لم تجد الفلسطينية إيمان خالد، سبيلاً لتحقيق حلمها بالاستفادة من شهادتها الجامعية، في تخصص البصريات، سوى منحها لأحد المستثمرين المحليين، لافتتاح متجر في ذات مجالها، مقابل الحصول على عائد مالي لا يتجاوز 150 دولاراً شهرياً بدلاً عن الترخيص باسمها.
وتقول خالد، لـ"العربي الجديد"، إنّ العديد من الخريجين يلجؤون إلى القيام بتأجير شهاداتهم العلمية مقابل عائد مادي شهري ثابت، في ظل انعدام فرص العمل في القطاع المحاصر، وتزايد أعداد الخريجين سنوياً، والذين ينضمون لقوافل البطالة، في ظل توقف التوظيف الحكومي بغزة منذ أكثر من عام والظروف المعيشية القاسية للسكان.
وتوضح إيمان أنّ قانون المهن الطبية يمنع افتتاح أية مراكز متخصصة في مجال البصريات من دون أن يكون صاحب الترخيص حاصلاً على شهادة في المجال، وهو ما يدفع بالمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال في غزة إلى ترخيصها على أسماء الخريجين مقابل مبلغ مالي ثابت أو الحصول على فرصة عمل في المركز.
وتبين أخصائية البصريات أنّ واقع المهن الطبية في القطاع كغيره من التخصصات العلمية الأخرى يعيش واقعاً مأساوياً بفعل تراكم الخريجين وشح الوظائف وتدنى الرواتب المقدمة لصالح العاملين فيه، على الرغم من ارتفاع الرسوم الدراسية لكافة التخصصات الطبية في الجامعات الفلسطينية.
ووفقاً للجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء، فإن الجامعات الفلسطينية في القطاع تخرج نحو 30 ألف طالب جامعي سنوياً، ومع ذلك فإنّ عدد العاطلين عن العمل ارتفع إلى نحو 230 ألف فلسطيني، تزامناً مع اعتماد نحو 80% من السكان على المساعدات الإغاثية.
أما الشاب إحسان أحمد المتخصص الحاصل على شهادة الصيدلة، فدفعته ظروفه الاقتصادية الصعبة وعدم وجود فرصة عمل، إلى الرضوخ مؤخراً لأحد العروض التي قدمها إليه أحد التجار الغزيين، بأن يساهم بشهادته الجامعية الحاصل عليها منذ 2010 في ترخيص صيدلية، ويعمل فيها، مقابل نسبة إجمالية من الربح لا تتجاوز 20%.
ويؤكد أحمد لـ"العربي الجديد" أنه وافق بعد ضغوط عائلية على تأجير شهادته الجامعية مقابل نسبة ثابتة من عائدات الصيدلية، بعد أن فقد الأمل بالحصول على وظيفة رسمية ثابتة في إحدى المؤسسات الحكومية أو الخاصة في القطاع المحاصر إسرائيلياً منذ تسع سنوات.
ويضيف: "واقع المهن الطبية بشكل عام في غزة يحتاج لإعادة تقيم وترتيب، فحجم الأجور المقدم للعاملين فيه لا يكفي لتوفير الحد الأدنى من مستلزمات الحياة اليومية، فهو في أفضل الأحوال لا يتجاوز 300 دولار وبساعات عمل تتجاوز الـ10 ساعات يومياً".
ويشير إلى أنّ المهن الطبية في غزة تحولت إلى مجال للتجارة وكسب الأموال من قبل المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال، في ظل عجز الخريجين في ذات المجال عن افتتاح مشاريعهم الخاصة، نظراً لارتفاع تكلفتها المادية، وهو ما يدفع بالكثيرين إما للقبول برواتب متدنية، أو تأجير الشهادة الخاص به لتوفير بعض الأموال.
من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي نهاد نشوان، لـ"العربي الجديد"، أنّ الواقع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه القطاع دفع بالكثير من أصحاب الشهادات، سواء في المجال الطبي أو الهندسي وغيرها، إلى استثمار شهاداتهم مقابل عوائد مادية من أصحاب رؤوس الأموال في القطاع.
ويوضح نشوان أنّ الرسوم الدراسية المرتفعة في التخصصات الطبية أو المجالات الحرة لا تتوافق مع حجم العائد المادي الذي يتحصل عليه الخريج مقابل عمله واستثماره لشهادته الجامعية، في ظل غياب الرقابة الحكومية على الأجور المقدمة لهم.
ويضيف: "الواقع الاقتصادي السيئ للخريجين واستمرار تدفق الآلاف سنوياً منهم، في ظل انغلاق سوق العمل في القطاع، سيدفع باتجاه انهيار حقيقي للاقتصاد الغزي المنهك من الحصار الإسرائيلي المفروض عليه منذ تسع سنوات، عدا عن هدم الأنفاق مع مصر التي أدت إلى تضييق الخناق على الغزيين كثيراً".
ويلفت المختص الاقتصادي إلى أنّ نحو 70% من خريجي الجامعات الغزية في السنوات الأخيرة انضموا لقوافل البطالة، في حين أن نسبة 30% فقط إما تحصلوا على فرص عمل مؤقتة في بعض الدوائر الحكومية، أو افتتحوا مشاريع تجارية خاصة خارج تخصصاتهم الجامعية.
وينوه نشوان إلى أنّ انعكاسات استمرار عمليات استثمار الشهادات العلمية في المجالات الطبية ستعود بالضرر على الاقتصاد الفلسطيني وعلى القطاع الصحي، في ظل جهل الكثير من أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين في هذه المجالات بمتطلباتها العلمية.
نقلا عن العربي الجديد