يشتكي المزارع ابو عمر البدوي تقلص ثروته الحيوانية من المواشي من 200 رأس غنم لـ50 فقط، وأسباب ذلك حسب قوله التكاليف العالية جدا لتربية المواشي من حيث أسعار الأعلاف، حيث وصل سعر طن العلف لـ 1800 شيقل، اضافة الى عدم توفر المراعي والتضييق على الرعاة من قبل الاحتلال الاسرائيلي.
البدوي ليس الوحيد الذي تقلصت ثروته الحيوانية، فهناك عائلات كاملة من مربي الثروة الحيوانية اخذوا بالابتعاد تدريجيا عن هذه المهنة، فمعظمهم توجهوا للعمل في اسرائيل لتحقيق ربح افضل كما يقولون، وقاموا ببيع مواشيهم وأبقارهم نظرا لغلاء الأعلاف وعدم وجود من هو متفرغ لزراعتها كالشعير، إضافة للجهد والوقت الذي تحتاجه عملية الحراثة والزراعة والحصاد.
الخبير الزراعي فياض فياض يقول في هذا الصدد: "تناقصت أعداد الاغنام لدى مزارعي جمعية فروش بيت دجن خلال الثلاثة اعوام الماضية حوالي الخمسة ألاف رأس، فبعد أن كانت تزيد عن الـ 20 الف راس عام 2013 لا تصل إلا لـ 16 ألف رأس من الاغنام مع حلول عيد الأضحى المبارك لهذا العام. وجمعيته تعد جزءاً من واقع الحال في كافة ارجاء فلسطين".
تراجع الثروة الحيوانية بالارقام
تربية الماعز هي مثالٌ على تراجع الثروة الحيوانية في الضفة وغزة، فالبيانات التي زودنا بها جهاز الاحصاء الفلسطيني تظهر انه في عام 2001 مثلا: وصل عدد الماعز في فلسطين 313583، وفي عام 2002 كان هناك 355387 من الماعز. واذا انتقلنا لعام 2010 وصل عدد الماعز إلى 240,136.
توزيع الثروة الحيوانية بالمحافظات
وتشير الاحصائيات الى ان أعلى محافظة لتربية الماعز هي محافظة الخليل بنسبة 40.1% من إجمالي عدد الماعز، وذلك كما هو الحال في عام 2013.
وبشكل عام يظهر الرسم البياني التالي التوزيع النسبي للأبقار والماعز والجِمال في الأراضي الفلسطينية حسب المنطقة كما هو في عام 2011.
أما عن أعداد الضأن في الضفة وغزة حسب المحافظة خلال العام 2013 فهي كالتالي:
ويظهر الرسم أعلاه تركز أعداد الضأن في محافظة الخليل ثم نابلس وجنين وبيت لحم ثم أريحا وطوباس والاغوار ورام الله والبيرة.
وعدد الماعز في الضفة وغزة حسب المحافظة عام 2013 فهي كالتالي
ويظهر الجدول تركز الماعز بشكل اكبر في محافظات الخليل وبيت لحم وأريحا ورام الله والبيرة، تليها محافظة نابلس وجنين وطوباس والقدس وبقية المحافظات.
تراجع مربي الثروة الحيوانية
ويتساءل فياض عن أسباب دفع المزارع الذي ورث المهنة أبا عن جد للتخلي عن ثروته الحيوانية، وبيع القطيع كاملا في كثير من الحالات؟ ويعزو ذلك لعزوف الشباب عن العمل بالمهنة وتفضيلهم العمل في إسرائيل كأحد أهم الأسباب.
ويستعين فياض بما حدث في منطقة فروش بيت دجن "يتزامن مع هذا عنصران متضادان، الأول هو التضييق من قوات الاحتلال الاسرائيلي على الرعاة والمواطنين ومناطق الرعي، يرافقه العنصر الثاني وهو عبارة عن تسهيلات منقطعة النظير لأي تصريح عمل يتم تقديمه من أي شاب من شباب المنطقة بغض النظر عن العمر والمهنة ."
من المعطيات التي زودنا بها فطافطة، فقد تبين أن أعداد الثروة الحيوانية في الضفة وغزة شهدت تراجعا ملحوظا، وعزا فطافطة ذلك لأزمة ارتفاع اسعار الأعلاف عالمياً في العام 2008، ما أدى إلى عزوف العديد من مربي الثروة الحيوانية عن التربية، وكذلك التغيرات المناخية التي أثرت سلباً على معدل انتاج المراعي الطبيعية في فلسطين، اضف الى ذلك سياسات الاحتلال في مصادرة الاراضي الزراعية واراضي المراعي لأغراض الاستيطان والشوارع والتدريبيات العسكرية، وهذا بدوره ادى الى ارتفاع اسعار اللحوم في فلسطين مما حدا بكثير من مربي الثروة الحيوانية الى بيع وذبح الامهات كونها اقل سعرا من الخراف، نتيجة لذلك انخفضت أعداد الولادات والإنتاج في الثروة الحيوانية.
التحديات امام المربين
اما التحديات التي واجهت مربي الثروة الحيوانية حسب فطافطة فتلخصت في التالي: مشاكل ارتفاع سعر الاعلاف وتذبذبها وعدم توفرها، والمشاكل التسويقية، والمشاكل السياسية والصحية، وصغر حجم القطيع، وضعف البنية التحتية، وقلة الانتاجية، اضافة الى خبرة المزارعين في التربية والتأقلم مع الظروف الطارئة، والاعتماد بشكل كبير على الاستيراد لمدخلات الانتاج، وقلة الخدمات البيطرية والإرشادية بسبب عدم توفر الموازنات لهذا الجانب في بعض الأحيان، وعدم القدرة على تحسين السلالات او تطبيق برامج تحسين بسبب محدودية الموارد الوراثية، وتحكم الاحتلال في عمليات ادخال أو استيراد المواد الوراثية، إضافة لبعض المشاكل المؤسسية وتداخل الصلاحيات وضعف التنسيق والتواصل بين اصحاب العلاقة.
محاولات فشلت
يقول فياض "عانينا كثيرا في فترة معينة، بسبب القطعان الكثيرة والكبيرة التي تم شراؤها من مؤسسات معينة ليتم توزيعها على الاسر لتكون مصدر رزق لهم ... لكن سرعان ما يتخلص رب الأسرة من الأربع أو خمس اغنام التي حصل عليها .. ونكون بذلك قد فقدنا صاحب القطيع الذي كان مربيا للأغنام؛ وفي المحصلة، خسرنا كوطن الكثير من القطعان بسبب هذا السلوك".
ويتابع "المصيبة الآن، أن هذه الاغنام بغض النظر عن عمرها وعن جنسها فإنها تباع للجزارين ليتم ذبحها، علماً أن القوانين تمنع وتحرم ذبح الإناث من الأغنام، إلا لسبب مشفوع بتقرير من الطبيب البيطري يبرر السبب".
ويرى فياض أن الموضوع أعمق من قضية مزارع ثروة حيوانية "انها قضية دولة احتلال تخطط لتفريغ الارض من سكانها، واذا كانت شجرة الزيتون وتجذّرها في أعماق الأرض هي غصة في حلق الاحتلال، فإن هؤلاء الأسر المنتشرة على سفوح التلال والأودية هم غصة أيضا في حلق الاحتلال وشوكة مؤلمة ."
ويطالب المزارع البدوي بدعم المزارع الفلسطيني من خلال دعم الأعلاف وتوفير كافة الطعوم، وعدم الاقتصار على توفير طعوم معينة والبقية على المزارع.
كما طالب البدوي باستيراد امهات الماعز والمواشي، وتشجيع تربيتها وليس احضار اللحوم الجاهزة للبيع، معرباً عن أمله بدعم أسعار اللحوم، كون ذلك ينشط الحركة الشرائية لها، وبالتالي تكون تربية المواشي اكثر جدوى.
الكاتب: حسناء الرنتيسي
نقلا عن "آفاق التنمية والبيئة"