، ذكر مدير عام مديرية الدمغة التابعة لوزارة التموين بغزة، جمال مطر أن الذهب المصنع محليا يتميز بقلة قيمة المصنعية الخاصة به وانخفاض معدل الخسائر المالية عند إعادة بيعه، مشيرا إلى أن 70% من المواطنين يفضلون شراء المصنع داخليا، و30% يشترون الذهب الأجنبي.
وأضاف مطر "كافة أصناف الذهب المصنوعة محليا أو المتوفرة في السوق، تخضع للدمغة من قبل المديرية والجهات المختصة، من خلال أخذ عينات لفحص جودة الذهب ومدى مطابقته للمواصفات المحددة مسبقا"، مبينا أن المصانع في قطاع غزة تنتج سنويا نحو طن ذهب، بينما يورد له من الخارج نحو 300 كيلوغرام سنويا.
وعن تصنيع الذهب، أوضح مطر أن أصحاب المصانع وورش العمل يتجهون لشراء الذهب من التجار، وهو الذي يبيعه المواطنون بعدما يتكسر، ليعيدوا صناعته وفق القوالب والموديلات التي يملكونها، مشيرا إلى أن أسعار الذهب قد تنخفض بين الحين والآخر، لكن ذلك لا يدفع المواطنين للشراء، بسبب ظروفهم القاسية.
ويواجه أصحاب مصانع الذهب بغزة معوقات مختلفة أبرزها، قدم المعدات الموجودة حاليا وتهالكها؛ نتيجة طول فترة استخدامها دون تحديث، وعدم توفر المواد الخام، بسبب إغلاق المعابر وقيود الاحتلال الإسرائيلي، بجانب الأوضاع المعيشية الصعبة التي تتحكم بالقدرات الشرائية للمواطنين، وبالتالي كميات الذهب المصنعة.
نقلا عن العربي الجديد