يطلق عليها زبائنها لقب "المرأة المكافحة"، فهي بدأت حياتها المهنية مع والدها عندما كانت تساعده في البيع وعمرها خمسة أعوام، عاشت ظروفاً صعبة وقاهرة منذ صغرها حتى زواجها بسبب فقر عائلتها، لتتحدى واقعها وتنشأ مشروعها الخاص في بيع أدوات الخردة وبعض الأدوات الصناعية والزراعية ومواد البناء وغيره...
جهد مستمر
صباح أبو عاصي (أم العبد) عمرها 62 عاماً، تقف في محلها في سوق فراس الشعبي في مدينة غزة ويحيط بها عدد كبير من الزبائن يومياً، لتقوم بتلبية طلباتهم من أدوات صناعية كالنجارة والحدادة والبناء والأدوات المنزلية ويساعدها في ذلك اثنان من أبنائها وأحد العمال. ويعتبر محلها مستودعاً صغيراً، حيث يمكن أن تجد فيه كل ما يلزمك في أي مهنة تمارسها، وهذا الواقع جعل من محل صباح مقصداً لعدد كبير من أبناء غزة.
كانت أبو عاصي تجمع بين مساعدة والدها ودراستها، فبعد الانتهاء من يومها الدراسي تذهب إلى المحل، وتراقب والدها وتعينه وتتواصل مع الزبائن، حتى حصلت على شهادة الثالث الإعدادي.
تقول أم العبد لـ"العربي الجديد": "أنشأت هذا المحل الخاص بي قبل نحو 20 عاماً، بعدما واجهت ظروفاً حياتية قاسية بعد زواجي عام 1970. فأنا لدى ثماني بنات وثلاثة شبان، وكان زوجي بلا عمل، فعشنا في وضع مادي سيئ جداً، فكرنا كثيراً في إيجاد حلول لوضعنا، إلى أن جاءت فكرة إنشاء هذا المحل، لتوفير قوت أبنائي، خصوصاً أنني تعلمت كل ما يتعلق بهذه المهنة من والدي".
العمل والإنتاج
بدأ العمل في محل أم العبد يتحسن شيئاً فشيئاً، فكانت تبيع أصنافاً محددة من المواد الصناعية وأدوات البناء، بحسب الطلب، وقامت بادخار الأموال لتوسع من عملها، إلى أن أصبحت بعد ذلك تملك كافة متطلبات الأدوات الصناعية والمنزلية والخردوات التي يطلبها الزبائن.
وترى أم العبد في عملها نوعاً من أنواع الكفاح للتغلب على مصاعب الحياة وتقول لـ"العربي الجديد": "أنا أكره الجلوس في البيت لأنه يسبب لي الكسل والمرض. فأنا امرأة مكافحة منذ صغري، واعتدت على مزاولة العمل والإنتاج، فرؤية زبائني والناس تشعرني بالحرية والنشاط وتجعل صحتي في حالة جيدة دائماً على الرغم من كبر سني".
وتشعر أم العبد بالفخر الكبير والرضا على حمايتها لأبنائها على الرغم من ظروفها الصعبة وتحملها وحيدة مساعدة وتوفير متطلبات أبنائها. فهي استطاعت تعليمهم حتى المرحلة الجامعية وحتى توفير متطلبات زواجهم، فهي كما تقول "امرأة قوية، وقد استطعت أن أساعد زوجي، ونجحت في تربية أولادي وبناتي وتعليمهم وتأمين حياة كريمة لهم".
لا تخفي أم العبد أن الوضع الاقتصادي في غزة متدهور جداً وأثر سلباً على الحركة الشرائية لديها خلافاً للحال قبل سنوات، لكن الناظر إلى محلها يرى الزبائن يأتون إليها من كافة محافظات غزة. وتشرح أم العبد: "لدي عدد كبير جداً من الزبائن، وجميعهم يلجأون إلى محلي لشراء كل ما يحتاجونه، بسبب علاقتي الجيدة معهم وتوفيري كافة احتياجاتهم، والتي تكون بجودة عالية، كما أنهم اعتادوا على محلي، فهو كبر معهم طوال السنوات الماضية".
وتقول إن "الأصناف التي أبيعها متعددة جداً، إذ يمكن أن تجد هنا أدوات البناء والنجارة والزراعة وأدوات المنزل مع احتفاظي بأدوات قديمة كالهون والبقري والغلايات النحاس وبابور الكاز، والتي تذكرني بالماضي وبداية عملي".
وتكشف أم العبد أنها لا تفارق المحل حتى إنها تنام بداخله مع حلول المساء في بعض الأحيان، وتقول: "أذهب إلى بيتي لوقت قصير جداً حتى أعود مرة أخرى إلى المحل. فأنا لا أحب مفارقته، فأبدأ في تجهيز مكان النوم وفي بعض الأوقات أستغل الليل في ترتيب أغراض المحل وتجهيز الأدوات وتحضير الطلبيات".
كل ما تتمناه أم العبد أن تستمر في مهنتها وأن تؤمّن لقمة العيش بعرق جبينها وتكون بصحة جيدة، فهي ترى نفسها امرأة مختلفة عن الكثير من النساء، وتقول: "رسالتي إلى المرأة بأن تكون مكافحة فهي قادرة على العطاء وعلى إثبات نفسها في كافة الأعمال لكي تساعد المجتمع وأسرتها، لا سيما في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر على غزة".
نقلا عن العربي الجديد