طارق حامد
مجرد الحديث عن الخصخصة يتبادر إلى الأذهان مصطلحات تحسين الجودة والمنافسة في الأسعار، وتطوير القطاع العام الذي أصبح يدار بأيدي شركات خاصة.
وهذا مما لا شك فيه إنما يعكس صورة إيجابية على المواطن الذي سيحصل على خدمات بجودة أفضل وسعر مناسب.
إلا أن ذلك يبقى مشروطاً بوجود المنافسة والتنويع في تقديم الخدمات والأفكار التي من شأنها الارتقاء بهذا القطاع.
ولضمان نقل الصورة بشكل أكثر واقعية، لنقم بتسليط الضوء على فلسطين كنموذج عوضاً عن الحديث عن الخصخصة بشكل عام، بمعنى آخر لا بد من خصخصة الخصخصة على مقاس فلسطين.
فنظراً للمساحة الجغرافية الضيقة، وعدد السكان القليل نسبياً، وحجم الدعم الدولي الكبير مادياً بوجود منظمات ودول داعمة للسلطة الفلسطينية تعدّ خصخصة القطاع العام أمراً غير ايجابي للأسباب التالية:
أولاً: انعدام المنافسة التي من المفترض أن تشجع عليها الخصخصة
دراسة حجم السوق الفلسطيني، قبل الحديث عن خصخصة قطاع ما أمر في غاية الأهمية؛ فإن كان حجم السوق في مجال معين صغيراً أو لا يحتمل فتح أبواب المنافسة، تصبح الخصخصة أمراً غير محبذ؛ لأنها ستعمل على تشجيع الاحتكار عوضاً عن المنافسة.
فخصخصة قطاع البريد مثلا في فلسطين -و هنا للتوضيح أتحدث عن " البريد" بشكل خاص ولا أتحدث عن العمليات اللوجستية الأخرى كالشحن والتخليص وعمليات الاستيراد والتصدير-، سيدفع نحو قتل المنافسة وتشجيع الاحتكار ذلك نظراً لصغر حجم السوق المحلي في هذا المجال.
قد يعترض البعض بالقول أن هناك طفرة في شركات البريد في فلسطين، وهذا ما تحدثت عنه سابقاً إلا أن هذه الطفرة تفتقر لمقومات الصمود، ليس انتقاصاً من جهود أحد ولكن رغبة في دعم صمود مثل هذه الشركات في فلسطين.
ثانيا: انحصار رؤوس الأموال في يد شريحة معروفة
فمثلا عند الحديث بشكل عام عن خصخصة البريد الفلسطيني، فإن من يشتري البريد شبه معروف للناس؛ وهذا بدوره يعبر عن تشجيع الحكومة لاستمرار تكدّس الأموال والاستثمارات في يد شريحة واحدة معروفة.
على الرغم من الحركة المقبولة في السوق الفلسطينية والتداولات البنكية، إلا أن المشاريع الاستثمارية الكبيرة ذات الأفق والنظرة المستقبلية، والتي تحتوي مقومات الصمود تكاد تكون قليلة.
ولعل أكبر سبب في صمودها هو اعتماد أصحابها على استقطاب مستثمرين أجانب لدعم هذه المشاريع مادياً. وهذا أمر إيجابي و لكن ليس مبررا لأن تقوم الحكومة بخصخصة إحدى خدماتها لدى أصحاب رؤوس الأموال أنفسهم.
ثالثا: الربح و الخسارة مقابل الخدمة و زيادة البطالة
من البديهي ذكره أن الشركات الخاصة تسعى نحو الربح والخسارة. فأصحاب الأسهم في هذه الشركات يهمهم وبكل صراحة مرابح هذه الأسهم مع نهاية كل دورة مالية.
ومن هنا قد يضطر مجلس إدارة الشركة الخاصة إلى اتخاذ قرارات من شأنها تقليص التكاليف لزيادة الأرباح. وهذه الخطوة غالباً ما يتم اتخاذها عندما تصل الشركة إلى مرحلة نضوب الأفكار والمشاريع التي تساهم في زيادة حجم العمل وبالتالي زيادة الأرباح.
وغالباً تتبع هذه الشركة سياسة تسريح عدد من الموظفين والعمال؛ الذي بدوره يؤدي إلى زيادة البطالة في السوق على حساب ضمان تدفق الأرباح أو على أقل تقدير عدم خسارة المستثمرين.
قد يجادل البعض في الخصخصة الجزئية بدلاً من الكلية، وهي تبقي للدولة السيطرة إلى حد ما على القطاع الذي تم خصخصته.
ولكن تبقى الخشية من النقاط المذكورة أعلاه فهي واردة و بشدة وخاصة في فلسطين.
في حين أن الخصخصة أمر إيجابي في الدول التي تتمتع بحجم اقتصاد متوسط إلى كبير، و عدد سكان ومساحات تقبل توزيع الثروة بين المواطنين وتوزيع الفرص لتصل أصحاب الدخل المتوسط وليس الفئة القلة القليلة في الدولة.
ولا يقف الحد عند ما تم ذكره من أسباب فهناك الكثير من المفاسد على السوق المحلية والاقتصاد الوطني.
وتعد الآثار الاجتماعية السلبية أيضاً من آثار الخصخصة السلبية؛ حيث يعتقد المواطن بأن صاحب رأس المال قد استولى على حقه ويتحكم في ما يفترض أن يكون خدمة حكومية مجانية أو شبه مجانية تقدم للمواطن.
وللبريد خصوصية وطنية تتمثل في كونه سفيراً لتراث وثقافة الوطن في العالم. حيث يحمل على طوابعه ما يتعلق بفلسطين و يحمل علمها وحضارة شعبها و طموحه نحو الاستقلال.
و ختاماً، وبعد تحليل المشكلة القائمة حول خصخصة قطاع البريد الفلسطيني وآثارها المحتملة، لا بد من اقتراح حلٍّ واحدٍعلى الأقل للمشكلة القائمة.
ومن هنا أوصي الحكومة الفلسطينية بضرورة التغيير من سياسة إدارتها للقطاع العام حتى لو كانت النتيجة تعديلات في القانون العام طالما كان فيه مصلحة المواطن.
فلا بد من تعديلات تحفز موظف القطاع العام على تقديم خدمة تضاهي خدمة القطاع الخاص. ولا بد من توفير دورات محكمة و مرتبطة بخطط تنفيذية تفرض على الملتحقين بها بعد الانتهاء منها لرفع مستوى الأداء الوظيفي وتحسين مستوى الانتاجية.