هل الشعب الفلسطيني جاهز لتصدير الخدمات؟
ABRAJ: 2.08(%)   AHC: 0.80(%)   AIB: 1.06(%)   AIG: 0.17(%)   AMLAK: 5.00(%)   APC: 7.25(%)   APIC: 2.22(0.45%)   AQARIYA: 0.78(%)   ARAB: 0.73(%)   ARKAAN: 1.32(0.00%)   AZIZA: 2.67(%)   BJP: 2.80(%)   BOP: 1.49(%)   BPC: 3.80(%)   GMC: 0.80(%)   GUI: 2.00(%)   ISBK: 1.14(%)   ISH: 0.98( %)   JCC: 1.45(3.33%)   JPH: 3.58( %)   JREI: 0.28(%)   LADAEN: 2.50( %)   MIC: 2.47(%)   NAPCO: 0.95( %)   NCI: 1.65( %)   NIC: 3.00(0.00%)   NSC: 2.95( %)   OOREDOO: 0.74(1.33%)   PADICO: 1.01(0.00%)   PALAQAR: 0.42(%)   PALTEL: 4.00(0.00%)   PEC: 2.84(7.49%)   PIBC: 1.10( %)   PICO: 3.50( %)   PID: 1.90( %)   PIIC: 1.80( %)   PRICO: 0.30( %)   PSE: 3.00(%)   QUDS: 1.08( %)   RSR: 4.50( %)   SAFABANK: 0.69( %)   SANAD: 2.20( %)   TIC: 2.95( %)   TNB: 1.20(0.00%)   TPIC: 1.95( %)   TRUST: 2.85(4.68%)   UCI: 0.40( %)   VOIC: 5.29( %)   WASSEL: 1.02( %)  
4:53 مساءً 25 آذار 2019

هل الشعب الفلسطيني جاهز لتصدير الخدمات؟

ثائر العيسه

يعد قطاع تصدير الخدمات أحد أهم القطاعات التي تهتم بها الدول النامية، التي تسعى من خلاله إلى تحسين الوضع الاقتصادي لشعوبها، مثل اعتماد الاقتصاد الهندي على تصدير خدمات مبرمجيها، واعتماد الفلبين على تصدير خدمات مراكز الاتصالات، وغيرهما من دول العالم.

وقامت تلك الدول بتقديم الخدمات التي يمكن الاستغناء عنها من قِبل شركات الدول المتقدمة "المستوردة للخدمات "، وكان ذلك بداية عبر الإغراء بقلة التكلفة ثم بسرعة وقدرة هذه الشركات على التأقلم مع حجم المشروع scaling.

ويعتمد قطاع تصدير الخدمات بشكل أساسي على وجود عددٍ كافٍ من الاشخاص المؤهلين للقيام بهذه الخدمات، لذا بدأت رحلة إعداد الكفاءات في الهند ابتداءً من المدارس والجامعات، مما أنتج عدداً هائلاً من المبرمجين المؤهلين للعمل لصالح السوق العالمي. 

ثم بدأت حكومات الدول المصدرة للخدمات والشركات الكبرى بالتواصل مع الدول المتقدمة لعرض الخدمات الجديدة بتكاليف مغرية، مما أفضى إلى اعتماد كبرى شركات تكنولوجيا المعلومات العالمية على المبرمجين الهنود.

وحالياً ينتج هذا القطاع 8% من الناتج القومي الهندي والبالغ 2.6 ترليون دولار أمريكي.

وفي إطار عملي كمدير لواحدة من الشركات التي تقدم خدمات الاتصالات وتطوير البرامج، ومن قبلها كمدير لادارة تكنولوجيا المعلومات في واحدة من كبرى شركات الاتصالات في فلسطين،  قُدمت لي فرصة لاكتشاف مدى جاهزية فلسطين في تقديم هذه الخدمات، سواء تقديمها عن طريق توظيف خريجين جدد أو البحث عن خبراء في المجال المطلوب .

ومثال ذلك، بحثُنا المستمر عن متحدثين باللغة الانجليزية لخدمات الاتصالات وخدمات المشتركين، أو بحثُنا عن مبرمجين مختصين في برمجة لغة "جافا"، و في كلتا الحالتين كنا نواجه صعوبة كبيرة أو نفشل في إيجاد الاشخاص المناسبين، ما يؤدي الى خسارة الفرصة لتوظيف شباب جدد في سوق العمل الفلسطيني.

هل نحن جاهزون من ناحية الخريجين؟

يتراوح عدد خريجي الجامعات الفلسطينية خلال السنوات الماضية في مجالات تكنولوجيا المعلومات 1600 خريج سنوياً، والعاملين في هذا القطاع في الوقت الحالي لا يتجاوز عددهم 4000 موظفاً في الضفة الغربية وقطاع غزة.

يبلغ عدد الوظائف التي لها علاقة بتكنولوجيا المعلومات أو هندسة الحاسوب أو البرمجة، التي أُعلن عنها عبر موقع جوبس (jobs.ps) المتخصص في اعلان الوظائف الشاغرة بمعدل 450 وظيفة سنوياً.

فإذا افترضنا بأن أغلب تلك الوظائف هي وظائف جديدة وليست نتيجة ترك أحد الاشخاص وظيفتهُ، يكون لدينا في هذه الحالة نقص بحوالي 1000 وظيفة في كل عام.

وهذا يعزز الجواب المبدئي بأن فلسطين قد تكون جاهزة من حيث العدد لتصدير خدمات تكنولوجيا المعلومات بناءً على عدد الخريجين سنويا وقلة الوظائف الحالية في هذا القطاع في سوق العمل الفلسطيني؛ علماً بأن هذا العدد لا يمكن أن ينافس الدول الأُخرى كمصر، أو أوكرانيا، أو المكسيك.

فتلك الدول بدأت سعيها باللحاق بركب الهند قبلنا بسنوات، ويوجد  لديها عدد كبير من الاشخاص الذين يستطيعون تقديم خدمات البرمجة و الاتصالات و بأسعار جيدة.

وبالنظر الى الاسعار، فإنّ تكلفة الرواتب في فلسطين عالية نسبياً مقارنة بتلك الدول، لذا يجب التوجه إلى التخصصات التي تحتاج نوعية و تخصص في مجالات جديدة، مثل الذكاء الاصطناعي أو تعليم الآلة او برمجة السحابة الالكترونية، وبهذه التخصصات يمكننا منافسة الأسواق الأُخرى التي تعتمد على كثرة العرض و قلة الأسعار.

ومن ناحية النوعية والجودة وجاهزية خريجي الجامعات الفلسطينية، فالجدال يطول بين الجامعات والكليات وشركات القطاع الخاص "القطاع الاكبر للتوظيف" أو غيره من القطاعات بالنسبة لجاهزية الخريجين للعمل في السوق العالمي أو الاقليمي أو حتى المحلي.

من خلال مقابلاتي المتعددة مع مسؤولين في الجامعات، كانت وجهة النظر السائدة بأن خريج الجامعة يمتلك الاساسيات وعلى القطاع الخاص تدريبه على متطلبات العمل التي لا يمكن تدريسها في الجامعة.

وفي المقابل يعلق الكثير من مدراء الشركات على تدني مستوى الخريج بشكل عام وأن النقص موجود في الأساسيات .

لا نريد أن نُحمِّل موضوع تدني مستوى القطاع التعليمي للمنظومة التعليمية لوحدها، فهنالك مسؤولية تقع على الطالب وعلى الحكومة وعلى الثقافة المجتمعية.

من جانب آخر، في أغلب الوظائف التي يتم الاعلان عنها في فلسطين من قبل شركات"outsourcing"، والتي تعمل لصالح قطاع التكنولوجيا العالمي أو الاقليمي، يكون أحد أهم شروط التقدم للوظيفة امتلاك خبرة عملية للمتقدم لتلك الوظيفة.

وهنا يجب أن نوقف الجدال بين الأكاديميين والقطاع الخاص، فالزبون هنا لا يطلب الأساسيات فقط بل يطلب ما هو أكثر من ذلك و على الطالب أن يكون قد عمل في المجال المطلوب، والسوق لا ينتظر خريجين مع أساسيات بل يجب أن يكونوا مختصين، ناهيك عن النقص الكبير في اساسيات مهارة التواصل عند هؤلاء الخريجين.

في الوقت الحالي يتم هذا التخصص داخل القطاع الخاص، فأغلب الخريجين يعملون لمدة سنة او سنتين في احدى الشركات ويحصل على فرصة للتدريب و ملء الفراغ العلمي و المعرفي لديه في التخصصات المطلوبة في السوق.

ومن ثم تقع إدارة الشركة في مشكلة المنافسة، بحيث يصبح  هذا الموظف ذو خبرة  فيقوم بطلب زيادة على راتبه او الانتقال الى العمل لصالح شركة " outsourcing" أُخرى تعمل في فلسطين أو خارجها.

وهنا تكون المشكلة مركبة بالنسبة للقطاع الخاص: كلفة التدريب و كلفة المحافظة على الموظف، حيث تتراوح مدة الاستثمار في المبرمج من 3 الى 9 اشهر ليكون جاهزا للانخراط في مهام حقيقية لصالح زبون خارجي وهذا في المعدل يكلف القطاع الخاص حوالي $3300 تكلفة مباشرة.

وبعد سنة أو سنتين يبدأ الموظف بطلب الزيادة والبحث عن شركات أُخرى، و هنا تكون تكلفة إبقائه في وظيفته بعد اكتسابه للخبرة المطلوبة تتراوح ما بين 400$ الى 700$ شهريا زيادة على الراتب الأساسي أو أكثر في بعض الحالات.

و هنا يوجد نقطتين مهمتين تجدر الإشارة إليهما، وهما:

1. شركات القطاع الخاص تقوم بالاستثمار و قبول الخريجين أو الموظفين الذين لا يجيدون التخصصات المطلوبة ، حيث يقومون بتدريبهم ، و عندما يبدأ الموظف بالتدرج و كسب خبرة جيدة تأتي مؤسسة أقوى و تستدرجهُ للعمل لصالحها ، ما يؤدي الى إبقاء الشركات الناشئة و الصغيرة و المتوسطة في ضعف مالي و تقني مستمر مما لا يسمح لها بالتوسع أو حتى الاستمرار .

2. إن من ينظر الى النقطة السابقة يعتقد بأن الشركات الكبيرة هي المستفيدة من استمرار هذا الوضع ، نعم هي مستفيدة ولكن هذه الاستفادة غير مجدية حيث أن عدد الذين يخوضون هذه التجربة لا يكفي لتغطية المشاريع المطلوبة في السوق ، و عليه تلجأ هذه الشركات الى التدريب الداخلي ، مما يرفع التكاليف عليها من جهة ، و من جهة ثانية يفتح المجال للشركات الأُخرى لإعادة استقطاب هؤلاء الموظفين من جديد .

بالإضافة لذلك عند النظر الى التخصصات المطلوبة من قِيل السوق العالمي او الاقليمي، نكتشف افتقار معاهدنا وجامعاتنا للتخصصات المطلوبة، بل تعاني من ضعف في مبدأ التخصص في التعليم نفسه، فأغلب الجامعات لدينا تطرح تخصصات ومساقات متشابهة، دون تميُز احداهن عن الأُخرى في تدريس تخصص معين، فمثلا لا يوجد جامعة معينة تختص في تدريس الهندسة مثلا بمختلف فروعها، أو جامعة تختص بتدريس العلوم ... وغيرها، ما يؤدي بالنهاية الى قلة المنافسة والتطوير في مجال التخصصات الجامعية، ويضاف إليه ضعف المواد التي يتلقاها الطالب داخل التخصص نفسه.

من ناحية أُخرى، هنالك الكثير من التخصصات التي تُكدس خريجيها ضمن قائمة البطالة بنسبة تفوق ال 60%، لعدم احتياج السوق لمثل هذه التخصصات (مثال عليها علوم تربوية واعداد معلمين، علوم انسانية ، رياضيات ... وغيرها)، وجميعها تخصصات تندرج ضمن دائرة التربية والتعليم، فقد تقدم للامتحان الخاص بوزارة التربية والتعليم لعام 2018م حوالي 49,697 متقدم لأقل من 1000 شاغر وظيفي ، كما أكد وزير التربية والتعليم د. صبري صيدم خلال مؤتمر صحفي عقد في شهر نيسان من العام 2018م .

ولا تختلف التخصصات الأخرى عن هذه الحالة، حيث وصلت نسبة البطالة لخريجي الصحافة والاعلام الى ما نسبته 55% ، إما تخصصات العلوم الطبيعية فوصلت الى ما نسبته 69%، كما أعلن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني خلال العام 2018.

هل يوجد حلول ؟

الحل المُقترح هو العمل على نقل تجارب ناجحة من دول أُخرى ، مثل العمل على اعتماد نظام تدريس مشابه لنظام التدريس الجامعي المُتبع في جامعات ألمانيا ،الذي يعتمد على دمج طلاب الجامعات في السنة الثانية بالشركات الخاصة "الدراسة الثنائية dual studies" تقوم الجامعات بإعطاء برامج متخصصة في المساقات المطلوبة في السوق العالمي , مثال على ذلك البرنامج الذي طرحته جامع القدس والذي ما زلنا ننتظر نتائجها , لكنها خطوة في الاتجاه الصحيح.

ذلك مثال على نقل تجارب الاخرين لكن نحن نستطيع ان نقدم حلول خلاقة و جديدة و تعتمد على مشاكلنا و امكانياتنا, و سوف اسرد بعض النقاط التي اعتقد ان من شأنها حل هذه الأزمة:

1.  تخفيف المتطلبات الجامعية و متطلبات الكلية الإجبارية و استبدالها بمواد تزيد من مهارات الطالب العملية و المعرفة العميقة في التخصص الذي يدرسه .

2. التعاون مع القطاع الخاص من ناحية التدريب و التطوير، وذلك بالاعتماد على استبيانات سنوية هدفها البحث عن متطلبات السوق محلياً و عالمياً لوضع خطة تستهدف فتح مساقات جديدة تُخرج طلاب بتخصصات مطلوبة ، فمثلا في بداية الألفية الثانية تطور علم" أمان المعلومات" بعد دخول الإنترنت الى أغلب الدول و المؤسسات ، لكن لغاية اليوم لا تطرح جامعاتنا هذا الموضوع كتخصص فعلي ، و نحن الان مقبلين على مواضيع ملحة مثل: (Big Data, Blockchain, clouding, data science...)

ويجب تطوير برامج تساعد سوق العمل الفلسطيني من طرح هذه الخدمات قبل الدول الأُخرى.

3. تفعيل الدور الرقابي على ساعات التدريب التي يقدمها الطلاب في سوق العمل خلال الدراسة و ذلك بتوجيه الطلاب و التأكد من المواضيع التي يتدرب عليها الطالب ، و هنا نحتاج الى أفكار خَلاقَة لتدريب طلابنا ، مثل العمل على مشاريع عن طريق الانترنت .

4. الموافقة على التعليم عن بُعد لمساقين أو ثلاثة تحت إشراف المعلمين و كلية التخصص،  لتمكين الطلاب من دراسة المواضيع التي لا تُدرس في الجامعات أو الكليات، وبهذه الطريقة يمكن اللحاق بركب التطور و إعطاء الفرصة لخريجينا لينافسوا في سوق العمل العالمي ، فإحدى أهم الاستراتيجيات التي يجب أن ينتهجها سوق صغير مثل سوق فلسطين هو التخصص في مجالات لا تحتاج عدد كبير من الموظفين.

5. والأهم من كل هذا هو تركيز المدارس و الجامعات على مهارات التواصل و المهارات اللينة" soft skills" ، مثل اللغة و البحث العلمي و التفكير المنطقي و الكتابة و إدارة و عرض المشاريع و غيرها من المهارات التي تساعد طلابنا على الابداع و التواصل و التفكير المنطقي و الابتعاد عن الغش و تضييع الوقت.

في النهاية، أُنوّه إلى أنَّ موضوع تصدير الخدمات من فلسطين outsourcing from Palestine مازال يحتاج الى اهتمام كبير فهو مُكلف في الوقت الحالي ، و يجب أن يكون في صميم كل الدراسات الاستراتيجية للشعب الفلسطيني ، فنحن لا نملك براميل نفط أو مناجم ذهب ، بل نملك ما هو أفضل ، نملك شعب متعلم يمكن الاعتماد عليه ، بنى و عَمر و طًور في كل الدول التي ارتحل إليها ، و عليه يجب أن يكون هنالك تعاون كبير بين المؤسسات التعليمية ابتداءً من المرحلة الثانوية ثم الجامعية ، و من ثم تعزيز التعاون مع القطاع الخاص لتحليل الاحتياج المحلي و العالمي لتوجيه دفَّة التعليم نحو الاحتياجات المستقبلية.

المصادر

- MNEs outsourcing to Palestinians/Market System Analysis

- PMDP - Nov 2014

- الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني الخبر هنا

- وزارة التربية  و التعليم العالي الخبر هنا

- مقابلات مع مسؤولين في جامعات الضفة الغربية (الجامعة العربية الامريكية, جامعة بير زيت، جامعة بيت لحم، جامعة فلسطين الفلسطينية , جامعة القدس)

- موقع التوظيف جوبس الموقع

- تكلفة التوظيف و التدريب بنية بناء على دراسة اعدة على معدل الرواتب لخريجي علم الحاسوب.

- India GDP مساهمة خدمات تكنولوجيا المعلومات في الاقتصاد الهندي بنسبة 8% الخبر هنا

- جامعة القدس الدراسة الثنائية الموقع

- شركة ترانسند الموقع

Loading...