رام الله - الاقتصادي - افاق البيئة - ربى عنبتاوي - مشهد يدعو للتفاؤل، ويُشعر الناظر بأن فلسطين باتت قاب قوسين أو أدنى من تطبيق سياسة فصل النفايات لتقليل ضررها على البيئة، هذا ما يتبادر للأذهان عند رؤية سلال لجمع النفايات الكرتونية، منتشرة في بعض أحياء مدينة رام الله، على مقربة من المحال التجارية وهي مليئة بالألواح الكرتونية بنية اللون، بانتظار تفريغها في مصانع تعيد تدويرها إلى كراتين بيض أو أحذية، لكن المفاجأة! حين يتبين أن الفصل مؤقتٌ؛ لحين الدمج مع باقي النفايات في مكب رام الله.
فصل مؤقت في رام الله
للدقة، فالمشروع في جوهره لم يسعَ لهذه النتيجة، فقد تم البدء بتطبيق سياسة فصل الكرتون في مدينة رام الله تحديداً عام 2015 من خلال شركة نقل نفايات بالتعاون والاتفاق مع بلدية رام الله، الشركة صمّمت السلال وتولّت عملية تفريغ الحمولة ومن ثم نقلها إلى الداخل المحتل مدينة "الخضيرة" وتحديداً مصنع أمنير لتدوير الورق والكرتون، الأخير الذي كان يشتري الطن سابقاً بـ 320 شيقل، لكنه خفّض سعر الشراء في الفترة الأخيرة إلى ( 100 شيقل للطن) ما حدا بالشركة إلى التوقف عن إرساله إلى المصنع الإسرائيلي، بعد أن أصبح النقل مكلفاً جداً.
في صيف العام الماضي 2017، تعاقدت البلدية مع شركة جديدة "الفرسان الثلاثة" التي استفادت من تجربة نظيرتها، فابتعدت عن بيع الكرتون بخسارة لإسرائيل، واتفقت مع البلدية على وضع سلال جديدة للكرتون وتحويل حمولتها إلى مكب رام الله، بحيث تُخلط مع باقي النفايات بعد أن تكون قد فصلت عنها لأيام.
رئيس قسم النفايات الصلبة في بلدية رام الله" سعيد أبو زيد" يقول للمجلة أن المبادرة بدأت قبل ثلاث سنوات عبر وضع ثلاثين سلة بالقرب من المحال التجارية في عدد من أحياء المدينة -صُممت على غرار سلال الكرتون العالمية- بهدف الحفاظ على النظافة العامة وخاصة في نقاط البيع واستغلال هذه النفايات عبر تدويرها، حيث تشكّل المحال الكبيرة كالسوبرماركت مصدراً للنفايات الكرتونية التي كانت تُلقى على الطريق، أو أرضٍ قريبة خالية، أو بجانب الحاوية ما يلوث المكان، ويصعّب على عمال البلدية جمعها.
استحسان الفكرة
يلفت أبو زيد إلى أن وضع سلال فصل الكرتون بات أمراً واقعاً في مدينة رام الله، مشيراً إلى أن البداية مع المحال شهدت أحياناً بعض الخروقات حيث لم يلتزم جزءٌ منهم واستمروا يلقون الكراتين على الأرض أو قرب الحاوية، ما حدا بالبلدية إلى فرض غرامات مالية تتراوح ما بين 50-100 دينار أردني. ولكنه عاد وأكد تنامي الاهتمام بالسلال وثقافة الفصل من المحال نفسها والزبائن حيث تساءلوا عن سر إزالتها لشهر ونصف خلال فترة التعاقد مع الشركة الجديدة، وطلبوا إعادتها.
يشير فراس ابن علي" مسؤول الموازين والمكاييل في الشركة التي تعاقدت معها بلدية رام الله مؤخراً إلى أنهم يقومون بتفريغ حمولة السلال كل ثلاثة أيام بشكل يدوي في شاحنات تتسع كل واحدة لخمسة أطنان تذهب إلى مكب رام الله، فيما يتم يومياً تفريغ نفايات الحاويات الصلبة ونقلها إلى مكب زهرة الفنجان في جنين.
وأضاف: " ثقافة الفصل ستنمو في وعي المواطنين طالما بقيت السلال...ولكن نتيجة هذا الفصل حالياً هي المخيبة للتوقعات".
ولأن هذه النتيجة لا ترضي البلدية، يرى أبو زيد أن مناشداً وزارة الاقتصاد دعم تأسيس منشأة لإعادة تدوير هذا النوع من النفايات، وقال: "بدلاً من استيراد كراتين البيض من إسرائيل يمكننا صنعها محلياً وتقليل حجم النفايات عموماً".
تسعى بلدية رام الله وفق أبو زيد لتعميم ثقافة فصل النفايات، وهذا ما بدأت بتطبيقه في بعض الأحياء الراقية كالريحان، وإسكان بيرزيت في الطيرة، والحي الدبلوماسي وغيرهم، حيث وفّرت ثلاث حاويات عند كل فيلا على غرار حاويات الفصل العالمية مقسمة كالتالي: عضوية، بلاستيكية، ونفايات أخرى، الحاويتان الأولى والثانية يتم التخلص من محتوياتهما في مصانع تعيد تدوير البلاستيك والنفايات العضوية، أمّا الحاوية الثالثة فيذهب محتواها لمكب زهرة الفنجان.
من سلال فصل إلى محارق في البيرة
على أرض ترابية خالية تحتفظ بلدية البيرة بسلال تجميع الكرتون التي قامت بإزالتها من نقاط انتشارها بالقرب من المحال التجارية "السوبرماركت" بعد أن توقفت الشركة -التي تتعاقد معها البلدية هذا العام- عن مهمة نقل الكرتون لذات الأسباب التي أبعدت الشركات الأخرى عن التوجه للأراضي المحتلة، وهي الخسارة المالية.
هذا ما أوضحه مدير الصحة والبيئة في بلدية البيرة "د.اياد ضراغمة" مشيراً إلى انه في عام 2014 وزّعت بلدية البيرة 50 سلة على نقاط تجمّع المتسوقين، مثل الحسبة، السوبرماركت، المحال الكبيرة، لكن توقف عمل الشركة بما يتعلق بتفريغ السلال ونقلها للداخل المحتل، فتحولت الأخيرة بممارسات فردية من عبوات للفصل إلى محارق ما نتج عن ذلك مكارهٌ صحية وتلوث، فاضطرت البلدية لإزالتها.
وأشار ضراغمة إلى غياب مصانع لتدوير الورق، وبالتالي يصبح تفريغ السلال يدويا ومن ثم كبسها بالشاحنة ونقل الكرتون إلى إسرائيل عملية مكلفة، ما يبتعد عن هدف الفصل الأساسي المتمثل بتقليل كمية النفايات بإعادة تدويرها وتقليل التكلفة العامة، لذلك تكون عملية جمع الكرتون المخلوط مع باقي النفايات الصلبة بشكل يومي في حاوية واحدة، وفق ضراغمة، اقل كلفة وجهداً ومال.
وأكد أن السلال في عهدة البلدية، وهم ينتظرون تقديم شركة أخرى لحلٍ مجدٍ أو إنشاء مصنع يعيد تدوير الكرتون، أو الانتهاء من مكب رمون الصحي لفصل النفايات الذي تعطل انشاؤه حتى اليوم لأسباب سياسية وأخرى تتعلق بالمجتمع المحلي للمنطقة.
سلطة البيئة تشجع وتشبك
تشير رئيسة سلطة جودة البيئة "عدالة الأتيرة" لمجلة آفاق أن دور مؤسستها تشبيكي وفني لأي مبادرة من شأنها أن تصب في نطاق تدوير النفايات وليس الدعم المالي لتأسيس مصانع متخصصة بهذا الشأن، مؤكدة تشجيع السلطة المطلق لأي مشاريع بيئية تنسجم مع الإستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات الصلبة (2017-2022) والتي تركز على كون النفايات مورداً مهماً يجب استغلاله.
"ندعم المشاريع البيئية عبر توفير قنوات تشبيك بين البلديات ورؤوس الأموال المهتمين مؤخراً بالاستثمار بمجال النفايات، وذلك في ظل وجود بيئة تشريعية من ناحية قانونية تشجع الاستثمار بكل ما يتعلق بالبيئة وفصل النفايات الصلبة". قالت الأتيرة
وتسعى الإستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات الصلبة كما ذُكر خلال مراسم الإعلان عنها أواخر العام الماضي، إلى تغيير سلوك المواطنين البيئي وزيادة مشاركتهم في عملية إدارة النفايات الصلبة، وتقليل إنتاج النفايات وتباعاً خفض الكميات المخصصة للتخلص النهائي منها وطمرها إلى 10% على المدى البعيد.
ومن الجدير ذكره الإشارة إلى أن كمية النفايات الصلبة الناتجة سنوياً في الأراضي الفلسطينية وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تقدر بـ 850 الف طنٍ، تشكل المخلفات العضوية النسبة الأكبر منها بما يتراوح ما بين 60-70%، فيما يحتل الكرتون والورق ما نسبته 16%.