وكالات - الاقتصادي - تطرح الحرب الدائرة في أوكرانيا الكثير من الأسئلة عن آثارها القريبة والبعيدة المدى، ومن سيخسر فيها أكثر ومن سيخرج بالمنفعة الأكبر، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي.
في تقرير لصحيفة "يني شفق" التركية، تحدث الكاتب والعالم السياسي سليمان سيفي أوغون عن الولايات المتحدة ومكانتها الدولية وموقفها من الحرب الروسية الأوكرانية، حيث يشهد بأنها المستفيد الأكبر من هذه الحرب.
ويوضح الكاتب أنه عند النظر إلى الولايات المتحدة وبريطانيا كقوتين إنتاجيتين جعلتا الغرب في تدهور مستمر، وجعلتاه يخسر ميزاته وإرثه التاريخي لصالح آسيا، وفي مرحلة لم يعد فيها بإمكانه المضي قدما، يمكننا أن نفهم سبب جرهما للعالم بأسره إلى مناخ الحرب، لكن يبدو أن الغرب ما زال بحوزته بعض المجالات التي تمكن من الحفاظ على تفوقه فيها إلى الآن.
ويبين أن الدولار الأميركي -على الرغم من انتكاساته- لا يزال يحافظ على طابعه كوحدة عملة احتياطية على مستوى العالم، وكذلك الجيش الأميركي لا يزال الأقوى في العالم، حيث إنه أكبر من قوة عدة منافسين مجتمعين، مبينا أن خلاصة الكلام: أنه لا يوجد منافس للغرب في تشكيل الرأي العام العالمي.
ويؤكد الكاتب أن الكل يعلم الآن أن الولايات المتحدة حققت عظمتها العالمية من خلال كونها أضخم قوة استهلاكية، فهي من وضع المقاييس المثالية للرفاه الذي ينتهي بالاستهلاك، وتحولت بفضل مكانتها إلى نمط حياة صارت تنظر إليه الشعوب الأخرى بغبطة وإعجاب، وقد ضمت إليها أوروبا، واستخدمتها في مواجهة التهديد السوفياتي، وبهذا استولت الولايات المتحدة فعليا على الموارد البشرية لعقود، كما استولت على الفائض العالمي المتبقي خارجها.
قوة إنتاجية
يضيف الكاتب: الفترة بين عامي 1950 و1970 كانت هناك قوة إنتاجية هائلة تدعم الولايات المتحدة لتكون دولة رفاه استهلاكية، ولكن شوهد حدوث انخفاضات كبيرة في إنتاجية كل من رأس المال والعمل، وعلى الرغم من انخفاض الدولار آنذاك، فإنه كان مرتبطا بالذهب، وبسبب مدفوعات الذهب كانت المخازن في تناقص، وعندما أدركت أنها لن تتمكن من النهوض ثانية، تخلت الولايات المتحدة عن المعيار القائم على الذهب أوائل السبعينيات.
ويتابع قائلا إن أميركا انتقلت فترة السبعينيات إلى تطبيق قرار عرف آنذاك باسم "صدمة نيكسون" فقد قامت من خلاله بطباعة عملة الدولار بشكل غير محدود، وربطت تجارة الطاقة خاصتها بالدولار، وقامت باستثمارات كبيرة في الشرق الأوسط. وبهذه الطريقة، تمكنت من إحياء شركاتها المفلسة في سوق الأوراق المالية، والحفاظ على تميزها العالمي، بجعل العالم يرضخ تحت ديون ثقيلة.
أما الآن، فإن هذه العملية ذاتها صارت تعمل بشكل مضاد لها، فلا يمكن إنعاش اقتصادها من غير طباعة الدولار، كما أن هناك تضخما شديدا يلوح في الأفق، بحسب الكاتب، الذي يضيف أنه بعد التسعينيات، حدث أمران لم يكونا بالحسبان، الأول أن الولايات المتحدة توقعت النصر، وانهار الاتحاد السوفياتي، وقامت بنهبه، وظنت أنها تستطيع أن تستمر في هذا النهب إلى ما لا نهاية، ولكن ومع بداية العقد الأول من القرن الـ 21، جعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العقل الروسي ومؤسساته على أهبة الاستعداد، وبذلك فقدت أميركا أوروبا الشرقية، لكنها تمكنت من استعادة نفوذها السابق في آسيا.
وبالمقابل، يقول الكاتب إن الأهم من ذلك أن بوتين بدأ عملية من شأنها جعل سيطرة الولايات المتحدة على أوروبا في تراجع، وجعل القارة العجوز تعتمد عليه في مجال الطاقة.
صعود اقتصادي
ويلفت الكاتب إلى أن الأمر الثاني الذي لم تحسب له الولايات المتحدة كان هو الصعود الاقتصادي الذي حققته كل من الهند والصين، فمن الصناعة ذات العمالة الكبيرة، إلى رأس المال، ونهاية بالصناعات العامرة بالتكنولوجيا، كانت تستنزف هاتان القوتان الغرب وتضعفه، ولكن كانت القضية الوحيدة التي تدعم أميركا هي إمبراطورية الدولار، ولكن وبعد أزمة عام 2008، أدّت أسواق العملات المشفرة، والظهور التدريجي لممارسات الدفع بالذهب، إلى وضع هذه الإمبراطورية في مأزق.
ويعتقد أن الحرب الروسية الحالية ستضع حدا لهيمنة الدولار، وأن الحظر الذي تقوم بتطبيقه أميركا الآن على الاحتياطات الأجنبية الروسية لن يساهم في شيء غير تسريع حدوث ذلك، وبفضل القرارات غير العقلانية للغرب فإنه يدفع روسيا أكثر نحو آسيا، ويجعلها تلتقي بالصين والهند.