وكالات - الاقتصادي - بدت شاشات عرض أسعار المعادن خلال الأيام الماضية وكأنها تعرض شكلًا من أشكال السباق. لكنه لم يكن بالماراثون الهادئ، بل أشبه بعدو سريع بين المعادن: أيها سيحطم عددًا أكبر من الأرقام القياسية السعرية؟ بعدما سيطر الأخضر الزاهي على الشاشات.
وجاءت تلك الارتفاعات القياسية بعدما اجتاحت مخاوف تعطل الإمدادات؛ الأسواق وسط تصاعد الصراع الروسي الأوكراني وتشديد العقوبات ضد موسكو، وتنامي الحديث حول استهداف المواد الأولية الروسية بالعقوبات.
صدارة روسية
ولهذه الارتفاعات الكبيرة ما يبررها، حتى وإن بدت المخاوف مُبالَغًا فيها أو تدخلت المضاربة في زيادة الأسعار، فروسيا إحدى أكبر الدول المنتجة للمعادن حول العالم، وتتميز عن غيرها بتصديرها لمعظم إنتاجها منها بما يجعل تواجدها مؤثرا بشكل عالمي.
وتتصدر روسيا دول العالم في تصدير النيكل، على الرغم من احتلالها المركز الثالث عالميًّا في إنتاجه، بما يؤكد تصدير نسب كبيرة من الإنتاج، كما تُصدر 42% من البلاديوم ، وقرابة ربع صادرات الألومنيوم عالميًّا، و13% من البلاتين و7% من الفولاذ و4% من النحاس (الحديث هنا عن المواد الخام وليست المصنعة).
وعلى الرغم من صعود جميع المعادن خلال الفترة الماضية، فإن صعود النيكل إلى مستوى يفوق 100 ألف دولار للطن، أمس الثلاثاء، وبنسبة زيادة سعرية تفوق 100% كان الأكثر إثارة للانتباه، وذلك رغم تقليص الارتفاع لاحقًا، أمس أيضًا، إلى مستوى يفوق 82 ألف دولار للطن بقليل.
ولبيان مدى "الفارق المخيف" تكفي الإشارة إلى أن المستوى السعري القياسي للنيكل جاء عام 2007 بما يتجاوز 54 ألف دولار بقليل، وأن سعر المعدن المستخدم في صناعة البطارية والاستانل ستيل، واستخدامات أخرى، لم يكن يتخطي 25 ألف دولار للطن قبل شهر واحد.
أسباب أخرى
وتشير وكالة "بلومبرغ" إلى أن السبب الرئيس وراء الارتفاع "الجنوني" في سعر النيكل هو قيام الشركات المصنعة للسيارات الكهربائية بزيادة الطلب عليه إلى مستويات قياسية، وهي بطبيعة الحال شركات "غنية" ولا تريد توقف أعمالها بما دفعها إلى الاستمرار في الشراء حتى عند مستويات سعرية عالية للغاية.
وتتحرك شركات السيارات الكهربائية للشراء مدفوعة بقفزة بنسبة 62% في مبيعاتها خلال النصف الثاني من عام 2021، لتصل إلى 5.84 مليون سيارة، بما يدفعها لزيادة الطلب على المعدن الذي يجعل إنتاج سياراتها ممكنًا.
وأفاد المحلل لدى «أو.إف.آي" لإدارة الأصول، "بنجامن لوفيه" إلى أن روسيا ثالث أكبر منتج للنيكل في العالم، والمصدر الأول له عالميًّا.
وأضاف: "حتى الآن لم تطل العقوبات المنتجين الرئيسيين للمعادن في البلاد، لكن العديد من شركات القطاع تُدار من قبل شخصيات ثرية مقرّبة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وخضع الكثير منهم لعقوبات بالفعل".
كما أن معدن مثل النيكل كان يعاني، وفقا لـ"وول ستريت جورنال"، من فجوة بين العرض والطلب تقدر بـ6% بالفعل قبل بدء الحرب الأوكرانية، بما يجعل تأثيرها عليه مُضاعَفًا.
مضاربات
ويمكن قياس ما حدث مع النيكل في معادن أخرى، وأبرزها الألومنيوم الذي تخطى مستوى 4 آلاف دولار للطن، والبلاديوم الذي تخطى مستوى 3440 دولار في الطن، والنحاس الذي تخطى 10.8 آلاف دولار للطن، وكلها مستويات قياسية غير مسبوقة كما هو الحال مع النيكل، كما ارتفعت أسعار الزنك والقصدير إلى أرقام قياسية غير مسبوقة ايضًا.
ويؤكد "إدوارد مائير" المحلل في "إي.دي.آند.إف مان كابيتال ماركتس"، أنه "مع بدء العقوبات ضد الروس الأسبوع الماضي بسرعة غير مسبوقة، وجد المستثمرون أنفسهم يجردون كل الإنتاج الروسي من توقعات العرض والطلب ويرفعون الأسعار وفقًا لذلك".
والشاهد أيضًا أن سوق المعادن يشهد عمليات مضاربة مكثفة للغاية، تتأكد من تعدد القيعان والقمم في فترات قصيرة للغاية (مع اتجاه صعودي عام بالطبع)، فضلا عن المبيعات التي تتم قبيل نهاية اليوم أو الجلسات مع الوصول لمستويات أسعار قياسية يستغلها المتعاملون للبيع وجني المكاسب.
بل كشفت تقارير بريطانية عن قيام المستثمرين الصغار بالشراء في شركات التعدين الروسية التي لا يزال بعضها مُدرَجًا في بورصة لندن، في ظل مراهناتهم على استمرار ارتفاع أسعار المعادن وعدم وقف تصديرها من موسكو رغم الحرب الدائرة (شهدت بعض تلك الأسهم ارتفاعات بسبب ذلك بنسبة تخطت 60%).
عصفور في اليد
والأزمة الحقيقية وفقا لـ"مايكل هيوسن"، المحلل في "سي.إم.سي. ماركتس"، أنه مع الوضع الحالي أصبح مستقبل صناعة التعدين نفسه في وضع قلق، بما يجعل المشترين يركزون على "المعادن فوق الأرض"، لا "المعادن الموجودة في باطنها"، أي بما يشبه منطق عصفور في اليد خير من 10 على الشجرة.
وما يؤكد تأثير المخاوف الكبير على الأسعار، هو الوصول لأرقام قياسية في كافة المعادن تقريبًا على الرغم من عدم فرض عقوبات بعدُ على المعادن الروسية، بما يجعل الأمر "توقُّعًا للأسوأ".
بل يرى الكثير من المحللين، مثل تقرير بعنوان "شركات التعدين الروسية أكبر من أن تتم معاقبتها" في "وول ستريت جورنال"، أن الشركات الروسية للتعدين ستبقى خارج المواجهة، إلا أنه يبدو أن أجواء القلق والخوف تعزز –كالمعتاد- صعود الأسعار وتعطي للمضاربة حيزاً أكبر للعمل والتأثير.