قال مسؤول اللجان الزراعية في قطاع غزة سعد الدين زيادة في مقابلة مع "العربي الجديد": إن سلطات الاحتلال دمرت القطاع الزراعي، خاصة وأن الأخيرة قامت بإنشاء المنطقة العازلة على طول الشريط الحدودي لغزة، الذي أثر سلباً على المزارع الغزي، والذي أبعد عن 25% من أراضيه بقوة السلاح.
وهنا نص المقابلة:
* كيف تصفون واقع القطاع الزراعي في غزة، خصوصاً بعد الاعتداءات المتواصلة على القطاع وارتفاع حجم الخسائر لدى المواطنين ومنهم المزارعين؟
منذ انطلاق انتفاضة الأقصى وحتى الآن يوجد استهداف واضح للقطاع الزراعي، سواء في الضفة الغربية أو غزة. ولكن في غزة الاستهداف الممنهج أكبر وأوسع من قبل الاحتلال الإسرائيلي. فالأخير يريد تدمير الزراعة وتحويل غزة إلى سوق استهلاكية للمنتجات الإسرائيلية. لذا، يمكن ملاحظة الاستهداف الواضح للأشجار المثمرة وتجريف معظم الأراضي الزراعية خلال الاعتداءات أو الاجتياحات المستمرة التي تطال أراضي المزارعين. وإضافة إلى الاستهداف المباشر معروف النوايا، توجد أيضاً تأثيرات إضافية، حيث قامت سلطة الاحتلال بإنشاء المنطقة العازلة على طول الشريط الحدودي لغزة، وهذا الواقع أثر سلباً على المزارع الغزي، والذي أبعد عن 25% من أراضيه بقوة السلاح... وصولاً إلى سرقة الاحتلال للمياه الجوفية الفلسطينية. وكل هذه الاعتداءات على القطاع الزراعي تترافق مع سياسة الإغلاق وارتفاع أسعار المواد الأولية التي تستخدم في الإنتاج الزراعي إضافة إلى ارتفاع أسعار الأسمدة.
* ما هي مشاكل المزارعين في قطاع غزة المرتبطة بالسياسات العامة الاقتصادية؟
لدينا مشاكل عديدة، وفعلياً هي مشاكل ليست بسيطة، ويمكن القول إنها خانقة تماماً. وأبرز هذه المشكلات هي عدم قدرة المزارع على الوصول إلى كل مصادر رزقه، لا سيما الأراضي الزراعية ومصادر المياه في الأماكن المحظورة في القطاع. كذلك يعاني المزارع من قلة وجود سوق خارجية لتسويق المنتجات الفلسطينية في العالم، ما يعني أن المنتج الزراعي شبه محصور بالاستهلاك المحلي. إضافة إلى كل ذلك، وبرغم المشكلات المتكررة والمستمرة، لا يوجد صندوق تعويض للكوارث الطبية التي تتعرض لها المحاصيل الزراعية في ظل عدم وجود مساندة للمزارع لإعادة النهوض من جديد.
* ما هو حجم الخسائر الزراعية في قطاع غزة، نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع؟
في كل اعتداء يرتفع حجم الخسائر الزراعية، وإذا نظرنا إلى حجم الخسائر تحديداً خلال العدوان الأخير، فقد بلغ 550 مليون دولار، موزعة على قطاع الزراعة بكافة شرائحه، كالصيد والزراعة والثروة الحيوانية. وقد تبيّن من المسوحات التي حصلت أنه تم تدمير 34.500 ألف دونم زراعي وما يفوق الـ240 بئراً، إلى جانب شبكات الري الزراعية وطبعاً نفوق المواشي والأسماك، الأمر الذي أثر على خسارة المزارع لموسم زراعي كامل، فهي خسائر ومعاناة مستمرة منذ أكثر من عقد.
* هل لديكم إحصائية بعدد المزارعين المتضررين؟
تقديراتنا تشير إلى أن عدد المزراعين المتضررين خاصة بعد انتهاء العدوان الأخير وصل إلى 20 ألف مزارع موزعين على قطاع غزة، أما الأضرار فتراوحت بين فقدان المواسم أو حصول أضرار كبيرة في الأرض، أو عدم قدرتهم على إعادة زراعتها بسبب الخسائر المادية.
* ما هي التدابير التي يلجأ إليها المزارعون في ظل الحصار؟
المزارع الغزي يحاول دوماً التغلب على الصعاب والمشكلات التي تواجهه، وتحديداً في المناطق الشرقية والشمالية لغزة حاول المزارعون أن يزرعوا أراضٍ يستطيعون الوصول إليها. حيث قام عدد من المزارعين باستئجار أراض لا سيما من أراضي وسط قطاع غزة وإصلاحها وزراعتها. كذلك قام بعض المزارعين بزراعة منتوجات موسمية، كالقمح والشعير، والتي تكون بالعادة سريعة الحصاد، لقطع الطريق أمام أي اعتداءات أو تجريف يقوم به الاحتلال.
* بعيداً عن الاعتداءات الإسرائيلية، هل أثّر التمدّد العمراني على المساحات الزراعية؟
بالتأكيد، فغزة من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية، فلا توجد ضوابط للتمدد العمراني على حساب الأراضي الزراعية، ما أدى إلى تقلّصها، وامتدت التأثيرات إلى الانعكاس على جودة المياه.
* نلاحظ أن المزارعين يتلقون مساعدات إغاثية، ما هي هذه المساعدات وهل هي كافية؟
أولاً يجب أن نؤكد أن حجم الخسائر كبير جداً، لكن نحن كلجان زراعية نساهم بالأدوات المتاحة لدينا وهي إعادة تأهيل الأراضي المدمرة، ومد شبكات الري، وتسييج الأراضي، وإعادة تأهيل الآبار الزراعية، كذلك نقوم بتوزيع شتول وأشجار إلى جانب توزيع أسمدة وتقديم إرشادات توعوية. وأيضاً، نقوم بتوزيع أعلاف ومواش على المزارعين ونقدم خدمات طبية في العيادات البيطرية. أما الصيادون فنساعدهم بتصليح مراكبهم وتوزيع شباك الصيد. لكن أعيد وأؤكد أن كل هذه المساعدات غير كافية أمام حجم الدمار الحاصل، وحجم الخسائر التراكمية، التي لا يمكن إيجاد حلول لها بقدراتنا المتواضعة.
* ماذا عن واقع الثروة الحيوانية في غزة؟
لدينا إشكالية كبيرة في تناقص حجم الثروة الحيوانية نتيجة ما تم قتله من قبل الاحتلال الإسرائيلي. أما في فترة ما بعد الحرب، فقد سجلنا أعداداً كبيرة من نفوق صغار الحيوانات لا سيما من الأبقار والأغنام. لا بل إن الأزمة لا تقتصر على آثار العدوان المباشرة، بل تمتد إلى عدم قدرة عدد كبير من مربي المواشي على توفير الغذاء نتيجة ارتفاع أسعار الأعلاف.
* كيف تنظر إلى واقع التصدير الزراعي وما هي أبرز الأصناف التي تصدّر خارج غزة؟
حجم الصادرات قليل جداً كما هو معروف، الذي يصدّر الآن من غزة هي النباتات العطرية، كالريحان والنعناع والتوابل، قبل ذلك كان القطاع يصدّر الورود والفراولة، لكن منذ عام 2013 لا توجد زراعة للورود بسبب الخسائر وتحكّم الاحتلال الإسرائيلي في سياسة التصدير. أما الفراولة فهناك تقلّص كبير في حجم إنتاجها بعد العدوان الأخير، حيث كان قبلها يزرع 800 دونم إلى 1100 دونم فراولة، بعد الحرب وصل الإنتاج إلى 600 دونم فقط، لذلك فهي عملية بطيئة ومتعثرة.
* ماذا عن حجم الاستيراد وتأثيره على المنتج الزراعي المحلي في القطاع؟
في غزة يمكننا القول إنه توجد حالة اكتفاء ذاتي من ناحية الخضر بأنواعها المختلفة، لكن النقص يكون في الفاكهة، ما يتطلب استيرادها بمعظم أنواعها تقريباً، باستثناء الفاكهة المزروعة محلياً والتي تحقق أيضاً نوعاً من الاكتفاء الذاتي، ومنها مثلاً البلح والبطيخ والجوافة. الأزمة في القطاع الزراعي كبيرة، لدرجة أننا أصبحنا نستورد الحمضيات بعدما كانت غزة تصدّر إلى العالم 95% من منتجاتها من الحمضيات وتستخدم لتلبية السوق المحلية نسبة 5% بما يكفي حاجة سكان القطاع. ولمعرفة حجم الكارثة، فإن غزة الآن تحتاج إلى استيراد 35 ألف طن من الحمضيات كل سنة، وهذا يأتي نتيجة الإجراءات الإسرائيلية التي تستهدف الأراضي الزراعية، والتي تهدف فعلياً إلى التضييق على المزراع وعلى المواطن في غزة الذي يحارب حتى بلقمة عيشه.
* كثر الحديث أخيراً عن الزراعة المائية في غزة؟ ما هي هذه الزراعة وما هو واقعها الفعلي القائم حالياً؟
حتى الآن لا وجود لزراعة مائية في غزة، الموجود هو فقط تجارب ودراسات لبعض الكليات والوزارات الزراعية ليمارسوا هذا النوع من الزراعة، إذا نجحت هذه التجربة ستخفف كثيراً من أعباء المزارعين التي ستسمح باستغلال مساحات، كأسطح البيوت. والزراعة المائية هي التي تقوم على المياه من دون وجود تربة، بحيث يتم إيصال المواد المغذية والمياه إلى جذور المزروعات.
* الجميع يعلم عن معاناة واضحة للصيادين في بحر غزة، ماذا يجري في قطاع الصيد البحري؟ وكيف يتأثر الصيادون بهذا الواقع؟
صراحة ما يعاني منه الصيادون في غزة يمكن اعتباره مأساة حقيقية تؤثر على آلاف العائلات ومعيشتهم وظروفهم الحياتية التي تزيد صعوبة يوماً بعد يوم. فكما هو معلوم أن المسافة المسموح بها هي الوصول إلى 6 أميال عن الشاطئ، لكن الواقع مختلف تماماً، فالمسافة التي يسمح للصياد بالوصول إليها لا تتعدى الثلاثة أميال، بسبب سياسات البحرية الإسرائيلية التي تحاول خنق الصيادين وانتهاك بحر غزة.
ولكي نعرف حجم المشكلة، فإن وصول الصياد إلى عمق بحري يصل إلى أكثر من سبعة أميال يساعده في الحصول على حجم أسماك أكبر بكثير من الذي يستطيع اصطياده على بعد ثلاثة أميال أو ستة أميال، وهذا ينعكس بطبيعة الحال على حجم العائدات المالية للصيادين. فمن المعلوم أن المناطق التي تتوافر فيها الأسماك تبدأ من سبعة أو ثمانية أميال عن شاطئ البحر، إلا أن محاولة الصيادين الوصول إلى هذه المسافة تنتهي عادة بتدمير للشباك ومصادرة القوارب واعتقال الصيادين. وهذه الأحداث تحصل يومياً تقريباً. إذ يوجد في غزة بين 3700 صياد إلى 4000 صياد، وهناك ما يزيد عن 700 آخرين مرتبطين بمهنة الصيد في الأسواق أو في الميناء أو الذين يصنعون مواد غذائية من السمك. فجميع هؤلاء مُعطّلون عن العمل، ويواجهون الاعتداءات الاسرائيلية يومياً لإطعام 70 ألف نسمة. فقد انحصر عدد الذين يمارسون مهنة الصيد اليوم إلى ما بين 1000 و1500 صياد يستطيعون الإنتاج بمدخول لا يزيد عن 150 دولاراً شهرياً.
* ما عدد المزارعين في قطاع غزة؟ وما المطلوب لدعم المزارعين والنهوض بالقطاع الزراعي في غزة؟
تصل نسبة المزارعين إلى 12% من السكان، أي ما يعادل 65 ألف مزارع تقريباً. وبداية يجب أن يكون هناك دعم وضغط من أحرار العالم والمؤسسات الدولية للمزارعين بغزة لوقف الاعتداءات الإسرائيلية بحقهم، وتوفير مشاريع زراعية وفتح مجال التصدير، لأن القطاع الزراعي تاريخياً هو القطاع الأساسي في فلسطين. وكانت نسبة المزارعين تتجاوز 50% من السكان والآن تقلصت كثيراً، وكانت مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي تتجاوز 37%، الآن لا تتجاوز 5.6%.
نقلا عن العربي الجديد