في الوقت الذي تشدد فيه سلطات الاحتلال الإسرائيلي الخناق على أهالي القدس، لوأد الانتفاضة الجماهيرية المشتعلة في المدينة وعموم الأراضي الفلسطينية منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول الجاري، يواجه المقدسيون معاناة غير مسبوقة، منها جرائم مرئية تتعلق بالإعدامات الميدانية، وحواجز المكعبات الإسمنتية، والحصار على المسجد الأقصى، ومنها أزمات اقتصادية تزيد معاناة المقدسيين، حيث مراكمة الضرائب، والمخالفات الكيدية، التي تهدّد تجارة وملكية الفلسطينيين لعقارات تقع في أماكن حساسة قريبة من البلدة القديمة في القدس.
وتشهد القدس في الأسابيع الأخيرة ركودًا تجاريًا ملحوظًا في ظل إجراءات سلطات الاحتلال المشددة، وتقطيع أوصال المدينة، وفي الوقت نفسه تتراجع أعداد الوافدين المحليين والسياح الأجانب إلى المدينة، بالتزامن مع غياب المستهلكين من أسواق القدس، كما يتعرض التجار الفلسطينيون لحملات انتقامية، للضغط عليهم من أجل ترك محلاتهم.
تراكمات
يقول مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، زياد الحموري، لـ"العربي الجديد"، إن "الجانب غير المرئي من معاناة المقدسيين والمتعلق بظروفهم المعيشية لا يقل خطورة عما يجري من إعدامات وقمع وتقطيع لأوصال المدينة"، لافتًا إلى أن تطويق مدينة القدس بالجدار الفاصل عام 2002، أدى إلى حرمان الأسواق في المدينة من القادمين من الضفة الغربية، بعدما فقدت متسوقي قطاع غزة منذ أكثر من 20 عامًا.
وأوضح الحموري أن 25% من المحال التجارية في البلدة القديمة من القدس أغلقها أصحابها بسبب غياب المتسوقين، إذ تبين معطيات فلسطينية أن القدس القديمة تضم قرابة 1000 دكان، منها 231 مغلقة.
وتهدد ظاهرة خطيرة تتعلق بتراكم الضرائب والمخالفات الكيدية من البلدية الإسرائيلية في القدس، التجار المقدسيين إلى حدود تفوق قدرتهم على سدادها، إذ يبين الحموري أنه "مع استمرار تراكمها ووصولها إلى مبالغ خيالية، تقوم البلدية برفع دعاوى على التجار أمام المحاكم الإسرائيلية للحجز على ممتلكاتهم، ما يعرض ملكيتهم لعقاراتهم ومحالهم للخطر، وهذا الأسلوب نفسه اتبعه الانتداب البريطاني على فلسطين قبل الاحتلال الإسرائيلي، وأدى إلى فقدان فلسطينيين لعقاراتهم وممتلكاتهم".
وقال تجار مقدسيون إن "طواقم تابعة لبلدية الاحتلال قامت بمداهمة محالهم وتحرير مخالفات كيدية تصل قيمة الواحدة منها إلى 5000 شيقل (1300 دولار) بذرائع مختلفة منها عدم وجود لافتة لمنع التدخين على مدخل المحل.
وسبق ذلك التحريض الذي مارسه رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بنفسه على تجار شارع الواد في القدس القديمة، بذريعة عدم مبادرتهم لتقديم المساعدة للجرحى من المستوطنين بعد العملية التي نفذها الشهيد الفلسطيني مهند حلبي في الثالث من الشهر الجاري.
كساد
وتعاني أسواق القدس خلوها من المتسوقين من أهالي المدينة، إلى ضعف القدرة الشرائية، "وفي ظل سياسات الاحتلال العنصرية أصبح 80% من المقدسيين تحت مستوى خط الفقر، وهو ما ينذر باحتمالية انفجار الأوضاع في المدينة مجددًا حتى وإن نجحت الجهود الحالية للتهدئة"، وفق ما يقول الحموري.
ويلاحظ في الأيام الأخيرة خلو شوارع القدس القديمة من المارة في ظل استسهال قوات الاحتلال المنتشرة في أزقتها إطلاق النار على أي شخص وإعدامه لمجرد الاشتباه به، فضلاً عن نصب عدد من البوابات الإلكترونية المزودة بأجهزة كشف المعادن في كافة الطرقات المؤدية إلى الأسواق التاريخية في القدس.
ويعيش في القدس القديمة نحو 40 ألف فلسطيني، في ظل حصار مشدد، خاصة مع منع سلطات الاحتلال الإسرائيلي دخول من يعيشون خارجها إلى حاراتها.
وتاريخيًا كانت أسواق القدس تعتمد على السياح الأجانب والوافدين المحليين إلى المدينة للصلاة في المسجد الأقصى، قبل أن تفقدهم تدريجيًا مع توالي حلقات الحصار، وتقوم القاعدة الاقتصادية في المدينة على قطاعي السياحة والتجارة.
وبحسب معطيات الغرفة التجارية الصناعية في القدس، يبلغ عدد المصالح الاقتصادية في المدينة 5920 منشأة، 40% منها سياحية، و25% تجارية، و25% خدماتية في حين تتوزع العشرة بالمائة المتبقية ما بين الصناعة والزراعة.
وتواجه الفنادق العربية في القدس تراجعًا بأكثر من 50% في نسبة إشغال الغرف مع تدني وصول السياح والوافدين، فضلاً عن ممارسة مكاتب السياحة الإسرائيلية تحريضًا لمنع السياح الأجانب من التوجه إلى المناطق العربية.
ولإنقاذ القدس ومساعدة أهلها على الصمود أمام برامج التهويد المتسارعة، ناشد مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، البدء ببرنامج فلسطيني عربي عاجل يهدف لمد يد العون للمقدسيين وتعزيز قدرتهم على البقاء في المدينة المقدسة، في ظل أخطر هجمة يتعرضون لها منذ احتلال المدينة عام 1967.
وكان رئيس اتحاد الغرف التجارية الفلسطينية خليل رزق، قد قال في تصريحات صحفية الأسبوع قبل الماضي، إن تجار القدس بحاجة إلى الدعم العربي لوجود محاولات من الجانب الإسرائيلي لإخلائهم من محلاتهم خصوصا تلك الواقعة داخل اسوار المدينة المقدسة، محذرا من الإغراءات المالية التي تقدم لإقناعهم بالرحيل.
وأكد رزق ضرورة وجود تكامل تجاري فلسطيني عربي لدعم الاقتصاد الفلسطيني وإقامة مشاريع مشتركة والاستفادة من الفرص المتاحة على الاراضي الفلسطينية، وانتقد رزق، ضعف التبادل التجاري بين الفلسطينيين والدول العربية، وقلة الاستثمارات العربية في الأراضي المحتلة، مشدّدا على أهمية الدعم الاقتصادي والمالي لبلاده في ظل زيادة معاناة الفلسطينيين المتفاقمة.
نقلا عن العربي الجديد