بيروت - الاقتصادي - إسراء لداوي - دقائق معدودة على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل سفارة بلاده إلى القدس، حتى صدح صوت الشعب الفلسطيني عاليا في أرجاء لبنان، معلنين رفضهم للقرار الصادر ومتضامنين مع أبناء شعبهم في فلسطين، منددين بإسترجاع حقهم المسلوب ومطالبين بأرض المقدس وكل جزء فيها، وإن كلفهم ذلك أرواحهم.
وكان تظاهرات وتحركات مختلفة قد نظمت في مختلف أرجاء لبنان، وشهد مخيم برج البراجنة أول تحرك مدني نظمه مجموعة من الشبان الناشطين من خلال دعوة أهالي المخيم للتحرك، حيث شارك فيها كل من الفصائل والتنظيمات الفلسطينية بمختلف انتماءاتهم السياسية، رافعين علم واحد وهاتفين بصوت واحد واسم واحد وهو فلسطين.
وقال الناشط المجتمعي وأحد منظمي مظاهرة برج البراجنة، أحمد.ه، للاقتصادي، إن الفصائل تحتاج إلى لقاء يجمع بين كافة الفصائل والممثلين لكي تتخذ قراراً بالتظاهر، أما الشبان فيتخذون قراراتهم بشكل فردي ومباشرة وعفوي لا يحتاجون إلى مثل هذه اللقاءات؛ لكن يُحسب للفصائل الفلسطينية تأييدها ومشاركتها في التظاهرات"
.واضاف أحمد.ه قائلا: إنها أجواء الانتفاضة الثانية تماماً؛ حيث أن الفروقات الفصائلية تراجعت، وعلى ذلك فلا نقاش في شأن من يقرأ البيان، أو يتقدّم المسيرة، فالحدث أكبر من هكذا تفاصيل.
تصطف الحافلات عند باب مخيم برج البراجنة الغربي للسير نحو مسجد الإمام علي في الطريق الجديدة، ولا تصنيف فصائلي هنا في معادلة القدس.
وعلى الأرجح سيجلس عضو في حماس إلى جانب آخر من فتح، وخلفهما ثالث من الجبهة الديمقراطية، وتكاد الرايات الفصائلية تختفي أمام الأعلام الفلسطينية التي تستحوذ على المشهد.
ولا عجب حينها أن ينادي مسؤول فصائلي على مسؤول في فصيل آخر ليتحدّثا معاً إلى وسيلة إعلامية، فلولا أنها القدس، لقال الفلسطينيون: "شكراً ترامب"، ومهما كانت الفروقات السياسية لا بد من ان يتحد شعبا بأكمله ليلبي نصرته للأقصى، واللاجئين الفلسطينيين في لبنان دوما ما يقفون مع فلسطينيي الأراضي المحتلة.
وفي حديث للاقتصادي، قال مسؤول أحد اللجان، جورة التراشحة، الذي تحدث عن أجواء الانتفاضة الثانية قائلا: "إن التظاهرات كانت تنطلق عادة مساءً، ليتسنى للجميع المشاركة فيها، ولكن ما أثار دهشتنا هذه المرة هو مشاركة اللاجئ الفلسطيني القادم من سوريا، فلم يثنهم اللجوء الثاني لهم عن المشاركة وبأعداد كبيرة".
وهؤلاء الذيين قدم معظمهم من مخيم اليرموك أو "مخيم الشهداء"، كما يحلو لهم أن يسمّوه، حيث دفن فيه خليل الوزير وسعد صايل، فهم معتادون دوماً على التظاهر من أجل فلسطين.
وأكد التراشحة، على أن المرأة الفلسطينية دائماً ما يكون حضورها قوياً في المظاهرات والعمل الوطني بشكل عام، وكذلك الحراكات المدنية فهي موجودة فعلياً في كل لحظات التحضير للتظاهر والمشاركة فيها.
ويبدو أن الهيئات الطلابية في الفصائل الفلسطينية هم من أكثر الفاعلين، سواء في الفعاليات التي تشهدها المدارس والجامعات، أو من خلال التعبئة جنباً إلى جنب مع نشطاء المجتمع المدني.
كما وللأغاني الفلسطينية والوطنية صوتها وصداها في أرجاء المخيمات الفلسطينية في لبنان، فـ"طل سلاحي من جراحي"، لا تنافسها في الحضور غير "يا جماهير الأرض المحتلة" وتنزوي الأغاني العاطفية مؤقتاً داخل البيوت احتراماً للحدث، كما جرت العادة. حتى فيروز، المطربة الأكثر شعبية بين سكان المخيم، لا يُسمع في المخيم الآن من أغانيها إلا "زهرة المدائن".
فخطاب ترامب فرض حالة من التضامن بين السكان، فمنذ خطابه، لم يُسجّل أي إشكال في أي مخيم، حديث الهجرة الدائم استُبدل بخطابات التحدي، وأعاد ترامب اللحظة التي سادت في المخيمات والتجمعات الفلسطينية قبل أكثر من 15 عاماً، أثناء الانتفاضة الثانية، أو ما يُعرف بـ"انتفاضة الأقصى".
فالتحولات الاجتماعية الكبرى كثيراً ما يصنعها حدث سياسي، فهل حقا فعلها ترامب ؟