حديث الناشطين في دعم وتشجيع المنتجات الفلسطينية ومنحها الأفضلية في العطاءات الحكومية واللوازم العامة يدور حول تعزيز قدرة هذه المنتجات على التنافسية في السوق الفلسطيني ومن ثم في السوق العالمي بعد رفع قدرتها على التصدير، وهنا يدور الحديث أولا عن تلبيتها لاحتياجات السوق الفلسطيني ومن ثم البحث عن أسواق خارجية، وهذا لا يعني أننا مع منتجات فقط للسوق الفلسطيني بل نسعى لمنتجات قادرة على المنافسة والبقاء في السوق العالمي.
الا أن هذا الحديث ينطبق عليه ( حكي السرايا مش زي حكي القرايا ) فالواقع المعاش ورغم وجود استراتيجية وطنية لتشجيع المنتجات الفلسطينية، ورغم وجود برامج لتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات الفلسطينية، ورغم وجود استراتيجية لتنمية الصادرات، ورغم وجود مئات الدراسات والأبحاث في هذا الموضوع، ورغم التوجهات للبحث عن موردين جدد غير السوق الإسرائيلي، الا أننا في واقع الحال نشهد حالة من عدم القدرة على تحقيق نقلة نوعية في السوق الفلسطيني من جهة، والسوق العالمي من جهة أخرى، نتيجة لغياب الآليات التنفيذية الشفافة للاستراتيجيات المقرة والتي نفاخر أنها موجودة.
فما بالنا لغاية هذه اللحظة لا نمتلك الكود الوطني للمنتجات الفلسطينية، ولا نمتلك معهدا للتغليف، ولا نمتلك آلية لحل إشكالية المنافسة غير العادلة لمنتجات مستوردة أو قادمة من السوق الإسرائيلي والتي تؤثر سلبا على المنتجات الفلسطينية وقدرتها التنافسية، حتى أن إسناد حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية لم تجد الصدى المناسب لدى الحكومة ككل ولدى وزارات الاختصاص، ولم تتمكن المواصفات الفلسطينية أن تشكل عوائق غير جمركية أمام المنتجات التي تنافس المنتجات الفلسطينية بطريقة غير عادلة، ولا تضخ تلك المنتجات الإسرائيلية ولا المستوردة دون ضوابط ودون مستورد معروف أموال ضرائبها في السوق الفلسطيني، ولا تساهم في حل مشاكل الفقر والبطالة، بينما المنتجات الفلسطينية المؤهلة للقيام بهذا الدور والقائمة به تعاني الأمرّين من المنافسة غير العادلة ومن غياب أي نوع من الحماية المؤقتة تماما مثل الطفل الرضيع الذي يحتاج ليسند نفسه على أيدي والديه لحين أن يصبح قادرا على المشي ومشاكسة الآخرين من أبناء جيله.
وهناك الكثير من العوامل المؤثرة على القدرة التنافسية وخصوصا ارتفاع كلفة البنية التحتية للقطاعات الصناعية والتجارية والخدماتية الفلسطينية، في حين بلغ دونم الأرض في المنطقة الصناعية في رام الله بين الـ 800 الف دولار إلى مليون دولار، وتضاعف كلفة خدمات التوصيل والربط للكهرباء والمياه والصرف الصحي للمصانع والشركات، وتضاعفت رسوم البلديات وخصوصا بلدية رام الله على القطاع الخاص الفلسطيني والمنزلي، وجميعها عوامل تقلل من قدرة المنتجات الفلسطينية على التنافسية مع منتجات أخرى شبيهة تكون مدعومة من خلال تدخلات حكومية إبداعية لتقليل كلفة البنية التحتية على الصناعة.
ولعل المناطق الصناعية التي قيل عنها ما قيل وروج لها أكبر ترويج كونها المنقذ والمخلص في عدة مناطق اكتشف المستثمرون أن كلفة الايجار في هذه المناطق الصناعية عالية لا تكاد تفرق عن المناطق الصناعية داخل المدن التي ترتفع كلفة الأرض والبناء وايصال الكهرباء والمياه ورسوم البلديات فيها.
ويزيد الطين بلة تلك السياسات الاقتصادية الفلسطينية التي تعتقد أن المردود المالي على حجم الايرادات للخزينة يتأتى من خلال الاستيراد وتعظيم التجارة مع السوق الإسرائيلي اعتمادا على المقاصة، والتقليل بطريقة غير مباشرة من أهمية القطاع الصناعي الفلسطيني والذي لم يجد إلا دعما لفظيا عند قص شريط منشأة جديدة، ولكنه عمليا لا يجد أي دعم على الأرض باستثناء المبادرات الشعبية لدعم المنتجات الفلسطينية التي تخوضها عديد المؤسسات وعلى رأسها جمعية حماية المستهلك الفلسطيني في محافظة رام الله والبيرة وتحالفها مع عدد من المؤسسات الأهلية في هذا النشاط والفعاليات.
ولعل دورا أكثر فاعلية يجب أن تحرص عليه مؤسسات القطاع الخاص نفسها للدفاع عن مصالحها بالتوازن مع الحفاظ على حقوق المستهلك الفلسطيني ورعاية شؤونه وتلبية احتياجاته من السلع عالية الجودة وذات السعر المنافس وتطوير خطوط إنتاج جديدة تلبي حجم الطلب على المنتجات الفلسطينية، وهذا يخرجها من دائرة المؤسسات الساكنة إلى المؤسسات الديناميكة التي تعقد تحالفات مع أصحاب المصالح المصالح المتقاطعة معهم في سبيل تعزيز قدرات المنتجات الفلسطينية التنافسية والضغط باتجاه تحسين شروط الاستفادة والانتفاع من المناطق الصناعية والضغط على البلديات لتطوير وتحديث المناطق الصناعية ضمن حدودها، وألا يكون شغلهم الشاغل أن يضارب الصانع التاجر والتاجر يضارب المطور العقاري والمستورد يضارب من قبل جهة قطاع خاص أخرى.
ويقف في قلب هذا كله الترويج والتعريف بالمنتجات الفلسطيني خصوصا أن المنتجات الفلسطينية باتت مجربة من المستهلك بعد حملة المقاطعة وبات يحكم عليها من منطلق تجربتها، ولكنه ظل لغاية اليوم يجهل أن هذا الصنف أو ذاك منتج فلسطيني وهذا يستدعي حملات ترويجية ودعائية واسعة النطاق وحملات تذوق واسعة لا تقتصر على مصنع دون الآخر أو منتج دون البقية.
وهذا ينسحب على المعارض المحلية والعالمية التي يجب أن تكون منظمة بقانون وذات أهداف واضحة، وقد طالبنا مرارا وتكرارا بتنظيم صناعة المعارض واصدار القانون واصدار تعليمات وتحديد المرجعيات، ولكننا بقينا في نطاق الهواة في هذه المعارض، بحيث بات كل منظم للمعرض يتوسل الشركات والمصانع لفقدان البوصلة وعدم قناعة الشركات بجدوى المشاركة إلا بالمونة من أطراف لها علاقة بهم، وأحيانا كثيرة تذهب نتيجة بعض المعارض إلى فقدان الثقة من القلة التي ظلت مؤمنة باستمرار الشراكة نتيجة لسوء التنظيم أو تحول المعرض لمطعم للتذوق ليس إلا دون آثار ايجابية من المعارض.
نؤمن تماما بتفاوت قدرات ورغبات الشركات والمصانع في عمليات الترويج والوصول للمستهلك، إلا أن هذا التفاوت أحيانا ينعكس سلبا على غياب كلي لهذه المصانع نتيجة لغياب السياسة التسويقية والترويج والوصول إلى المستهلك.
وبالتالي، نحن بحاجة لسياسة مالية ضريبية عادلة ومتوازنة وتساوي بين الجميع بحيث تكون محفزا للاقتصاد الوطني وعدم إثقال كاهل قطاع على حساب قطاعات أخرى، المطلوب تحسين الجباية بشكل أساسي لزيادة الايرادات بشكل عادل وعلى قاعدة المساواة.
إن تعزيز القدرة التنافسية للمنتجات الفلسطينية أمر بالغ الأهمية يجب أن يتم التعامل مع مكوناته بصورة موضوعية وبمهنية عالية وبسلسلة إجراءات واضحة وتنفيذ أمين للاستراتيجيات المتعلقة بتنمية القدرة التنافسية وعدم ابقائها برامج دون قدمين تمشي على الأرض.
www.pcp.ps
aya2abd@yahoo.com