تحقيق: فراس الطويل
بينما تنشغل مؤسسات رقابية رسمية فلسطينية في جدل غير طائل حول تداخل الصلاحيات، وفي ظل بقاءالقضاء المحلي رهينة أحكام وعقوبات غير رادعة، يجدُ مهربون وموزعون المُناخ الملائم والوقت الكافي لجني ثروات جرّاء ضخ كميات كبيرة من السولار المغشوش في مركبات مواطنين تنقصهم الحيلة والوسيلة.
في شهر نيسان/ابريل الماضي، اضطر إسلام عبد الله (اسم مستعار)، وهو سائق حافلة نقل طلاب من شمال الضفة، لدفع 2600 دولار مقابل تصليح مركبته التي تعطلت بفعل استخدامه وقوداً مغشوشاً (سولار).
هو ليس الأول ولن يكون الأخير في دولة فلسطين، حيث يصل عدد المركبات العاملة بوقود الديزل 77,000 مُرخصة من إجمالي (250,000 تقريباً) مركبة مسجلة في وزارة النقل والمواصلات.
هذه قصة عبد الله حسْب ما قال لمعد التحقيق الاستقصائي: " اعتدت تعبئة الحافلة من إحدى المحطات في شمال الضفة، وفي شهر نيسان 2015 يبدأ موسم الرَحْلات المدرسية، وفي إحدى السفريات ظهرت أعطال مفاجئة في الحافلة واضطررتُ لإحضار حافلة أخرى لإكمال الرحلة، بعد ذلك أوصلتُ (الباص المُعطّل) إلى نابلس بصعوبةٍ كبيرة، وتم فحص الكهرباء والميكانيك، وقالوا لي: المشكلة من السولار، لم أقتنع".
وأضاف "قررت بعد خمسة أيام إرسال الحافلة إلى الخليل، واتصلتُ بأحد الميكانيكيين المختصين، وتوجهت بعد منتصف الليل ، وصلت الساعة الثامنة صباحا، كانت الرحلة صعبة، كوْنَ الحافلة لم تسِر بشكل طبيعي، تقطيع متواصل، وأحيانا ينطفيء المحرك بشكل مفاجيء. بعد فحصها قال الميكانيكي: "المشكلة في مجاري السولار".
وأوضح عبدالله: "قام الميكانيكي بفك الصهريج والتخلص من الوقود الموجود بداخله وإحضار سولار نظيف، وتم الفحص بشكل تدريجي إلى أن اتضحت المشكلة، خراب كل الأجهزة المتعلقة بنظام ضخ السولار (بخاخات ومضخة)، تم استبدال القطع التالفة وعملتْ الحافلة بشكل طبيعي بعد ذلك".واستنادا الى النتائج التي توصل إليها هذا التحقيق، تلقت (الهيئة العامة للبترول) وهي الجهة الرسمية الفلسطينية الموردة للوقود والمشرفة على المحطات الموزعة، 5 شكاوى من مواطنين قالوا إنّ مركباتهم تعطلت بسبب سولار مغشوش ابتاعوه من محطات محلية في ذات الفترة التي تعطلت فيها حافلةُ عبدالله.
الفحوصات التي أجرتها (الهيئة العامة للبترول) في مختبر جامعة بيرزيت، واطلع معدُّ التحقيق على نتائجها، للرد على شكاوى المواطنين، أثبتت عدم مطابقة العينات المسحوبة من 5 محطات لمواصفة السولار الفلسطينية في بنود (المظهر الخارجي، محتوى الماء، التقطير، اللزوجة، درجة الوميض).
بناء على تلك الفحوصات، أوصت هيئة البترول، النيابة العامة، "بالتحقيق مع أصحاب المحطّات وسائقي الصهاريج، لمعرفة مصدر هذا الوقود، الذي يُبتاع على أنه سولار، في عملية غش واضحة للمستهلك، ومحاسبة من يخدع ويضرُّ المواطن الفلسطيني.
يكشف هذا التحقيق الذي استمر العمل فيه 7 أشهر، عن قيام محطات وقود فلسطينية في الضفة الغربية، بخلط السولار بزيوت مستعملة ومكررة وبيعه للمستهلك لجني أرباح إضافية، وسط ضعف رقابة الحكومة بسبب تداخل وتضارب الصلاحيات بين جهات الاختصاص في الفترة ما بعد صدور قرار مجلس الوزراء 10/28/16/م.و/ر.ح بتاريخ 22/4/2014 والذي حدد الجهات المسؤولة عن رقابة المحروقات، وهي الهيئة العامة للبترول، والإدارة العامة لحماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني.
لكنّ القرار لا يُلزم هذه الجهات المسؤولة، بإجراء أي فحص دوري بهذا الشأن، في ظل غياب قانون لتنظيم قطاع البترول.
شاهد من أهله
تمكّن معدّ التحقيق من التعرف على عامل سابق في محطة محروقات تبيع وقودا مغشوشا، وتحدث بالتفصيل عن عملية خلط السولار الأصلي بمواد نفطية مستخدمة من ذي قبل، مصدرُها الوحيد إسرائيل وتهرب إلى الضفة.
وقال العامل المتقاعد الذي وافق على التحدث باسم "ياسين"، وهو اسم مستعار: " كانت عملية الغش تجري عادة بعد منتصف اللّيل البضاعة المضروبة كانت تصل إلى المحطة قادمة من إسرائيل بواسطة مهربين، عن طريق شاحنة غير مخصصة للمحروقات، توحي لمن يراها بأنها (شاحنة نقل تراب)، كان بداخلها خزان صُنع خصيصاً لهذه العمليات، وصاحب المحطة يقوم بتفريغ الحمولة "المضروبة" في أحد الخزانات الأرضية".
وأضاف: "في ساعات الصباح كان صاحب المحطة يحضر شاحنةً أخرى من السولار النظيف، ويفرغها في خزانٍ أرضي ثانٍ، وبواسطةِ (محرك يعمل بالكهرباء)، كان يخلطُ الكميةَ التي يريدها في خزانٍ ثالث. مثلاً خمسةُ آلاف ليتر مضروب، يتم إضافتها لعشرة آلاف ليتر من السولار النظيف، بهذا الشكل يتم الخلط. المواد التي تُضاف للسولار النظيف عبارة عن زيوت، أحيانا يكون لون الخليط أبيض أو مائلاً للصُّفْرة، وفي أحيان أخرى، يكون اللّون أسودَ".
ويشير ياسين "لم أكن أعرف التفاصيل كموظف، كنت أُلاحظُ في مرات عديدة، أن اللون غير طبيعي، واكتشفت السرّ حينما رأيتُ عملياتِ الخلط بعيني".
شاهدٌ آخر، أكّد لمُعدّ التحقيق قيام صاحب محطة وقود أخرى في وسط الضفة، بتهريب سولار مغشوش مصدره إسرائيل، عبر خزانات بلاستيكية في شاحنة صغيرة، كانت تضخّ الوقود ليلاً في خزانات المحطة كل يومين أو ثلاثة.
وحيث أن معدّل سعر لتر السولار الرسمي في السوق الفلسطيني بالجملة يساوي 5 شيكل (1.3 دولار أمريكي) فإنّ الربح غير الشرعي (التهرّب) لكل لتر يساوي 1.7 شيكل (0.43 دولار أمريكي )، وإذا افترض المحقّق اعتماداً على رواية الشاهد أنّ (الخلط يتم بنسبة 1 لتر "مضروب" إلى 2 لتر "رسمي" )، فإنّ خلط 100 ألف لتر من المادة "المضروبة" يعني تحقيق ربح إضافي غير شرعي بمقدار 170 ألف شيكل (44,155 دولار أمريكي).
داخل ورشة التصليح
توجه معدُّ التحقيق لخبير في "شركة الرامي موتورز" (وكلاء فورد- فلسطين) والتي تشكل مبيعاتها أكثر من 40% من أسطول النقل العام في الضفة حسب إحصاءات وزارة النقل والمواصلات الفلسطينية. يقول المهندس الميكانيكي أحمد مهنّا، مدير مركز الصيانة في الشركة: "لسنا بحاجة لإرسال السولار للمختبر. لنكتشف أنه مغشوش. مجرد فكّ مُرشِّح السولار الموصِل للمحركFilter)) نضع محتوياته في كأس فارغة ليظهر لونه مائلاً للسواد على عكس السولار غير المغشوش".
ويوضح مهنّا: "يسبب دخول السولار المغشوش إلى محرك السيارة تلف نظام الحقن المتطور لضخ السولار الذي يعمل على الكهرباء، ويستدعي بعد مرور فترة من الوقت (عام إلى عامين)، إصلاح المحرّك كليا أو تغييره. وأنّ دخول أي شائبة أو قطرة مياه إلى بخاخات السولار يؤدي إلى عُطْبٍ في البخّاخات و/أو المضخّة الرئيسية، ما ينتُج عنه زيادة في استهلاك الوقود، وتوقف عمل المحرك بشكل مفاجئ بين الحين والآخر، إضافة إلى ضعف عزم المحرّك والتقطيع أثناء السير".
ما مدى انتشار غش السولار؟
الهيئة العامة للبترول والإدارة العامة لحماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الفلسطينية، هما الجهتان الرسميتان المخولتان بالرقابة على جودة المحروقات. لكنّهما لا تملكان تصورا دقيقا بالأرقام عن حجم انتشار خلط وغش السولار في الضفة الغربية.
ترى هيئة البترول وفق أقوال مديرها فؤاد الشوبكي أنَّ: "الوضع في النصف الثاني من عام 2015 أفضل بكثير من ذي قبل، كانت الظاهرة أكبر حتى بداية العام 2015، الذي شهد اتخاذ جملة من إجراءات رقابية وإغلاق أربع محطات بشكل احترازي". كل ذلك بعد صدور قرار مجلس الوزراء لعام 2014.
في هذا السياق قالت مدير دائرة الرقابة والجودة في الهيئة، فداء مشعل: " في عام 2013 وما سبقه من أعوام كانت ظاهرة الغش منتشرة فعلاً بشكل واسع، ولكن بعد تحريك النيابة العامة لعدد من الدعاوى ذات العلاقة بغش السولار أخذت الظاهرة بالانكماش في العام 2014، وصولاً إلى سنة 2015 بقيت موجودة لكنها أقل بكثير من ذي قبل"، مشددةً على أنّ "مجرد وجود محطة واحدة تقوم بالغش فإن ذلك يشكل خطراً مُحدِقا بالمواطنين كون المحطة تبيع لعشرات، بل مئات السيارات يومياً".
وفي ظل غياب معلومات دقيقة لدى الجهات الرقابية عن حجم انتشار ظاهرة غش السولار بالأرقام، وعدم وجود برنامج لإجراء مسح وفحص شامل للمحطات في الضفة، البالغ عددها 230 محطة مرخصة، و10 محطات ونقاط أخرى للبيع غير مرخصة، تقع خارج مناطق السيطرة الفلسطينية (مصنفة <ج> حسب "اتفاق أوسلو" 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل)، كان لا بد من التوجه ثانية لمركز صيانة السيارات للحصول على مؤشرات حول حجم الظاهرة. مدير مركز صيانة شركة الرامي (وكلاء فورد- فلسطين) أحمد مهنا، أكد أن مركزه يستقبل ما لا يقل عن 100 مركبة شهرياً من طراز فورد ترانزيت ، اتضح لقسم الصيانة في الشركة أن 10% منها تعاني من مشاكل بسبب رداءة السولار.
وقال مهنا: "المشكلة في نوعية السولار، فلدينا تعليمات من المنتِج بتغيير مُرَشِّح السولار (الفلتر) كل 30 ألف كيلو متر، ولو التزمتُ بهذه التوصية لتعرضت مضخات غالبية مركبات الديزل للتلف، وبالتالي خراب المحرك، لذا أصدرتُ تعميماً لزبائن الشركة بضرورة غيار (الفلتر) بعد قطع المركبة مسافة 15 ألف كيلو متر، هذا الأمر يساعد في الحفاظ سلامة مضخة السولار لتفادي اهتلاك المحرّك".
في حين أن 33.3% من المركبات العاملة بالسولار تعاني من مشاكل مشابهة، لدى الشركة الفلسطينية للسيارات (وكلاء مركبات هيونداي)، وفقاً لمدير قسم الصيانة عمّار الهدمي. مشيراً إلى أن: "قسم الصيانة يستقبل شهرياً ما لا يقل عن 175 سيارة تعمل بالسولار، ثلثها (حوالي 60 سيارة) تعاني من مشاكل بسبب رداءة السولار، حيث تتراوح تكلفة إصلاح الأعطال بين 500- 3000 دولار، حسب نوع الخراب".
لا قانون ينظم قطاع المحروقات.. والرقابة بالحد الأدنى
في عام 2014 فحصت الهيئة العامة للبترول 83 عينةَ سولار عشوائية من محطات مختلفة أي بنسبة تصل إلى (36% من إجمالي عدد المحطات، خلال 12 شهراً)، رسبت منها 56 عينة، ما نسبته 67.2%، هذه النسبة انخفضت حتى شهر آب 2015 إلى 26.2 % إذ جرى فحص 80 عينة (34% من العدد الإجمالي للمحطات، خلال 8 شهور) رسبت منها 21 عينة.
هيئة البترول، لا تقوم بفحص كل المحطات وفق جدول وبرنامج محدد، حيث أن التعليمات الصادرة بموجب قرار مجلس الوزراء 10/28/16/م.و/ر.ح بتاريخ 22/4/2014 لا تجبر جهات الرقابة على أي فحص دوري في هذا الشأن.
وبالرجوع لمنظومة القوانين الفلسطينية تبيّن لمعدّ التحقيق أن فلسطين لا يوجد فيها أصلا قانون لتنظيم قطاع البترول، لذلك تعتمد الهيئة العامة للبترول على الشكاوى التي تردها من المواطنين مباشرة، أو من خلال ما يضبطه جهاز الأمن الوقائي أو جهاز الضابطة الجمركية من مخالفات.
جدير بالذكر أنّ الهيئة تفحص بشكل أسبوعي الوقود القادم رسمياً إليها من إسرائيل قبل بيعه للمحطات (تستورد السلطة الوطنية الفلسطينية 100% من احتياجاتها البترولية من إسرائيل). وأوكل مجلس الوزراء بموجب قرار رقم(16/25) بتاريخ 1/4/2014 مهمة ضبط التهريب والتهرّب الضريبي في قطاع المحروقات لجهاز الضابطة الجمركية. ومنذ صدور القرار وحتى بداية آب 2015 تم ضبطُ 85 ألف ليتر سولار مهرب ومخلوط قادم من إسرائيل في مناطق الضفة، وتعتمد الضابطة في غالب الأحيان على الإخباريات المسبقة للقيام بعملية الضبط، وليس لديها المقدرة على الانتشار في كل الأماكن والنقاط، كون عدد عناصرها 370 فقط؛ موزعين على المكاتب والدوريات الميدانية ومهمتهم ضبط التهريب في كل المجالات من أغذية ومنتجات مستوطنات وغيرها حسب الرائد/ لطفي ناصر، مدير المكافحة والتفتيش في الضابطة الجمركية.
وبالنسبة لطواقم هيئة البترول، فهي ليست أفضل حالاً من الضابطة الجمركية من حيث العدد، فدائرة الرقابة وضبط الجودة، يبلغ عدد موظفيها 2 فقط (مديرة الدائرة وموظفة أخرى مساعدة لها)، ويتم التغلّب على هذا النقص وفقا لمديرة الدائرة م. فداء مشعل من خلال الاستعانة بموظفي مكاتب الهيئة في كل محافظة (تقريبا 30 موظفاً). موضِحةً، "المُعيق الأبرز هو قلة الموظفين، دائرتنا بحاجة لكادر يذهب للمحافظات، لهذا السبب نضطر للحديث مع المكاتب لإجراء أعمال الفحص وسحب العينات وفق الحاجة فقط، لكن الرقابة ستكون أقوى لو توفر لدينا كادر كافٍ. وللأسف فإن تبعية هيئة البترول لوزارة المالية، أثرّ على عملنا من الناحية الفنية، فالوزارة تهتم بالجزء المالي الذي تجبيه الهيئة يومياً، أما دائرة الرقابة فلا تُعتبر أولوية".
يذكر أن هيئة البترول الفلسطينية تبيع بالمعدل الشهري للمحطات المرخصة 40 مليون لتر سولار و 20 مليون لتر بنزين وتعادل ضريبتها 2.4 مليار شيكل سنوياً (615 مليون دولار)، كعائد سنوي للخزينة العامة.
أما طواقم دائرة حماية المستهلك، فهم 61 موظفاً فقط، من ضمنهم الإداريون. يقول مدير عام الدائرة إبراهيم القاضي "خلفيات موظفينا العلمية لها علاقة بالكيماويات والتنظيف والأغذية ولا يوجد لدينا تخصصات في المحروقات، لذلك نستعين بمؤسسة المواصفات والمقاييس والهيئة العامة للبترول لسد فجوة العدد والخبرة".
كانت الهيئة العامة للبترول الجهة الوحيدة صاحبة الاختصاص في الرقابة على جودة المحروقات في السوق الفلسطيني منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994-2014، حتى صَدَرَ قرارٌ من مجلس الوزراء 10/28/16/م.و/ر.ح بتاريخ 22/4/2014 بتحديد الجهات المسؤولة عن هذا القطاع وهي هيئة البترول ودائرة حماية المستهلك.
وقد تبيَّن لمُعدِّ التحقيق، بعد سلسلة من المقابلات الموثقة مع طرفي الرقابة المنصوص عليهما في القرار الحكومي، عدمَ وجود أثر ملموس للقرار على الأرض في ظل غياب التنسيق بين الجهتين، واختلاف مفهوم الرقابة لديهما.
ففي الوقت الذي تعتقد فيه هيئة البترول أن طواقم حماية المستهلك غير قادرة على رقابة المحروقات ومتابعة جودتها، ترى حماية المستهلك أن هناك خللاً في الآلية الرقابية من قبل الهيئة، على اعتبار أنها لا تراقب المحطات غير المرخصة، موضحة أنه يجب الرقابة على كل من يزود المحروقات للمستهلك، بل يجب إغلاق المحطات غير القانونية، إضافة الى إشعار المحطات بأنها تحت عين المراقبة باستمرار عبر سحب عينات عشوائية من كل محطة وفق برنامج سنوي، وفي أوقات مسائية، لأن الخلط يتم ليلاً وليس نهاراً.
هيئة البترول تخالف هذا الطرح، وترى أن الأصل يكون في إغلاق المحطات غير المرخصة وليس في فحصها، لكن عدم القدرة للوصول إلى هذه المحطات بسبب وجودها في مناطق غير خاضعة للسيطرة الفلسطينية، ما يعيق إغلاقها، وتعتقد هيئة البترول أن عملية فحص المحطات غير المرخصة تعطيها الشرعية لتزويد السوق بالمحروقات.
تعليقا على هذا التضارب في الصلاحيات يوصي رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق المستشار عيسى أبو شرار بضرورة: "دمج الجهات الرقابية في جسم واحد مستقل، وإعادة النظر في القوانين الجزائية بحيث تكون رادعة مع ضرورة سن قانون مستقل ينظم عمل قطاع المحروقات".
هل يطبق قرار مجلس الوزراء الخاص بالرقابة على البترول؟
في شهر آذار 2015، طلب مُعد التحقيق من (حماية المستهلك) مرافقة طواقمها في جولة رقابية ميدانية على المحطات في منطقة ضواحي القدس التي تعتبر خارج السيطرة الأمنية للسلطة الفلسطينية، واستغرق التنسيق معهم قرابة شهر تخلّله اتصالات ومراسلات موثقة للتسريع في إتمام الجولة للاطلاع عن كثب على آليات الرقابة، تم الاتفاق في نهاية المطاف على خروج طاقم من حماية المستهلك ومؤسسة المواصفات والمقاييس، دون مرافقة ممثل عن هيئة البترول.
وتمت عملية سحب عينات من محطتين مرخصتين وثالثة غير مرخصة، رفض مالكها السماح للطاقم بسحب العينة، وتهجّم على مُعدّ التحقيق ومنعه من التصوير. قال طاقم الفحص إنه سيطلب من الأمن الوقائي الوصول إلى المحطة وسحب عينات منها واتخاذ الإجراءات اللازمة، مع العلم أن المحطة ما زالت تعمل حتى تاريخ نشر التحقيق ولم تتعرض للإغلاق خلال 7 شهور بسبب وقوع المحطة خارج نطاق السيطرة الفلسطينية وفق مدير هيئة البترول فؤاد الشوبكي. أما المحطتين الأخريين فأظهرت نتائج الفحص المخبري عدم مطابقتهما للمواصفات والتعليمات الفنية الإلزامية وتم تحويل ملفيهما للنيابة العامة. (انظر الفحص المرفق باللغة الانجليزية).
إن عدم وجود قانون ينظمعمل الهيئة العامة للبترول ويحدد الجرائم في هذا القطاع يعتبر من العقبات الرئيسية وفقاً لعزام طوافشة، وكيل نيابة الجرائم الاقتصادية، الذي أضاف: "هذه السلعة ذات أهمية كبيرة للدولة، ومصدر دخل أساسي لها، والقانون يجب أن يحدد صلاحيات الضبط القضائي وهذا ما ينقصنا، بالإضافة إلى ضرورة وجود مختبرات متخصصة تتبع لهيئة البترول، ناهيك عن أن بعض المحطات المخالفة تقع في مناطق (ج) ، وهذا يعطيها سهولة ارتكاب الغش بعيداً عن الرقابة".
"غش السولار" في أروقة القضاء
منذ عام 2008 نظرت المحاكم الفلسطينية في 7 قضايا متعلقة بغش السولار في محطات بالضفة، وصدرت أحكام براءة في قضيتين فقط عامي 2008 و2009. في حين ما زالت 5 قضايا قيد التقاضي في المحاكم (حسب ما عُلم من سجلات المحاكم الفلسطينية).
الأمر الذي يعني أن الإجراءات القضائية وتحويل الملفات للنيابة ومنها للمحاكم تستغرق وقتا طويلا، خصوصا خلال الأعوام 2008-2013 ، إلا أن إعادة التفعيل العملي لنيابة مختصة بالجرائم الاقتصادية في العام 2014 سرّع وتيرة إرسال القضايا إلى المحاكم، وهذا يفسر تحويل 5 ملفات في عامي 2014 و 2015 في حين لم يتم تداول أي قضية من العام 2010-2013 .
أعد هذا التّحقيق الاستقصائي لصالح شبكة أجيال الإذاعية – فلسطين / فراس الطويل
بإشراف كل من: هشام عبد الله وحمد العثمان ووليد نصار وبدعم من شبكة أريج "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية".