يعيش الاقتصاد الوطني الفلسطيني حالة من الركود بسبب الأوضاع التي تمر بها الأرض الفلسطينية، نتيجة الإجراءات التي فرضتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، كعقاب للفلسطينيين على استمرار الهبة الشعبية الجماهيرية.
وواصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي عمليات الفصل داخل مدينة القدس المحتلة، في وقت بات المقدسيون غير قادرين فيه على مواصلة أعمالهم نتيجة استهدافهم من قبل المستوطنين، وقوات الاحتلال على حد سواء، كما لم يتمكن الفلسطينيون في أراضي الـ48، من دخول المناطق الفلسطينية التي كانوا يقصدونها للشراء والإقامة في عطلة نهاية الأسبوع، بسبب الإجراءات الإسرائيلية.
وامتد الأثر الناتج عن هذه الأحداث إلى القوى الفلسطينية العاملة، التي بات جزء كبير منها عاطلا عن العمل، إما بسبب عدم المقدرة على الوصول لأماكن العمل، في المناطق الإسرائيلية، بسبب الخوف على حياتهم واحتمال التعرض للاعتداء، وإما بسبب إغلاق المصالح الاقتصادية أو ضعف الإقبال عليها.
وبنظرة سريعة على آخر إحصائية تتعلق بالعمالة في فلسطين، والصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، للربع الثاني من العام الجاري 2015، الذي يغطي الفترة من شهر نيسان إلى شهر حزيران، نجد أن 112,200 عامل من الضفة الغربية يعملون في إسرائيل والمستوطنات، من بينهم 61,300 يحملون تصاريح عمل، وهي وثيقة تمنحها سلطات الاحتلال للعامل، تمكنه من دخول المناطق الإسرائيلية والعمل فيها، بينما نجد أن 37,600 عامل لا يحملون هذه التصاريح، بينما 13,300، منهم يحملون وثيقة سفر أجنبية أو وثيقة إسرائيلية.
في المقابل نجد أن عدد العاملين في السوق المحلية ارتفع إلى 852,200 عامل، في الفترة المذكورة أعلاه، من 835,300 عامل، مع الربع الأول من العام الجاري.
ولا بد من الإشارة هنا أيضا إلى أن عدد العاملين في المستوطنات انخفض إلى 20,300 في الربع الثاني من 20,900 في الربع الأول، وإلى أن معدل البطالة من بين المشاركين في القوى العاملة 24,8% في الضفة وغزة وبالأرقام 320,100 عاطل عن العمل.
حول هذه المعطيات، وفي ظل الهجمة الإسرائيلية المتواصلة على الفلسطينيين، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية د. نائل موسى إن ما يحدث يترك أثره على ثلاثة أصعدة العمالة، والتسويق، والإنتاج.
وأوضح في حديث لـــ'وفا' أن جزءا كبيرا من العاملين في إسرائيل توقف عن العمل، إما بسحب التصاريح، وإما لأنهم يخشون على أنفسهم من التعرض للاعتداء، أما من ناحية التسويق، فنجد أن قطاع السياحة تعرض لشلل بشكل شبه كامل، كما توقفت زيارات أبناء الداخل لمناطق السلطة الوطنية، وفيما يتعلق بقضية الإنتاج فإنها مرتبطة بوصول العمالة لأماكن عملهم، وبالقدرة على توزيع المنتجات، وهي أمور مرتبطة بشكل مباشر بإجراءات الاحتلال، وتقطيعه أوصال المدن الفلسطينية.
وأعرب موسى عن قلقه من عدم مقدرة الفلسطينيين على تحمل اعباء الإجراءات الإسرائيلية الحالية، بالنظر إلى المعطيات السابقة فيما يتعلق بالعمالة في إسرائيل، إذ يعادل دخل هؤلاء 40% من العاملين في المناطق الفلسطينية، هذا إلى جانب أن كثير من المصالح الاقتصادية أنشأت بعد الحصول على قروض أو ديون من عدة جهات، وبالتالي ستواجه أزمات.
واستدرك موسى أن شعبنا لن يعيش ظروفا اسوأ من تلك التي عايشها مطلع الألفية الجديدة. وأتوقع صعب الحديث عن رقم واضح يتعلق بالخسائر الاقتصادية.
وأعرب عن اعتقاده أن دولة الاحتلال ستحاول امتصاص الهبة الجماهيرية الحالية، وتجنب الانعكاس السلبي على اقتصادها بسببها، وامتصاص الهبة بنوع من تخفيف القيود، خاصة أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لا ينفك يقول إنه يحبذ سلاما اقتصاديا مع الفلسطينيين.
وفيما يتعلق بالجانب الإسرائيلي، قال موسى إنه بلا شك يتأثر بالأحداث الجارية، لكنه لن يكون ذلك التأثر الكبير، نظرا لقوة الاقتصاد الإسرائيلي.
وبين أن الاقتصاد الإسرائيلي سيتأثر بسبب الارتفاع المتوقع في تكلفة العمالة البديلة عن العمالة الفلسطينية، والتكلفة العسكرية المباشرة للأحداث، وتأثر قطاع السياحة، إلى جانب المقاطعة الاقتصادية التي ينفذها الفلسطينيون.
أما فيما يتعلق بالأوضاع داخل القدس المحتلة، قال مدير عام مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد حموري إن الحصار الذي فرضته سلطات الاحتلال الإسرائيلي على المدينة سيؤدي لوضع اقتصادي صعب جدا، يصب في مصلحة الاحتلال الذي يسعى لإفراغ القدس من أهلها.
ونوه الحموري إلى أن سلطات الاحتلال فرضت إجراءات مشددة داخل القدس المحتلة، قبل الهبة الجماهيرية.
ونقل ما هدد به أحد المسؤولين الإسرائيليين بأن إجراءات صارمة ستفرض على أهل القدس، ومنها فرض وجباية ضرائب، وتنفيذ عمليات هدم، وجمع ديون، وفصل المناطق الفلسطينية وعزلها.
وقال الحموري، 'رغم ما سبق إلا أن الأثر الاقتصادي لا يقتصر على المقدسيين وحدهم'، موضحا أن القوة الشرائية للمقدسيين تسجل من 22-26%، من القوة الشرائية الإسرائيلية، كما أن 58% من المواصلات الإسرائيلية بيد مقدسيين، و80% من سائقي القطار الخفيف هم فلسطينيون، وهذه الأرقام كلها تترك آثارها على الاقتصاد الإسرائيلي.
وبين الحموري أن الاقتصاد الإسرائيلي خسر 5 مليارات شيقل خلال أسبوعين فقط بداية الهبة الشعبية، 'وهذا رقم كبير، وسيعكس الاستمرار في هذه الهبة وفي هذه الإجراءات، بكل تأكيد على إسرائيل، هذا لجانب زعزعة الاستقرار، والخوف الذي يعيشه الإسرائيليون، وإفراغ الأسواق، وتوقف كثيرين منهم عن التوجه للعمل.
الناطق باسم وزارة الاقتصاد الوطني، ومدير عام السياسات الاقتصادية فيها عزمي عبد الرحمن قال إن الخسارة الفلسطينية الاقتصادية كبيرة.
وتوقع أن الخسارة الفلسطينية تفوق 5 مليارات شيقل منذ بداية الأحداث لليوم، مبينا أن ذلك يعود لتأثر القطاعات الاقتصادية الرئيسية بسبب الإغلاقات وإجراءات الاحتلال، واستهداف المدن، حيث إن محافظتي الخليل ونابلس، اللتين تشكلان 60% من الاقتصاد الوطني تأثرتا بشكل كبير بسبب الإغلاقات.
وقال عبد الرحمن إن الوزارة تلقت شكاوى من مصالح تجارية تشغل 60 عاملا وأكثر، لم يعد لديها القدرة على العمل، وباتت مهددة بالتوقف، هذا إلى جانب أن أهلنا من الداخل باتوا غير قادرين على الوصول للمناطق الفلسطينية، الأمر الذي ينعكس على الاقتصاد المحلي، حيث فاق استهلاكهم 1.5 مليار شيقل خلال الفترة الأخيرة.
وعن أساليب الخروج من الوضع الحالي، قال عبد الرحمن: 'في الأوضاع غير المستقرة، تكون لغة الادخار والاحتياط كبيرة، ومواجهة الاجراءات الإسرائيلية تكون بتماسك شعبنا، ووحدته، بكافة قطاعاته، والتوجه نحو المنتج الوطني'.
على الجانب الآخر، قالت صحيفة 'مكور ريشون' العبرية إن ثمن شهر من الهبة الجماهيرية الفلسطينية سيكون خسارة 5 مليارات شيقل من 'الدخل الإسرائيلي القومي' العام، وغالبيته سيكون من قطاع السياحة الذي تلقى ضربة قاسية خاصة بالقدس المحتلة، مع انخفاض الحجوزات الفندقية بنسبة وصلت إلى 50% منذ بداية شهر تشرين الأول الجاري.
وتوقعت الصحيفة خسارة الاقتصاد الإسرائيلي لـ10.5 مليار شيقل في حال استمرت الهبة الحالية لشهرين.
وبينت الصحيفة أن الخسائر الحالية تعود لتحويل 4 مليارات شيقل لميزانية الجيش، بالإضافة لـ1.5 مليار شيقل نتيجة انخفاض دخل الحكومة من الضرائب، بينما لم تتطرق إلى الخسائر الناجمة عن القطاع السياحي.
نقلا عن وفا