وكالات - الاقتصادي - كانت الروح الجماعية المؤيدة للعملات المشفرة بين جيل من التقنيين المنعزلين أكبر عامل مُروّج لها. لكن هذه الروح نفسها أصبحت أكبر تهديد لبقائها وسط انتشار الذعر الحالي في جميع أنحاء العالم.
كشفت موجة البيع للابتعاد عن المخاطرة في أسواق العملات المشفرة هذا العام، والتي غذّاها الاحتياطي الفيدرالي الذي عزم فجأة على وضع حدٍّ للتجاوزات، عن ترابط الشبكة الإلكترونية بشكل شبيه إلى حدٍّ ما مع تشابك عقود المشتقات التي أدّت إلى انهيار النظام المالي العالمي في عام 2008. تراجعت مجموعة متكاملة من العملات البديلة تزامناً مع انهيار "بتكوين" بمقدار 70% عن صعودها القياسي. بدأ انهيار نظام عملة "تيرا" (التجربة التي تمّ الترويج لها كثيراً في مجال التمويل اللامركزي) بخسارة العملة المستقرة خوارزمية ربطها بالدولار الأمريكي، وانتهى بسحوبات مصرفية جعلت قيمة "تيرا" تتبخر من 40 مليار دولار إلى شيء عديم القيمة تقريباً
أصبحت الضمانات المرتبطة بالعملات المشفرة، والتي بدت قيّمة بما فيه الكفاية للحصول على القروض يوماً ما، منخفضة للغاية أو غير سائلة، ما جعل مصير ما اعتُبر سابقاً كصندوق تحوّط منيع سابقاً وعدداً من البنوك البارزة ضبابياً.
ضربات متزامنة
إلا أن العوامل التي تسببت في الانهيار ليست جديدة. كان الجشع، والإفراط في استخدام النفوذ، والاعتقاد المتصلب بضرورة "زيادة الأعداد" حاضراً أثناء انفجار كل فقاعة أصول أخرى تقريباً. تحلّ تلك العوامل في وقت واحد بصناعة العملات المشفرة حالياً، لا سيما في هذه اللحظة تحديداً التي ما تزال غير مُنظّمة إلى حدٍّ كبير، تزامناً مع ضبابية الحدود الفاصلة ووهن "الحماية من الفشل" التي أوجدتها قناعة بين الكثيرين مفادها أن الجميع سيُصبحون أثرياء سوياً.
مرّ تاريخ العملات المشفرة بالعديد من الانخفاضات الرئيسة المعروفة وسط أقرانها بمصطلح "شتاء التشفير" وبالسوق الهابطة لدى بقية صناعة التمويل. لكن توسع السوق وزيادة تبني العملات، بدءاً من الناس العاديين إلى المستثمرين، يعني أن هناك أشياء كثيرة مهددة الآن. يُعدّ بيع كيم كارداشيان لعملة مشفرة بعدما اشترتها بفترة وجيزة أمراً صغيراً مقابل اعتزام تقديم شركة "فيديليتي" (Fidelity) لعملة "بتكوين" كخيار استثماري في برنامج الادخار التقاعدي (401K) التي قد تؤثر على جيل كامل. كما أدى نمو هذه العملات إلى ارتفاع صدى اضطرابات هذا العام بشكل أكبر من ذلك بكثير، إذ تبع انتهاء فترة سبات العملات المشفرة الأخيرة لمدة عامين، قبل انتهائها في عام 2020، صعود حجم القطاع إلى 3 تريليونات دولار تقريباً من إجمالي الأصول في نوفمبر الماضي قبل هبوطه إلى أقل من تريليون دولار.
قال جيسون أوربان، الرئيس المشارك للتداول لدى "غالاكسي ديجيتال هولدينغز" (Galaxy Digital Holdings)، في مقابلة: "الأمر مختلف هذه المرة. أنت ضحية لنجاحك حقاً". استفادت شركة الوساطة، "غالاكسي، التي أسسها الملياردير مايك نوفوغراتز بقيمة ملياري دولار، بشكل كبير من صعود العملات المشفرة، ولكنها كانت من أبرز مستثمري الصناعة في تجربة "تيرا".
إذا كان وضع العملة المستقرة "تيرا" في مرحلة هبوطها الحاد يتشابه مع انهيار مصرف "بيرن ستيرن" (Bear Stearns)، فإن الكثيرين يخشون من اقتراب مرحلة انهيار بنك "ليمان برذرز"(Lehman Brothers) . فمثلما كانت عدم قدرة البنوك على تلبية طلبات تغطية الهامش علامة تحذيرية مُبكّرة للأزمة المالية في عام 2008، كان للعملات المشفرة أمر مشابه هذا الشهر. كشفت كل من "سيلسيوس نتوورك" (Celsius Network)، و"بابل فاينانس" (Babel Finance)، و"ثري أروز كابيتال" (Three Arrows Capital)، عن مشكلات كبيرة ناتجة عن انخفاض أسعار الأصول الرقمية، ما أدى إلى أزمة سيولة نابعة بسبب اعتماد الصناعة على بعضها البعض.
قال ليكس سوكولين، الرئيس المشارك للتكنولوجيا المالية العالمية لدى "كونسينسيس"(ConsenSys): "بدا الانكماش الاقتصادي في عام 2022 شبيهاً بخفض الرفع المالي في مفهوم التمويل التقليدي. تنطبق كذلك كافة الكلمات المستخدمة من قبل الناس مثل (السحب من البنوك) أو (الإعسار) على القطاع المالي التقليدي العامل وشديد النشاط. كان لثقة المستهلك ولنظرته إلى الممثلين السيئين دورٌ في الحالتين بالتأكيد، ولكن ما يحدث الآن هو خروج الأموال من النظم التشغيلية المنتشرة بسبب الإفراط في الرفع المالي وسوء المخاطرة ".