وكالات - الاقتصادي - يكاد يكون من المستحيل أن يتجاهل مشجعو الرياضات الاحترافية دعاية صناعة التشفير اللجوجة التي تروّج عبرها منتجاتها، فقد أصبحت أسماء بورصات العملات المشفرة وشركات "بلوكتشين" تزيّن قمصان الفرق الرياضية ولافتاتها تغزو الملاعب وتلوح عبر الإعلانات التلفزيونية بين أشواط المباريات. كما يروّج لاعبون بارزون لمنتجات تلك الشركات لقاء صفقات دعائية مجزية.
تحرّكت هذه المجموعة من الشركات الناشئة بقوة منذ العام الماضي لمضاهاة السطوة الإعلانية لعلامات تجارية في قطاعات السيارات ومشروبات الشعير وخدمات الاتصالات وغيرهم من أقوياء رعاة المجال الرياضي.
وقّعت بورصة "بينانس" للعملات المشفرة في جزر كايمان عقوداً مع نجم كرة القدم كريستيانو رونالدو وبطولة كأس الأمم الأفريقية. كما أبرمت "كوين بيس" اتفاقات مع الرابطة الوطنية لكرة السلة "إن بي إي"، ونجمها الشهير كيفن ديورانت. أما بورصة "إف تي إكس" في جزر الباهاما، فأبرمت اتفاقات مع دوري البيسبول الرئيسي، ولديها حقوق امتياز تتراوح من فريق "ميامي هيت" في "إن بي إي" إلى فريق الرياضات الإلكترونية "تي إس إم" (TSM)؛ بل إن دوري سباق الطائرات بدون طيار يحصل على أموال دعاية من شركات العملات المشفرة.
كانت الشركات سالفة الذكر قد رصدت أكثر من 2.4 مليار دولار لخططها التسويقية عبر الألعاب الرياضية خلال 18 شهر خلت، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ"، إذ تُنفق تلك الأموال الطائلة لجذب مزيد من المستخدمين إلى عالم "ويب 3" الخاص بهم، أو التكنولوجيا اللامركزية التي يعدّونها المرحلة التالية من الإنترنت.
اختبار الاستمرارية
غير أن سخاءهم ربما يكون عابراً، إذ سيختبر الركود الحاد في سوق العملات المشفرة هذا العام استعداد هذه الشركات وقدرتها على مواصلة ضخ الأموال في تعاقداتها لرعاية بطولات الدوري والفرق والرياضيين، على حد سواء. لكن حالياً تتوالى الصفقات، ما يدفع أصحاب الامتيازات والمديرين التنفيذيين للنظر إلى العملات المشفرة باعتبارها الراعي الأكبر للقطاع الرياضي في المستقبل.
تتمتع الكيانات الرياضية بجاذبية خاصة كون صفقاتها تراكمية، فكل منها تجلب راعياً جديداً ينضم إلى قائمة الرعاة الأصليين مثل "نايكي" أو"بدويايزر " أو"كابيتال ون" بدلاً عن إزاحتهم. بالنهاية، يمكن لمزوّد خدمات التشفير الرسمي بأحد الدوريات التعايش بسهولة مع الرعاة الرسميين الآخرين لمشروبات الشعير وبطاقات الائتمان وموردي الملابس الرياضية. لم يدان أي شيء فيض الإعلانات للعملات المشفرة الذي شهده عالم الرياضة أخيراً حتى مقارنة مع انفجار فقاعة "الدوت كوم" في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حين أنفقت شركات ناشئة غير معروفة تحت أسماء مثل "إي ستامب دوت كوم" ملايين الدولارات على إعلانات بطولة سوبر بول.
بقيمة 400 مليون دولار.. "كريبتو.كوم" تتصدر صفقات الشراكة الرياضية لعام 2021
قال بيتر لاتز، العضو المنتدب العالمي لدى شركة أبحاث الرعاية "أي إي جي" (IEG): "هناك سيل من الدولارات ينهمر من السماء".
في سباق الجائزة الكبرى الافتتاحي لـ"فورمولا 1" الذي أقيم في ميامي هذا الربيع، زُيّن المجمع بأكمله بلافتات "كريبتو دوت كوم" (Crypto.com)، بما في ذلك جدران مضمار السباق والمنصة والمدرجات، حتى أن اسم العلامة التجارية غطى سقف خيمة المشاهدة الضخمة بحيث يبدو عبر الكاميرات التي تحملها المروحيات.
عقد ستيفن كاليفويتز، كبير مسؤولي التسويق والعقل المدبر وراء صفقة رعاية السباق، اجتماعات في الحلبة مرتدياً قميصاً أسود وبنطلون جينز قبل أن يعبر شرفة "كريبتو دوت كوم" متجهاً إلى جناح الرموز غير القابلة للاستبدال في الفعالية المعروفة رسمياً باسم "فورمولا ون كريبتو دوت كوم ميامي غراند بريكس" (Formula One Crypto.com Miami Grand Prix).
مبلغ غير معلن
عندما انطلقت سيارات السباق متخطيةً الطريق المستقيم إلى القسم الأول من منعطفات المضمار، تجاوزت الحواجز التي لونها شعار الشركة إلى جانب لافتات باللونين الأخضر والذهبي تروّج لصانعة الساعات السويسرية الفاخرة "رولكس". لقد أبرزت طريقة العرض تلك المنطق الكامن وراء حاجز كاليفويتز البصري، إذ يقول: "أريد أن أكون على نفس مستوى (رولكس)".
لم يذكر كبير مسؤولي التسويق لدى "كريبتو دوت كوم" المبلغ الذي أنفقه تحديداً لإغراق 240 ألفاً من الحضور والملايين من مشاهدي التلفاز حول العالم بشعارات التشفير طوال عطلة نهاية الأسبوع التي شهدت فعاليات السباق على مدى ثلاثة أيام، لكنه حتماً كان مبلغاً كافياً للتأكد من أن تترك "كريبتو دوت كوم" انطباعاً لا يُنسى، حيث قال: "لا يمكنني أن أكون ثانوياً".
"دوج كوين" تجذب اهتمام نجمة التنس نعومي أوساكا
كان كاليفويتز واحداً من أوائل الدافعين لاستحواذ منصات العملات المشفرة على رعاية الألعاب الرياضية. عمل كاليفويتز لدى شبكة "إتش بي أو" التلفزيونية، حيث شارك في برامج مثل "داخل الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية" (Inside the NFL) و"الرياضة الحقيقية مع براينت غومبيل" (Real Sports with Bryant Gumbel) قبل انضمامه إلى "كريبتو دوت كوم" في 2020 ليقود سعيها لجذب مزيد من المستخدمين. جعلته خبرته السابقة يدرك سريعاً كيف وفّرت الرياضة وسيلةً واضحةً للوصول إلى المجتمع المناسب لمتداولي العملات المشفرة من الشباب.
من التبغ الى التشفير
كان لـ"فورمولا 1" جاذبية طبيعية، فهي مغامرة عالمية تحظى بمشاهدين أثرياء، كما تنطوي تاريخياً على مخاوف أقل من نظيراتها فيما يتعلق بنسب الرعاة. موّلت الطفرة في إعلانات السجائر العصر الذهبي لهذه الرياضة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حيث غطّى اللونان الأحمر والأزرق لشركات "مارلبورو" و"روثمانز" على التوالي سباقات الجائزة الكبرى. سجل كاليفويتز أولى صفقات رعاية التشفير للرياضة الشهيرة عبر إبرامه اتفاقاً لعدة أعوام مع "أستون مارتن" في مارس 2021، وبحلول يونيو كانت "كريبتو دوت كوم" تراهن بكامل طاقتها على سباق "فورمولا 1"، حيث وقّعت اتفاقاً بقيمة 100 مليون دولار دفعها إلى مصاف الشركات الضخمة متعددة الجنسيات، بما فيها صانعة البرمجيات السحابية "سيلزفورس" (Salesforce) وشركة النفط السعودية "أرامكو".