مع تمام الساعة السابعة من صباح كل يوم، ينهي الفلسطيني محمد معمر تجهيز دراجته الهوائية و"ترامس القهوة" المطهوة على الحطب؛ للانطلاق في رحلة جديدة من رحلات كسب الرزق من منزله في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة إلى مدينة غزة.
ولجأ الخمسيني إلى العمل في بيع القهوة لصالح المؤسسات والشركات والعديد من المحال التجارية في مدينة غزة، بعد أن توقف مصنع حياكة الملابس الذي كان يعمل فيه لسنوات طويلة، بفعل الحصار والتدمير الإسرائيلي للمنطقة الصناعية.
ويجوب معمر، الحاصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية والاقتصاد من جامعة النجاح بالضفة الغربية، شوارع المدينة، قاصداً توزيع القهوة على المشترين منه، أملاً في بيع أكبر قدر ممكن منها؛ كي تساعده لتوفير مستلزمات بيته وأبنائه الستة.
ويروي معمر لـ"العربي الجديد" بدايته في مشروعه البسيط، من خلال فكرة عابرة من أصدقائه وإلحاح عدد منهم للعمل في بيع القهوة، كونه من الماهرين في إعدادها، حيث استقر به المطاف بعد رحلة طويلة من التفكير لبيع القهوة بشكل مطهو وجاهز لصالح المؤسسات والمحال التجارية.
ويقول إن تكلفة المشروع الإجمالية لم تتعد في مراحلها الأولى الـ130 دولاراً أميركياً، حيث وجدت الفكرة رواجاً وإقبالاً من قبل مدراء بعض الشركات ومالكي أصحاب المحال التجارية، وأصبح عدد كبير منهم يقوم بشراء القهوة يومياً بمبلغ لا يتجاوز 1.5 دولار.
ويضيف: "تعتمد فكرة المشروع على شراء القهوة ثم إعدادها وتجهيزها وإرسالها إلى مطحنة متخصصة لتصبح جاهزة للطهو، وبعدها أقوم بطهوها عبر الحطب كي تكتسب مذاقاً خاصاً يجعلها مميزة عن أي مذاق آخر للقهوة، أضعها في الترامس وأنطلق بها إلى مدينة غزة".
ويشير معمر إلى أن عمله اليومي يعتمد على ثلاث جولات عبر الدراجة الهوائية، تبدأ الأولى من الساعة الثامنة صباحاً فور وصوله مدينة غزة، حيث ينطلق للمحال التجارية والأسواق في منطقة الشجاعية شرقي المدينة، ثم الاتجاه نحو الغرب، ثم إلى منطقة الرمال وسط مدينة غزة، ثم العودة مجدداً إلى منزله، مرجعاً سبب اختياره مدينة غزة لبيع القهوة، كونها مركزاً رئيسياً للعديد من الشركات والمؤسسات التجارية والمنطقة الأكثر حيوية في القطاع.
ويبين أن بداية المشروع كان هناك حركة تجارية مقبولة بفعل وجود الأنفاق الأرضية على الحدود مع مصر ووصول البضائع للقطاع، حيث كان يصل متوسط الدخل الأسبوعي له إلى نحو 80 دولاراً، إلا أن هدم الأنفاق والحروب المتتالية على غزة وإغلاق المعابر أدى ذلك إلى ضعف الحالة التجارية وتراجع دخله.
ودفعت التكلفة المرتفعة للمواصلات الخمسيني معمر إلى شراء دراجة هوائية من أجل التنقل بها عبر سلسلة من الجولات الصباحية التي يقوم بها للمحال والشركات المتعاملة معه، لتوفير النفقات وضمان الحصول على أكبر عائد مادي ممكن، كونها المهنة الأساسية له ولعائلته المكونة من ثمانية أفراد.
ويوضح أن الواقع المعيشي الصعب، والظروف الاقتصادية القاسية، وعدم توفر فرص عمل، جعلته يضطر إلى العمل في مجال القهوة لتوفير مصاريف بيته وأبنائه، بعد أن فقد الأمل في أن يعاود مصنع الملابس الذي كان مشرفاً فيه على قطاع العمال للعمل مجدداً.
ويتابع معمر: "رغم أن ما توفره هذه المهنة يعتبر بسيطا للغاية لقاء التعب والإرهاق والتكاليف اليومية، إلا أن عدم وجود البديل وعدم وجود فرص عمل حتى لأبنائي الخريجين، تجعلها أفضل بكثير من الاعتماد على مساعدات من هنا أو هناك وتوفر لي ولعائلتي الحد الأدنى للعيش".
ويطمح الغزي معمر إلى أن تسعفه أموره المالية في مهنته، وأن يتمكن من توسعة مشروعه لافتتاح مصنع متخصص في إنتاج القهوة يساعده على زيادة دخله اليومي ويلبي من خلاله احتياجات أسرته اليومية، في ظل ارتفاع معدلات البطالة وزيادة نسبة الفقر بين سكان القطاع.
وتسجل البطالة في قطاع غزة، المحاصر إسرائيلياً منذ تسع سنوات، ارتفاعاً مطرداً، مع زيادة أعداد خريجي الجامعات الغزية، حيث وصلت نسبة البطالة إلى نحو 60% من أعداد السكان، غالبيتهم من الشباب، بالإضافة إلى انعدام الأمن الغذائي بنسبة 55 %.
وحسب بيانات اتحاد العمال في قطاع غزة، فقد تسببت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع في ارتفاع نسبة الفقر في صفوف العمال، وأدت إلى ارتفاع نسبة الفقر في "صفوف العمال" إلى 70%، كما رفعت معدل البطالة إلى 60%.
نقلا عن العربي الجديد