وكالات - الاقتصادي - يمكن لروسيا زيادة استهلاك الطاقة محلياً وزيادة الصادرات إلى أسواق جديدة بعد أن رفضت بعض الدول "غير الصديقة" شراء النفط الروسي، هكذا قال الرئيس فلاديمير بوتين.
يبدو الأمر بسيطاً، لكنَّه سيكون أكثر صعوبة من الناحية العملية بمجرد بدء الموجة التالية من القيود على تجارة النفط في موسكو.
حتى الآن، ليس هناك تأثير واضح على حجم النفط الخام المتدفق من موانئ التصدير الروسية.
في حين تراجعت الشحنات المنقولة بحراً خلال الأسابيع الأولى بعد الغزو الروسي لأوكرانيا؛ لكن لم يحدث انهيار مفاجئ.
زاد معدل الصادرات في الأسبوع الأول من أبريل، ويرجع ذلك جزئياً إلى تراجع حدة العواصف في البحر الأسود، مما أدى إلى تراكم السفن التي تنتظر التحميل في ميناء رئيسي.
التصدير إلى آسيا
لكن ما تغيّر هو إلى أين تتجه الكثير من تلك السفن. لقد حدثت قفزة كبيرة في أعداد الشحنات المتجهة إلى آسيا من موانئ البحر الأسود وبحر البلطيق، بالإضافة إلى حالة واحدة أيضاً من ميناء مورمانسك في القطب الشمالي.
ارتفعت تدفقات النفط الخام إلى الدول الآسيوية من الموانئ الغربية لروسيا من الصفر في الأسابيع التي سبقت الغزو إلى 875 ألف برميل يومياً في أول أسبوع كامل من أبريل.
تعادل تلك الكميات تقريباً شحنات روسيا اليومية المجمّعة إلى ألمانيا، وفرنسا، واليونان، وإيطاليا، والمملكة المتحدة قبل الغزو.
خصومات كبيرة
في حين اضطرت شركات النفط الروسية إلى تقديم خصومات كبيرة تزيد على 30 دولاراً للبرميل لبيع النفط الخام إلى أوروبا؛ فإنَّها لم تقدّم تخفيضات الأسعار نفسها للمشترين في الهند.
من المحتمل أن يتغيّر ما يحدث، مع تحول شركات تكرير النفط التي تديرها الدولة إلى الصفقات التي يتم التفاوض عليها بشكل خاص بحثاً عن شروط أفضل، بدلاً من الشراء من خلال العطاءات العامة.
لكن من المحتمل أن يكون هناك حد لمقدار ما ستشتريه شركات التكرير الهندية من روسيا. ستحل زيادة واردات الخام الروسي محل عمليات الشراء من أماكن أخرى، ومن المرجح أن يتوخى المشترون الحذر من الإضرار بالعلاقات مع مورّديهم التقليديين في الشرق الأوسط. قد يضع ذلك حداً للحجم الذي هم على استعداد لاستيراده من روسيا.
هناك مسألة التركيب الكيماوي للخام أيضاً. إذ يختلف كل نوع من أنواع النفط الخام، وتعمل معامل التكرير بشكل أكثر ربحية عندما تعالج درجةً معينة من الخام أو مزيجاً من الدرجات.
يتعيّن على الكميات المتزايدة من الخام الروسي أن تحل محل الخامات ذات الجودة المماثلة، من حيث الجاذبية ومحتوى الكبريت، مما قد يحد أيضاً من الكميات التي يمكن لمصافي التكرير أن تعالجها.
رحلات أطول للسفن
كما أنَّ زيادة تدفقات النفط الخام من الموانئ في غرب روسيا إلى الهند والصين، والتي ربما يقابلها ارتفاع تدفقات خام الخليج العربي إلى أوروبا، ستسبب ضغطاً على أسواق الناقلات.
من شأن قطع مسافات أكبر، تشغيل المزيد من السفن لفترات أطول في كل عملية تسليم.
يستغرق نقل شحنة من النفط الخام من ميناء نوفوروسيسك الروسي على البحر الأسود إلى سيكا في الهند ثلاثة أضعاف المدة التي يستغرق تسليمها إلى ترييستي في إيطاليا.
من بحر البلطيق، الذي أصبح المنفذ الرئيسي لروسيا للشحنات المتجهة غرباً، تكون الزيادة أكبر في الوقت المستغرق لنقل الشحنة.
يستغرق تسليم النفط الخام من بريمورسك، أو أوست لوغا إلى فنلندا، أو ليتوانيا، أو بولندا يوماً أو يومين، وربما يصل إلى أسبوع لشحنها إلى هولندا أو ألمانيا.
تستغرق الرحلة إلى الساحل الغربي للهند شهراً، ولكي تصل إلى الساحل الشرقي تستغرق فترة أطول.
بالنظر إلى مزيج الوجهات الروسية قبل الغزو لصادراتها من النفط الخام من بحر البلطيق؛ فإنَّ التحويل الكامل للتدفقات إلى الهند سيتطلّب خمسة إلى ستة أضعاف عدد السفن المستخدمة عادة.
زيادة تكاليف النقل
سيؤدي الطلب المتزايد إلى رفع الأسعار، وهو خبر سار لأصحاب السفن، لكنَّه بمثابة أخبار سيئة لمن سيتعيّن عليه تحمّل تكاليف النقل.
الزيادة مماثلة للشحنات القادمة من ميناء مورمانسك الروسي في القطب الشمالي. إذ تقوم معظم الشحنات برحلة مدتها أسبوع إلى روتردام.
تقطع الشحنة حالياً رحلة مدتها تصل إلى شهر باتجاه باراديب على الساحل الشرقي للهند.
قد تضطر المزيد من الشحنات أن تقطع المسافات الطويلة، إذ يبدأ الاتحاد الأوروبي في تشديد موقفه بشأن واردات النفط الروسية.
في أي مكان آخر قد تبيع روسيا نفطها؟
أحد الاحتمالات هو المخزون الاستراتيجي للصين، إذا كانت على استعداد لتقديم خصومات كبيرة بما يكفي لجعل الشحنات جذابة للمشترين المهتمين بالأسعار في البلاد.
بل كانت هناك اقتراحات تتمثل في أنَّ منتجي النفط في الشرق الأوسط قد يشترون الخام الروسي الرخيص لمعالجته في معامل تكرير مشاريعهم المشتركة الخارجية، لتوفير المزيد من براميلهم للتصدير.
بورصة الديزل الرئيسية في أوروبا تعزز قدرة روسيا على مواصلة التصدير
يمكن أن يجعل تقديم الخصومات الكبيرة هذا الاقتراح جذاباً، إذ قد تصل الكميات إلى 200 ألف برميل يومياً.
لكن إذا كانت أوروبا جادة في عدم الاعتماد على الخام الروسي؛ فسيتعيّن على موسكو أن تجد أسواقاً لاستيعاب الكثير من النفط.
تم شحن حوالي 1.8 مليون برميل من الخام الروسي يومياً إلى الموانئ الأوروبية قبل غزو أوكرانيا.
لا يكون استخدام المزيد من النفط الخام داخل روسيا منطقياً إلا إذا حقّقت الدولة فائدة مثمرة، الأمر الذي سيتطلب تعزيز دور الصناعة، وهو أمر يبدو مستبعداً.
إنَّ زيادة المبيعات للمشترين الآسيويين، الذين لا يظهرون عزوفاً عن شراء الخام الروسي، هو حل جذاب ظاهرياً. لكنَّها ستكون أكثر تكلفة بالنسبة إلى روسيا من البيع للمشترين الأوروبيين بمبالغ طائلة على عتبة دارها.