صباح كلّ يوم، يقف محمد (9 سنوات) برفقة شقيقه معتصم الذي يصغره بعامين، أمام منزلهما في بلدة خزاعة جنوب قطاع غزة، بانتظار وصول "التوكتوك" الذي سيقلّهما وبقيّة أطفال الحارة إلى المدرسة البعيدة، على أن يعيدهم في نهاية اليوم الدراسي إلى المنزل.
لا خيار آخر لدى محمد ومعتصم، وإن كان "التوكتوك" ليس وسيلة آمنة على الإطلاق. وعادةً ما يعمد بعض الأهالي إلى تأمين سيارة لنقل أطفالهم، في حال كانت المدرسة بعيدة عن البيت. إلا أن عائلة محمد ومعتصم غير قادرة بسبب ظروفها المادية الصعبة.
يعترف الوالد أن وسيلة النقل هذه ليست آمنة، وقد تشكل خطراً على حياة طفليه. مع ذلك، يقول إنه ما من خيار آخر، وخصوصاً أنه لا يستطيع تأمين مبلغ مالي شهرياً لهذا الغرض.
أيضاً، لا يمكن الذهاب إلى المدرسة سيراً على الأقدام كونها بعيدة، علماً بأن كلفة النقل بواسطة "التوكتوك" لا تتعدى الدولار الواحد يومياً.
عند الصباح والظهيرة في غزة، يبدو المشهد قاسياً.
تجوب عربات "التوكتوك" المهترئة الشوارع، وهي تحمل عشرات الأطفال الذين يضطرون إلى الوقوف طوال الطريق خلال الذهاب إلى المدرسة أو العودة إلى البيت.
وأكثر ما يقلق أحمد النجار هو أن هذه العربات ليست مخصصة لنقل البشر، لافتاً إلى أن معظم عربات التوكتوك عبارة عن دراجات نارية عادية، تضاف لها عربة وعجلتان، لتصبح أشبه بعربات النقل التقليدية.
ويقول النجار "قيادة التوكتوك ليست أمراً سهلاً. كما أن معظم حوادث الطرقات التي تحصل يومياً يكون سببها الرئيسي هذه العربات، التي تجوب الشوارع بسرعة كبيرة. ويحاول من يقودها تجاوز شارات المرور إن وجدت، حتى أنهم يتسابقون للوصول بسرعة من دون إدراك خطورة الأمر على حياتهم وحياة أطفالهم".
في السابق، قليلاً ما كان الغزيّون يرون الأطفال مكدسين في عربات "التوكتوك". لكن في الآونة الأخيرة، زاد الأمر بشكل لافت.
ويعد الفقر الذي تعاني منه معظم الأسر أحد الأسباب الرئيسية للجوء إلى "التوكتوك"، وخصوصاً أنها عاجزة عن تأمين وسائل نقل أكثر أماناً لأبنائها.
بالإضافة إلى خطر تلك العربات، يلاحظ أن عدداً من السائقين لا يعرفون قيادتها. مع ذلك، يتحملون مسؤولية ما يزيد عن عشرين طفلاً لا تتجاوز أعمارهم الـ 15 عاماً.
وحين يوصلون الأطفال إلى المدرسة، يتفرّغون لنقل الإسمنت ومواد البناء والمواد الغذائية، وحتى الدواب في بعض الأحيان.
يقطن عاهد في المنطقة الشرقية لمدينة رفح جنوب قطاع غزة.
يضطر هو الآخر للاعتماد على "التوكتوك" لنقل أطفاله إلى المدرسة. يقول لـ "العربي الجديد"، إن المشكلة تكمن في عدم توفر مدارس في المناطق الحدودية. يضيف: "لو وُجدت المدارس لما اضطررت وغيري لجعل حياة أطفالنا رهن تصرف شباب يقودون كومة من الحديد".
يتابع الرجل الثلاثيني: "البديل عن نقل أطفالي بواسطة عربات التوكتوك إلى مدارسهم هو بقاؤهم في البيت وحرمانهم من الدراسة. لا خيار آخر أمامي، وهذا حال معظم تلاميذ المناطق الحدودية والنائية في غزة، التي تفتقر إلى الطرقات المعبدة، ما يعني أنه يصعب وصول السيارات إليها".
أكثر ما يزعج رامي، وهو ابن عاهد الوحيد، تعرضه لأشعة الشمس خلال رحلة العودة إلى البيت. يقف وأقرانه في العربة لنحو نصف ساعة من دون وجود سقف يحميهم من الشمس الحارقة.
وفي كثير من الأحيان، يصل إلى المدرسة أو البيت مبللاً بمياه الأمطار في فصل الشتاء. هذه الأيام، خفت حدة الشمس، لكن الشتاء يقترب، ولن يسلم هؤلاء الأطفال من أمطاره، إلى أن يصير بمقدور عائلاتهم تأمين وسائل نقل أخرى.
دعاء لسلامتهم
يقول مدرس في مدينة رفح يدعى عبد الله لـ "العربي الجديد" إن لـ"التوكتوك تأثيراً واضحاً في التلاميذ. وعادة ما يصلون إلى المدرسة وقد أنهكهم التعب، بسبب الوقوف لوقت طويل، وخصوصاً أن الطرقات غير معبّدة".
مع ذلك، يبدو عاجزاً عن إيجاد أي حل لمشكلة هؤلاء الذين يستخدمون "التوكتوك" للوصول إلى المدرسة. لذلك، يسعى إلى تخفيف العبء الدراسي عنهم، والدعاء لهم بالسلامة.
نقلا عن العربي الجديد