يوجد اعتقاد معقول ومنطقي بان موجة العنف الحالية تقرب نهاية السلطة التي شكل انهيارها كابوسا بالنسبة لإسرائيل لان انهيار الحكم الفلسطيني سيضيف على كاهل دولة اسرائيل حملا ثقيلا بل اثقل ما يمكن احتماله سواء من الناحية السياسية او الامنية او اقتصادية وهو جانب لا يقل اهمية عن الجانبيين الاخرين وفقا لما استهل به الكاتب والخبير الاقتصادي الاسرائيلي " داني روبينشتاين" في مقالته المنشورة اليوم في الملحق الاقتصادي " كلكليست".
عمل قبل عشرين عاما حين نقل الحكم الاسرائيلي السلطة الى ايدي السلطة الفلسطينية في المؤسسات الحكومية التي كانت قائمة اقل من 20 الف موظف وعامل غالبيتهم موظفين في الصحة والتعليم وكانوا تحت رقابة عدد قليل من ضباط القيادة الاسرائيلية فيما يعمل الان في وزارات ومكاتب السلطة الفلسطينية اكثر من 150 الف موظف يضاف اليهم المتقاعدين وهؤلاء يعتاش من رواتبهم اكثر من مليون نسمة علما بان ميزانية السلطة الفلسطينية تصل الى حدود 16 مليار شيكل غالبيتها من اموال المعونات والدول المانحة فإذا ما انهارت السلطة الفلسطينية وتفككت من سيدفع كل هذا ؟ من سيقف على رأس الوزارات والمكاتب الحكومية وهيئات الخدمات ؟ هذا دون ان نضيف تكاليف الامن الهائلة والتي يقف على رأسها عملية نشر واسعة لقوات الجيش بما يعنيه ذلك من تكاليف اقتصادية.
تعتبر العوامل الاقتصادية احد اهم العوامل التي تعرقل قرار ابو مازن التنصل من اتفاقيات اوسلو وإقامة دولة فلسطينية تحت الاحتلال بما يعني حل السلطة الفلسطينية القائمة حاليا وهذه الاعتبارات معروفة جيدا وهي على هذا النحو : الاقتصاد الفلسطيني مرتبط كليا وبشكل مطلق بالاقتصاد الاسرائيلي ودون اسرائيل ستتحول الضفة الغربية الى غزة ثانية تواجه ازمة بسمات افريقية قوامها نسبة بطالة من اعلى النسب في العالم .
ارتباط متبادل واضح :
يمكن ان تعطينا المعطيات الرقمية الخاصة باكثر من 1000 مصنع اسرائيلي تعمل في الضفة الغربية افضل اشارة على الارتباط المتبادل حيث يدور الحديث عن 14 منطقة صناعية اسرائيلية في ارجاء الضفة الغربية اكبرها المنطقة الصناعية " ميشور ادوميم" القائمة على طريق " الخان الاحمر ويعمل فيها حوالي 300 مصنع ، المنطقة الصناعية بركان شمال الضفة الغربية يعمل فيها 160 مصنعا، منطقة عطروت الصناعية على طريق رام الله القدس وهناك مناطق صناعية اصغر حجما قرب او داخل المستوطنات اليهودية .
وجميع هذه المصانع دون استثناء عبارة عن مصانع تستخدم تكنولوجيا متدنية او ورش تستغل الافضلية الاقتصادية الكامنة في الضفة الغربية والمتمثلة بوجود عمال يتقاضون اجورا متدنية ما يعني عمالة رخيصة تضاف الى ضريبة املاك متدنية نسبيا وهذه المصانع مختصة في الاساس بإنتاج المواد الغذائية والمنسوجات وورش لتصليح السيارات ومطابع وورش لانتاج الاثاث والمنتجات المعدنية والبلاستيكية وتجار مواد البناء وفق طريقة عمل سبق وان مر بها الاقتصاد الاسرائيلي في طريقه نحو الاقتصاد الصناعي وانتاج وتصدير التكنولوجيا المتقدمة وحينها تخلت المصانع التقليدية عن هذه الاساليب .
لقد نقلت اسرائيل مصانع النسيج التي كانت عماد اقتصاد مدن التطوير مثل "اوفكيم"وديمونا" الى الضفة الغربية ومن هناك لاحقا الى الاردن ومصر وتركيا ومع رفع القيود الجمركية هاجرت صناعة النسيج الاسرائيلية.
تشكل الصناعات التقليدية عماد الاقتصاد الفلسطيني او العامل المركزي في هذا الاقتصاد وهذه الصناعات بدات بالهجرة بعيدا نحو الصين حيث قال احد تجار الاحذية في الخليل " تزيد تكلفة المواد الخام الخاصة بصناعة زوج احذية محلي عن تكلفة حذاء صيني جاهز ".
يعمل في المناطق الصناعية الاسرائيلية المنتشرة في الضفة الغربية حوالي 30 الف عامل فلسطيني يضاف اليهم 20 الفا يعملون في قطاع البناء في المستوطنات وفي الدائرة الثانية التي تخدم استمرار عمل المصانع الاسرائيلية مثل النقل وتوريد المواد الخام والزراعة وغيرها .
هناك عملية تجارية اسرائيلية / فلسطينية غير مباشرة قائمة بحد ذاتها توفر العمل للكثيرين في الضفة الغربية.
وتبرز هذه الظاهرة في مجال صناعة النسيج والأثاث فعلى سبيل المثال هناك جزء كبير من قطع الاثاث المعروضة في صالات العرض الاسرائيلية تم انتاجها في الضفة الغربية خاصة في منطقة نابلس تحت رقابة كاملة من قبل الشركات الاسرائيلية ويتم تخزينها داخل المستوطنات حتى يتم التملص من اجراءات الفحص الامني على المعابر المختلفة والتملص من طريقة نقل البضائع المتبعة في التعامل مع البضائع الفلسطينية والمتمثلة بنقل البضائع من شاحنة فلسطينية الى اخرى اسرائيلي .
ويوجد ايضا ما يمكن تسميته بصناعة كاملة من " مقاولات الباطن" التي ينفذها الفلسطينيون لصالح اسرائيليين واذا ما اضفنا لها حوالي 100 الف عامل فلسطيني يعملون داخل اسرائيل سواء بتصاريح او دونها وصناعة " الكسارات " والحجر الفلسطيني التي ترسل انتاجها مباشرة الى اسرائيل يوجد لدينا ما لا يقل عن 200 الف فلسطيني يعتاشون من العلاقات الاقتصادية مع اسرائيل وهم يشكلون اكثر من ربع القوة العاملة الفلسطينية ويساهمون بنسبة 20% من الناتج القومي الفلسطيني .
بالنسبة لغالبية هؤلاء العمال لا يوجد أي خيار اخر او بديل وموجة العنف الحالية من شانها ان تؤدي الى انهيار الترتيبات الامنية الحالية في الضفة الغربية ما يعني فرض حصار اسرائيلي على الجزر الفلسطينية " المدن" وهذا يعني تصفية اقتصاد الضفة الغربية المتداعي اصلا وتحويل الضفة الى غزة ثانية بكل ما للكلمة من معنى .
نقلا عن معا.