الاقتصادي- مؤخرًا ظهر اسم الفلسطينية "قيشاوي" كثيرًا في وسائل الإعلام العالمية والعربية"، المهندسة الغزّويّة سها القيشاوي أضحت واحدة من كبار المهندسين في مشروع "أوريون" التابع لوكالة "ناسا" الأميركية للفضاء.
عزيزي القارئ، إن كنت ما زلت تعتقد أن المرأة مكانها في المطبخ، فننصحك بقراءة قصة هذه الفتاة التي ولدت وترعرعت في غزة تمكنت من تحقيق إنجاز أوصلها إلى "ناسا"، ووضعها ضمن قائمة "أكثر مئة امرأة عربية تأثيرًا"، الصادرة عن مجلة "آريبيان بزنس".
تشرف وفريقها على "أوريون"
وحسب التعريف الذي ورد في الموسوعة الإلكترونية "ويكيبيديا" فإن أوريون (Orion) عبارة عن مركبة صممّت لنقل رواد الفضاء إلى محطة الفضاء الدولية وإعادتهم، ويعوّل عليها في التخطيط لسفر رواد فضاء إلى القمر أو المريخ مستقبلاَ. وتعمل سها كواحدة من كبار مهندسي البرمجيات التي تعمل على مشروع أوريون، وهي مسؤولة عن البرمجيات وأجهزة التكامل والاختبار، لضمان تنفيذ كل الأوامر المحوسبة المتعلقة بالمركبة الفضائية كالمطلوب.
"الموت كان ينتظرنا باب المدرسة"
سها القيشاوي درست هندسة الكمبيوتر في جامعة هيوستن في ولاية تكساس الأميركية، وكانت الأولى على دفعتها، ما أهلها للانضمام إلى طاقم "ناسا". وهي متزوجة لشاب غزّيّ وأم لثلاثة أطفال.
وتقول القيشاوي: "ولدت لعائلة كبيرة (8 أخوة)، وكان أبي يعمل محاسبًا وأمي ربة منزل، وحرصا على تعليمنا أهمية التعليم والجلد على التمسك به. ورغم الحياة الصعبة التي يعيشها الغزاويون إلا أننا، وخطورة رحلتنا اليومية إلى المدرسة، إلا أننا جاهدنا من أجل التعليم، وهكذا حصلت على شهادة الثانوية العامة من مدرسة بشير الريّس".
ورغم أن أباها توفي بينما كانت هي في الجامعة إلا أنه رحل بعد تأكده من أن كل أولاده أنهوا تعليمهم الجامعي، لكن كانت سها الوحيدة التي غادرت غزة وأكملت التعليم في أمريكا.
حواجز اللغة والثقافة في أميركا فقدت هيبتها
وتؤكد القيشاوي أنها ليست غير نموذجًا واحدًا من أهل غزة الذين، رغم ما فرض عليهم من عنف وفقر، إلا أنهم يقدّسون التعليم ويعملون بجد ويحبون الحياة، مضيفةً أن التعليم في أمريكا كانت تحديًا مجديًا، وأنها تمكنت من التغلب على حواجز اللغة والثقافة بفضل دعم عائلتها وأصدقائها، وزملائها في العمل الذين لم يضطهدوها بسبب دينها أو حجابها.
وتبيّن أن هذه التجربة زادتها فخرًا بدينها وانتمائها، داعية النساء إلى الإيمان بأنفسهن وبقدراتهن وعدم الشك بها مطلقًا، وأن يحاولن إثبات أنفسهن قبل أن يطلبن من أحد تصديق قدراتهن.
طبيعة عملها في "ناسا"
توضح القيشاوي أنها وفريقها يعملون على محاكاة البعثات، من خلال تطوير برامج محاكاة ثم تحويلها إلى شيء ملموس، حيث يتم فحص كل الوحدات التابعة للبعثة على حدا، ثم يتم دمجها معًا.
بعد ذلك تعمل القيشاوي وفريقها على محاكاة كل مراحل الرحلة منذ انطلاقها حتى هبوطها، لتصحيح أي أعطال أو أخطاء، وضمان رحلة آمنة وسلسة للطاقم الذي سيسافر عبر المركبة الفضائية.
وتبيّن أن "أوريون" هي مركبة فضائية تستعملها "ناسا" لإيصال البشر إلى الفضاء لمدة طويلة، ثم إرجاعهم بآمان، مضيفةً أنه في العام 2014 تمكنوا من إرسال بعثة وصلت إلى 3600 ميلاً عن الأرض، وانتهت بنجاح كبير، وأن فريقها ينوي إرسال مركبة غير مأهولة لمدة 22 يومًا للفضاء (275 ألف ميل عن الأرض).
وعلى المدى البعيد، فتؤكد القيشاوي أن العمل على استكشاف المريخ يسير بشكل جيد.
المزاوجة بين العمل والمنزل
وتشير القيشاوي إلى أنها تعمل ما بين 10 إلى 11 ساعة يوميًا، الأمر الذي يجعل المزاوجة بين الحياة العائلية والعمل صعبًا.
وتضيف أن بدعم زوجها تمكنت من تحقيق توازن بين حياتها الشخصية والمهنية، بالإضافة إلى التخطيط لمستقبلها المهني.
صفات يتطلبها عملها
يتطلب عملها، حسب قولها، القيادة، والجد في العمل، والقدرة على العمل ضمن فريق، بالإضافة إلى التفاني والتأهب، والاستعداد لتعلم الجديد باستمرار.
كما يتطلب القدرة على رؤية الأمور بشمولية، والقابلية لحل المشكلات بسرعة ودون أخطاء، وتحمل الضغط والبيئة الديناميكية، إلى جانب المهارات التواصلية والتقنية الجيدة.
حلم الطفولة وتحولها إلى إلهام
تقول القيشاوي أنها كانت تشاهد خلال طفولتها إطلاق الصواريخ عبر شاشات التلفاز، وكانت تذهل من جمال المنظر والدخان والنيران المندفعان من المركبات الفضائية، وأن هذا المشهد علق معها حتى الكبر، حيث كانت تطمح لأن تكون رائدة فضاء وأن تركب مركبة فضائية ضخمة، وهكذا تحقق حلمها في "ناسا".
وتأمل القيشاوي أن تكون قصتها إلهامًا للفتيات اللواتي يحلمن بأمور قد تبدو مستحيلة، مؤكدة أن بالإصرار والجد يمكن للنساء تحقيق أمور عجزت حتى عن الحلم بها.
ترجمة:وفاء الحج علي
من مدونة Margarida Santos Lopes