رام الله -الاقتصادي- حالة من التخبط والإرباك تعيشها إسرائيل هذه الأيام على وقع التدهور الخطير في الحالة الأمنية نظراً لقيام الفلسطينيين بتنفيذ عمليات فدائية بالتزامن مع حالة الغضب والاحتجاج الجماهيري التي تشهدها الأراضي الفلسطينية في كافة المناطق سواء في القدس أو مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة ومناطق فلسطيني الداخل (مناطق 48).
جاءت تلك الأحداث بعد إعلان الرئيس محمود عباس أبو مازن في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن عدم التزامه في الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل في ظل عدم التزام إسرائيل بها.
إن استمرار حالة الغضب والاحتجاج الفلسطيني والاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي بهذه الوتيرة المتسارعة ستلقي بظلالها الثقيلة على الاقتصاد الفلسطيني الذي يعاني أصلاً من اختلالات هيكلية عديدة.
في هذا السياق يوضح عدد من الباحثين في الشؤون الاقتصادية تأثيرات هذه الأحداث على الاقتصاد الفلسطيني
حيث قال الباحث في الشؤون الاقتصادية رائد حلس: إن حالة التخبط والإرباك التي تعيشها إسرائيل نتيجة هذه الأحداث سوف تؤدي إلى قيام إسرائيل بالتهديد باستخدام أوراق الضغط التي تملكها للضغط على السلطة الفلسطينية بشكل خاص من خلال وقف تحويل إيرادات المقاصة وعلى الاقتصاد الفلسطيني من خلال تشديد الحصار الاقتصادي.
ويضيف حلس: أن إيرادات المقاصة التي تحصلها وزارة المالية الفلسطينية من الجانب الإسرائيلي تشكل مورداً رئيسياً لإيرادات الموازنة العامة, إذ أن متوسط نسبة هذه الإيرادات يتراوح ما بين 60% إلى 70% من إجمالي الإيرادات الشهرية, وتغطي نسبة تتراوح ما بين 45% إلى 55% من إجمالي النفقات العامة إي أنها تغطي حوالي نصف نفقات الموازنة بما فيها النفقات التطويرية, وبالتالي فإن وقف إيرادات المقاصة سوف يضع السلطة الفلسطينية في أزمة مالية وعدم قدرتها على تأمين فاتورة الرواتب للموظفين العموميين بشكل كامل, وهنا لا أن نشير إلى أن رواتب الموظفين تمثل شريان الحياة والمحرك الأساسي للطلب اللازم لتنشيط الاقتصاد, وتعزيز واستدامة النمو.
وتابع حلس: أن إسرائيل سوف تلجأ لاستخدام ورقة أخرى ( الحصار الاقتصادي) وتعتبر هذه الورقة من أخطر أوراق الضغط التي تملكها إسرائيل, ولعل أبرز دليل على ذلك أن العدوان الأخير على قطاع غزة عام 2014, أظهر بوضوح مدى خطورة هذه الورقة من خلال الابتزاز السياسي الذي مارسته إسرائيل على الفصائل الفلسطينية بوقف العدوان والقبول بالتهدئة مقابل تخفيف الحصار المفروض على القطاع.
وحسب حلس: فإن إسرائيل تتحكم بهذه الأوراق (إيرادات المقاصة والحصار الاقتصادي), وتستطيع من خلالها التأثير على الاقتصاد الفلسطيني وجعله عرضة للعديد من الأزمات والصدمات التي تؤدي إلى تدهور اقتصادي مما سينعكس سلباً على مجمل حياة المواطنين.
هذه التأثيرات السلبية على الاقتصاد الفلسطيني بمثابة ناقوس خطر نتيجة أن القضية الفلسطينية أصبحت مختزلة في مسألة توفير رواتب الموظفين وتسهيلات تتعلق بإدخال المواد التموينية والغذائية وتحسين سبل العيش تحت الاحتلال, لذلك لابد من الاستمرار في مقاومة الاحتلال وإنهائه إن أردنا أن يكون الاقتصاد الفلسطيني اقتصاد دولة حقيقي ومستقل ويتسم بالاستدامة والنمو بكافة الوسائل المشروعة , وبالتوازي مع تبني إستراتيجية وطنية تهدف إلى تعزيز البنية الإنتاجية والنشاط الاقتصادي الخاص والتخلص التدريجي الممنهج والانتقائي عن الاقتصاد الإسرائيلي, وهذا يستلزم بالضرورة خريطة طريق, وخطط عمل وآليات تكفل نجاح وتحقق هذه الاستراتيجية.
وفي ذات السياق قال الباحث في الشؤون الاقتصادية محمود عيسى: أن الاقتصاد الفلسطيني ما زال يعاني انكماشاً كبيراً بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة صيف العام الماضي، ممّا تسبّب في تفاقم الأزمات والفجوات والاختلالات التي شوّهت ودمّرت بنية الاقتصاد وهيكله، وذلك نتيجة الإجراءات الإسرائيلية القمعيّة المتمثّلة في السيطرة على الأرض ومصادر المياه ووضع القيود على استيراد المواد الخام، وكذلك السيطرة على المعابر وفرض حصار شامل على قطاع غزة منذ العام 2006، وإعاقة عمليّة إعادة إعمار غزة، والعديد من الإجراءات التي تكبّل الاقتصاد الفلسطيني وتمنع نموّه.
وحسب توقعات عيسى : أنّ الهبّة الجماهيرية أو الانتفاضة الشعبية في الضفة الغربية والقدس المحتلّة ، سوف تحمّل الاقتصاد الفلسطيني أعباءً إضافية، خاصّة عندما تزيد إسرائيل من حدّة إجراءاتها القمعيّة بهدف خنق الاقتصاد الفلسطيني، فهي قد تلجأ إلى القرصنة على أموال المقاصة الفلسطينية وتمتنع عن تحويلها لشهرين أو ثلاثة، ممّا سيفاقم الأزمة الماليّة الخانقة التي تعاني منها الحكومة الفلسطينية، والتي تزايدت مؤخّراً بسبب تراجع حجم المساعدات الدولية والعربية لموازنة السلطة الفلسطينية، التي بلغ العجز فيها عام 2015 حوالي 18% من الناتج المحلّي الإجمالي، الأمر الذي سوف يؤثّر على قدرة الحكومة على دفع فاتورة الرواتب ومستحقات القطاع الخاص، ومن جهةٍ أخرى فإنّ إمعان إسرائيل في تنفيذ سياسة هدم منازل الشهداء وذويهم ، وتجريف الأراضي الزراعية ، فإنّ الموازنة الفلسطينية ستتحمل مزيداً من الأعباء عند إعادة إعمار البيوت المدمرة ، ودفع رواتب أهالي الشهداء والأسرى ، وتغطية تكاليف نفقات الجرحى.
وتابع عيسى : سياسياً أعتقد أنّ الشعب الفلسطيني عاد للإمساك بزمام المبادرة، وأعاد خلط الأوراق، وها هو من جديد يوجّه رسائل سياسية عديدة: للقيادة الفلسطينية ولإسرائيل ولأمريكا ولأوروبا وللعرب ، ومن شأن هذه الرسائل إنْ وصلت أنْ تعيد ترتيب الأولويات في المشهد السياسي العالمي.
أما الباحث الاقتصادي والمحاضر الجامعي عبد الرحمن الفار قال: أن الأحداث ستؤثر بالسلب على الحركة التجارية بشكلٍ عام ، حيث تضعف القوة الشرائية للمستهلكين بسبب المخاوف السياسية ، بالإضافة إلى الإغلاق المتكرر و الإضرابات التي تنظمها اللجان الشعبية و الأحزاب ، يضاف إلى ذلك الإضرابات الرسمية التي قد تعلن عنها الحكومة و التي قد تسبب بإغلاق البنوك و بالتالي قد تتعطل العجلة الاقتصادية لعدة أيام ، ناهيكم عن المخاسر المادية و المعنوية للشركات و المحال التجاري نتيجة الاغلاقات و الأحداث التي قد تضر بها, كمان أن إسرائيل ستقوم أيضاً بمنع إصدار تصاريح عمل لعمال الضفة الغربية و التي نشطت خلال الشهور الماضية هذا فيما يخص الضفة الغربية.
وتابع الفار:أما فيما يخص قطاع غزة ، فأن جل الأزمة تتمثل في أوضاع المعابر خاصة فيما يتعلق بوقود محطة توليد الكهرباء و البنزين و السولار ، كما قد تتضرر الحركة التجارية بسبب إغلاق المعابر أيضاً .