وكالات - الاقتصادي - كان سبيل معالجة التغير المناخي واضحاً فيما مضى فما عليك إلا أن توقف انبعاثات الاحتباس الحراري لتبدأ حرارة الكرة الأرضية بالاستقرار. لكن هذا الوضوح ليس رخيصاً ولا يعني أنه عملي أو مواتٍ سياسياً، فقد ماطلت الدول في معالجة التغير المناخي لدرجة أن العلماء باتوا يحذّرون أن خطر وقوع كارثة مناخية قائم حتى لو حيّدنا الانبعاثات خلال عقدين. لذا بدأت فكرة سحب ثاني أكسيد الكربون من الهواء لتخزينه في مكان لا يعود منه إلى الغلاف الجوي تكتسب زخماً بعد أعوام من النقاش والتطوير.
قالت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ التابعة للأمم المتحدة في تقرير في أبريل أن الحاجة لإزالة الكربون، وهي مهمة أصعب بكثير من احتجاز الغازات لدى خروجها من نهايات المداخن "أمر لا مفرّ منه" ليتمكن العالم من تحقيق هدفه المتعلق بخفض درجات الحرارة. حدّد الاتحاد الأوروبي هدفاً يقضي بزيادة استخدام هذه التقنية بقدر ألف ضعف خلال عقد.. قال نيل ماك داول، مهندس أنظمة الطاقة في كلية لندن الإمبراطورية: "يجب تحييد الانبعاثات على المستوى العالمي، ثمّ خفضها كثيراً لما دون الصفر... من أجل تعويض الضرر الذي لحق بالكوكب، لا بدّ من إزالة ثاني أكسيد الكربون من الجوّ بشكل دائم."
سحب الكربون
تعهدت شركة "ألفابيت" التي تملك "غوغل" ورئيس شركة "تسلا" إيلون ماسك وعدد من مجموعات المستثمرين بالأسهم الخاصة بتخصيص أكثر من ملياري دولار للشركات الناشئة التي تقترح حلولاً مثل شفط ثاني أكسيد الكربون من السماء، أو سحق المعادن بغية احتجاز الكربون، كما يجذب المغنطيس الحديد، أو زرع غابات شاسعة من الطحالب البحرية في قاع المحيطات. يأتي هذا علاوة على 3.5 مليار دولار خصصتها إدارة الرئيس جو بايدن لإنشاء أربعة مراكز لإزالة الكربون، حيث يمكن تطوير واختبار تقنيات مختلفة.
قالت إيرين بورنز، المديرة التنفيذية في مجموعة "كاربون 180" الناشطة في مجال حماية المناخ في أوكلاند "هذه لحظة مفصلية... نشاهد مبالغ ضخمة يقدمها القطاع الخاص واستثمارات فدرالية تحظى بتأييد الحزبين".
هل يرتفع البحر ويغرق حلم كاليفورنيا؟
تشبه إزالة الكربون تقنية احتجاز الكربون وتخزينه، التي تتطلب احتجاز انبعاثات غازات الدفيئة الصادرة عن المداخن وحقنها في باطن الأرض. تبرز ضرورة هذه التقنية أيضاً لتخفيض انبعاثات المصانع، مثل معامل الصلب ومصانع الاسمنت. لكن ظلت فعالية هذه التقنيات محدودة حتى الآن بما أن معظم الغاز الذي يُنتج يُعاد ضخّه ببساطة في آبار النفط لاستخراج آخر براميل النفط الخام من الآبار شبه المستنفدة.
نظراً لأن ثاني أكسيد الكربون يشكّل أكثر من 10% من غازات العادم ولكن 0.04% فقط من الهواء، فإن آلات إزالة الكربون تستهلك طاقة أكثر لجمع الكمية نفسها من غازات الدفيئة. بالتالي، فيما تبلغ تكلفة الاحتجاز من مدخنة معمل نحو ستين دولاراً لطنّ من ثاني أكسيد الكربون، فإن إزالته من الهواء يكلّف أكثر 15 ضعفاً من ذلك.
جمع التمويل
تقول نخبة جديدة من رواد الأعمال الذي ينشطون في مجالات مختلفة، من إدارة الغابات والتربة إلى البرامج الإلكترونية والعملات المشفرة، إن هذه الفكرة قد تحقق النجاح. الشركة الناشئة السويسرية "كلايموركس" (Climeworks)، التي حصدت في أبريل الماضي تمويلاً بلغ 650 مليون دولار من شركات مثل شركة التأمين "سويس ري" (Swiss Re) و"بايلي غيفورد" (Baillie Gifford)، التي كانت من أولى داعمي "تسلا" و"أمازون"، صنعت آلة في أيسلندا مزودة بمراوح عملاقة قادرة على امتصاص 4 آلاف طنّ من الكربون من الجوّ سنوياً عبر حجزه في نظام ترشيح متخصص. يُمزج بعدها ثاني أكسيد الكربون المحتجز مع الماء ويتم ضخه تحت الأرض، حيث يتفاعل مع حجارة البازلت في أيسلندا ويتحول إلى صخر خلال بضع سنوات.
ما الذي لا يفهمه حتى خارقي الذكاء حول تغير المناخ؟
طوّرت شركة "فيردوكس" (Verdox) الناشئة في الولايات المتحدة نوعاً من البلاستيك قادر على سحب ثاني أكسيد الكربون من الجوّ حين يُشحن كهربائياً. تقول الشركة التي نشأت في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إن تقنيتها أكثر فعالية وأقل تكلفة من تشغيل آلات شفط ضخمة. يُذكر أن الشركة هي واحدة من 15 شركة فازت بمنح بمليون دولار ضمن مسابقة لإزالة الكربون موَّلها ماسك بهدف توزيع 100 مليون دولار على التقنيات الواعدة. رغم أن التقنية لم تثبت إلا داخل المختبرات، قالت "فيردوكس" إنها حققت مؤخراً إنجازاً على صعيد أحد موادها الأساسية، ما سيمكّنها من العمل على مستوى صناعي حيث تبلغ التكلفة 50 دولاراً للطنّ أو أدنى. كانت "فيردوكس" قد جمعت في فبراير الماضي 80 مليون دولار من المستثمرين، بينهم صندوق "بريكثرو إنيرجي فنتشورز" (Breakthrough Energy Ventures) الذي يقوده مؤسس "مايكروسوفت" المشارك بيل غيتس.
تخليل النباتات
تدمج شركات أخرى بين التقنية وقوة الطبيعة، فتستخدم النباتات لجمع الكربون لأن النباتات تستهلك ثاني أكسيد الكربون فيما تنمو، ثم تخزنها حتى لا تعيد النباتات إطلاق الغاز فيما تذبل أو تحترق. تحصد الشركة الناشئة الأسترالية "إنتر إيرث" (InterEarth) الأشجار بطريقة تسمح لها بالنموّ مجدداً، ثمّ تطمر الخشب في تربة أكثر ملوحة بعشر مرات من مياه البحر، كأنما تخلّله. بوجود الملح وغياب الأكسيجين، لا تتمكن الميكروبات من تفتيت الخشب، فيبقى ثاني أكسيد الكربون تحت الأرض. تقول "إنتر إيرث" التي جمعت حتى الآن 500 ألف دولار وتهدف لجمع ثلاثين مليون دولار إن هناك كمية كافية من الأراضي المالحة حول العالم لطمر ما يصل إلى مليار طنّ من الكربون سنوياً.
تحديات هائلة أمام تخزين الطاقة لتصفير الانبعاثات
تجمع شركة "شارم إنداستريال" (Charm Industrial) في سان فرانسيسكو النفايات الخضراء من حقول الذرة وتفتتها في مفاعلات كيميائية لإنتاج خليط أسود لزج يشبه النفط الخام، ثم تضخّ هذه المادة الزلقة الغنية بالكربون في آبار النفط والغاز المغلقة، حيث تتصلب. تقول الشركة إنها تمكّنت من احتجاز أكثر من 5 آلاف طنّ من الكربون بتكلفة تبلغ حوالي 600 دولار للطنّ العام الماضي، لكنها تتوقع أن ينخفض السعر بشكل كبير مع تطور التقنية. تشير "تشارم" إلى أنها تمكّنت إلى جانب شركة البحوث "بيتشكوك" (Pitchbook) من جمع حوالي 25 مليون دولار وتهدف لنشر عشرات من الوحدات المتنقلة لتجول في الولايات المتحدة بغرض تحويل المخلفات النباتية بخسة الثمن إلى وقود حيوي جاهز للطمر.
من سيدفع؟
تبقى مشكلة تسديد تكلفة هذه التقنيات الجديدة. إذ كانت خطط كبت وتجارة الكربون أسهمت بإنشاء أسواق لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مع ذلك، ظلّت الأسعار أقل بكثير من تكلفة إزالة الكربون اليوم. لذا أسهمت شركات "ألفابيت" و"ماكنزي" و"سترايب" و"شوبيفاي" و"ميتا بلاتفورمز" ("فيسبوك" سابقاً") بإنشاء صندوق بقيمة 925 مليون دولار يدفع للشركات المال مقابل إزالة الكربون من الجوّ. يسعى الصندوق الذي أُطلق عليه اسم "فرونتير" (Frontier) لضمّ جهات مانحة أخرى وتوزيع المال على عديد من الشركات الناشئة، على أمل خفض التكلفة عبر دعم تقنيات متنوعة، بينها تقنية "تشارم". قال رئيس "تشارم" التنفيذي بيتر رينهارت، وهو مدير تنفيذي سابق في مجال البرامج الإلكترونية درس هندسة الفضاء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "يجب أن نشتري لنخفض منحنى التكلفة كما فعلنا في حال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. صندوق فرونتيير خطوة كبيرة في هذا الاتجاه".
بين الجيولوجيا والاقتصاد.. كيف يمكن فهم تأثيرات تغيّر المناخ على الكوكب؟
مع ذلك، ما يزال التحدي هائلاً. ارتفعت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عالمياً العام الماضي لأكثر من 36 مليار طنّ، واضعة حدّاً لانخفاض مؤقت إبان الوباء. يأتي هذا بعدما تعهدت الحكومات والشركات لسنوات طويلة بخفض انبعاثات الكربون. حتى أن التقنيات الأكثر طموحاً تهدف لتخزين بضعة الملايين من أطنان الكربون سنوياً، إلا أن ذلك أشبه بإفراغ بركة بوساطة فنجان. إذ يتعيّن إزالة عشرات مليارات الأطنان من الغلاف الجوي خلال هذا القرن، ما سيتطلّب نمواً يفوق حتى النمو الذي حققه مجال الكمبيوتر والبرامج الإلكترونية في العقود الماضية.
قال رئيس " كلايمووركس" التنفيذي كريستوف غيبالد: "نتوسع باستخدام أطنان من الفولاذ... التريليونات اللازمة لجعل هذه الصناعة ضخمة ما تزال موضع سعي".