وكالات-الاقتصادي-في السنوات الأخيرة، برزت عدة محاولات لم يكتب لها النجاح لإقامة مصنع فلسطيني للاسمنت لتلبية حاجة اقتصادية ملحّة، وفي الأيام الأخيرة ظهرت، لأول مرة، خطوات عملية لإقامة مصنع لإنتاج هذه السلعة الإستراتيجية، غير أن الإعلان عن المشروع قوبل باعتراض السكان في المنطقة المنوي إقامته فيها، لمخاوف من آثار بيئية سلبية عليهم، ورفضهم استملاك أراضيهم لصالح شركة 'سند' القائمة على المشروع، وهي شركة مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمار.
إعلان طلب الاستملاك يخص حوالي ألفين دونم من أراضي قرى: عنبتا، وكفر رمان، ورامين، وبزاريا، الواقعة ضمن أراضي محافظتي طولكرم ونابلس، ويقول الأهالي انها مزروعة بالأشجار المثمرة وتعتاش منها مئات الأسر في قرى منطقة 'وادي الشعير'، وفي الوقت الذي يقر فيه كثيرون بحاجة الاقتصاد الوطني لمصنع للاسمنت، فإنهم يطالبون بإنشائه بعيدا عن التجمعات السكنية وفي أراض لا تستغل في الزراعة.
وفور نشر إعلان طلب الاستملاك تداعى أصحاب الأراضي والفعاليات ومؤسسات المجتمع المدني والمجالس البلدية والقروية في القرى المذكورة، لعقد مشاورات والتباحث بكيفية التصدي لاستملاك أراضيهم لإقامة المشروع عليها، وبدأوا فعاليات ذروتها أيام الجمع، تشمل مسيرات واعتصام في الأراضي المستهدفة، يحشد لها حتى تلاميذ المدارس، ويتم التحضير لرفع دعاوى قضائية لوقف عملية الاستملاك وبالتالي وقف المشروع.
وأعربت الناشطة النسوية مديحة الأعرج، التي تمتلك 24 دونما بالقرب من مفرق بزاريا، عن رفضها للمشروع لمخاطره الصحية المحتملة على السكان، ولكونه سيقام على أراض مزروعة بالزيتون واللوزيات والعنب والتين، ويعتاش منها أصحابها.
فيما يرى مهندس بلدية عنبتا عصام الأعرج، أن المشروع مدمر بيئياً ويستنزف موارد كبيرة، مذكرا بأن مبالغ كبيرة أنفقت على استصلاح هذه الأراضي بتمويل من قبل مؤسسات رسمية ومنظمات غير حكومية.
ولفت إلى أن مصانع الإسمنت تبنى في الصحاري وليس في أراضٍ زراعية، فإقامته في هذه الأراضي سيهدد المياه الجوفية، ويتسبب في أضرار بيئية تفوق فوائده الاقتصادية، وكلفة علاج هذه الأضرار تمتد لسنوات طويلة، إضافة إلى الأضرار الصحية الناتجة عن التلوث البيئي والغبار والكيماويات مثل السرطان والربو والسل والتشوهات الخلقية وغيرها من الأمراض الرئوية القاتلة والتي ستكلف الدولة علاجها أكثر بكثير من المكاسب المادية.
وقال أستاذ الهندسة في جامعة بيرزيت منذر بركات، وهو من بلدة عنبتا، أنه تم 'إعداد ملف بكل الاعتراضات والتواقيع الرافضة لإقامة مصنع الإسمنت على أراضي وادي الشعير، وسنخرج بها إلى طاولة كل الوزارات المعنية وعلى رأسها مجلس الوزراء لمطالبتها بعدم بحث المشروع وعدم المصادقة عليه لما سيلحقه من أضرار بيئية وصحية بسكان المنطقة'.
رئيس بلدية عنبتا ثابت إعمر، أكد أن أصحاب الأراضي والبلدية وفصائل العمل الوطني تقف ضد تطبيق مشروع سند على الأرض، وذلك من مبدأ رفض استملاك المواطنين أراضيهم رغماً عنهم، ورفض إقامة مصنع الأسمنت الذي سيشكل كارثة صحية وبيئية على المنطقة.
غير أن الشركة القائمة على المشروع ترى أن الأسباب التي تقوم عليها الحملة الرافضة للمشروع لا تستند إلى أية مبررات علمية، مؤكدة ان اختيار المنطقة للمشروع جاء بناء على دراسات علمية أكدت توفر مخزون كبير من الحجر الجيري اللازم لصناعة الاسمنت، بجودة عالية، إضافة الى اعتبارات أخرى، مع الإقرار بحق المواطنين الكامل في الاعتراض وفقا للقانون.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة 'سند' لؤي قواس 'اختيار المنطقة لتوفر مخزون كافٍ من الحجر الجيري بجودة عالية، حيث أثبتت الدراسات العلمية وجود حوالي 80 مليون طن كلينكر تكفي لإنتاج 100 مليون طن اسمنت، وهذا يكفي الاقتصاد الفلسطيني لحوالي 80 عاما، وهو مخزون غير متوفر في أية منطقة أخرى في الأراضي الفلسطينية، لا من حيث الكم ولا النوع، في وقت تبلغ فاتورة الاسمنت على الاقتصاد الفلسطيني حاليا حوالي 300 مليون دولار سنويا، ما يعني ان إنشاء المصنع سيوفر على الاقتصاد الوطني حوالي 3 مليارات دولار في عشر سنوات فقط، كما سيوفر 500 وظيفة مباشرة و1500 وظيفة غير مباشرة'.
بيئيا، يرفض قواس الادعاءات بأن المصنع يشكل خطرا صحيا وبيئيا، اذ سيعمل بالنظام المغلق، وتم تبني احدث نظم التكنولوجيا الاوروبية في هذا المجال، بما لا يسمح بأي تسرب لغبار او مواد كيماوية، وهو نظام معمول به في العديد من الدول المتقدمة.
كذلك، فإن المصنع سيغطي حاجته من المياه (1400 متر مكعب يوميا) باستخدام المياه العادمة المتوفرة في المنطقة، والتي تشكل حاليا عبئا بيئيا ثقيلا على المنطقة، اضافة إلى استخدام النفايات الصلبة لتوفير جزء من الطاقة اللازمة لتشغيل المصنع من مكب زهرة الفنجان جنوب جنين، وفي ذلك أيضا تخفيف العبء البيئي الذي يسببه المكب لسكان القرى المحيطة، كما سيستخدم مخلفات عصر الزيتون (الجفت) في توليد الطاقة أيضا، بما يجعل لهذه المخلفات الوافرة في فلسطين قيمة اقتصادية كبيرة.
وقال 'لهذه الاعتبارات، يمكن القول بكل ثقة إن المصنع سيكون صديقا للبيئة بكل معنى الكلمة، ليس فقط لعدم التسبب بأية إضرار بيئية ناتجة عن إنشاء المصنع، وإنما أيضا لمساهمته بحل مشاكل بيئية قائمة اصلا ناتجة عن المياه والنفايات الصلبة في المنطقة'.
وأكد قواس أن إنشاء المصنع سيتم وفق أفضل المعايير من حيث قربه للتجمعات السكانية (المعايير العالمية 100 – 300 متر)، حيث يبعد عن اقرب نقطة سكنية بما لا يقل عن 800 متر، وهي مسافة بعيدة مقارنة مع البلدان الأخرى، اذ يبعد مصنع الاسمنت في الرياض على سبيل المثال 150 مترا فقط عن اقرب نقطة سكنية، وفي دبي 120 مترا، واقل من 500 متر عن برج خليفة الشهير، ومصنع اسمنت هايدلبرغ في المانيا يبعد 150 مترا عن أقرب تجمع سكني، ومصنع هولسم الإيطالي للإسمنت يبعد 100 متر، وفي إسرائيل يبعد مصنع نيشر في الرملة 300 متر عن أقرب تجمع سكني، ومصنع نيشر في حيفا مقام بجانب البحر ويبعد عن أقرب تجمع سكني 200 متر.
وأضاف: 'أما المصنع الفلسطيني المنوي إنشاؤه يبعد عن قرية بزاريا 1000 م، وعن كفر رمان 1000 متر، وعن أقرب تجمع سكني في عنبتا 800 متر، وعن أقرب تجمع سكاني في رامين 2100 متر، ناهيك عن ان المصنع سيعمل بالنظام المغلق ووفقا لأحدث أنظمة التكنولوجيا المستخدمة في هذا المجال، بكلفة مقدرة تصل الى 25.5 مليون دولار'.
وأبدى قواس استعداد الشركة بمتابعة الأبعاد البيئية للمشروع، استنادا إلى أسس علمية، والضمانات والالتزامات لتنفيذ مشروع آمن صحيا وصديقا للبيئة، إضافة إلى الدور المنوط بالمؤسسات الرسمية، كسلطة البيئة ووزارة الاقتصاد الوطني، في الرقابة على تنفيذ المشروع وتشغيله، لضمان الالتزام بالمعايير الدولية المتعارف عليها في هذه الصناعة.
وفيما يتعلق بالاستملاك، أكد قواس ان دور الشركة هو إثبات المنفعة العامة للاستملاك بغرض إقامة المصنع في هذه المنطقة استنادا الى دراسات علمية، سواء فيما يتعلق بالأبعاد البيئية أو بالجدوى الاقتصادية، والتي قامت بها ثلاث جهات: محلية، واردنية، وهندية، والقرار في نهاية المطاف لمجلس الوزراء.
وقال 'هناك قانون ينظم عمليات الاستملاك لأغراض المنفعة العامة وتحديد القيمة العادلة للتعويض (سعر الاستملاك)، وهو يتيح لأي شخص يرى نفسه متضررا الاعتراض واللجوء إلى القضاء. نحن ملتزمون بالقانون ولسنا طرفا في تحديد سعر الأرض، وأية نتيجة لهذه العملية سنلتزم بها مع تأكيد حرصنا على دفع القيمة العادلة لأصحاب الأراضي'.
نقلا عن وفا .