في الماضي، كان الآباء والأجداد يفضلون تدريس أبنائهم مهنة المعلم لأهميتها على الطبيب أو المهندس. لكن، الحال تغير اليوم إذ صارت مهنة المعلم من الأمور الثانوية بنظر الكثيرين لقلة الاهتمام في هذا القطاع رغم أنه اللبنة الأساسية في الدولة!
وللمطالبة بمساواتهم مع نظرائهم الموظفين وإعادة الكرامة لهم؛ انطلق المعلمون في احتجاجات واسعة آدت إلى وقف المسيرة التعليمية. أبرز مطالب المعلمين: رفع علاوة طبيعة العمل إلى 70%، الراتب الأساسي لا يقل عن 3000 شيقل، علاوة الزوجة 100 شيقل، علاوة المولود 60 شيقلا، عدم ربط الترقية في العمل بالشهادة الجامعية وعدم حرمان حملة الدبلوم من الترقيات، ان يتم معاملة موظف السكرتارية كالمعلم بكافة الأمور المالية، تعيين محامي لحفظ حقوق المعلم بكافة المجالات. وأهم شيئ يسعى المعلمون لإيصاله لمن يتحدث معهم التركيز على البند الأخيرة في بيانهم وهو: إعادة الكرامة للمعلم.
في المقابل، تحاول الحكومة إيجاد حلول لإرضاء المدرسين ضمن إمكانياتها المتاحة، لكن المعلمين يصممون على مطالبهم السابقة، رافضين الاتفاق الذي وقع بين الحكومة ورئيس اتحاد المعلمين أحمد سحويل، مؤخرا. ولم يعد المعلمون حسب بياناتهم يريدون سحويل ممثلا لهم والسبب في ذلك كما يقولون: "رئيس الاتحاد سحويل لم يأتِ بمطالب عادلة حتى في اتفاق 2013 وأيضا يعتبرونه منفذا لأجندة الحكومة".
لكن الاحتجاجات التي تنطلق في هذه الأيام لم تأتِ من فراغ. بنظر خبراء أن سياسات الحكومة هي من أوصلت الأمور لهذا الحد من خلال عدم ايفائها باتفاق 2013. فبعد أن تم الاتفاق على زيادة طبيعة عمل بـ 10% قامت الحكومة في الآونة الأخيرة بدفع ذلك البند على مرتين بواقع 5% في كل مرة وهو ما زاد من تراكم الاستحقاقات للموظفين ثم بعد ذلك قامت بدفع الـ5% الأخيرة بواقع 2.5% في كل مرة. وهنا، بدأت الاحتجاجات وهو ما لم يكن بالحسبان بالنسبة للحكومة.
يذكر أن قانون الخدمة المدنية ينص على أن الاستاذ الحاصل على الشهادة الجامعية يحصل على علاوة قدرها 30% وحامل شهادة الماجستير فاكثر 35% والاداري 25% لكن الاتفاق الاخيرة رفع تلك النسبة لـ 10%.
وبسبب تلكؤ الحكومة في دفع المستحقات بدأ المعلم في مقارنة العلاوات التي يحصل عليها مع زميله الموظف الطبيب مثلا التي تصل إلى 200% وعلاوة المهندس 90% والمستشار القانوني 150% وهنا، راحت الأمور تتأزم حيث صار الكلام "الجميل" غير مقنع للمعلمين المتظاهرين لأنهم فقدوا الثقة بالحكومة نظرا لعدم الايفاء باتفاقاتها السابقة.
من جانبه، حاول وزير التربية والتعليم، صبري صيدم، في مناسبات عدة شرح المعضلة الأساسية من خلال التأكيد على أن الحكومة تعاني من ضائقة مادية. وأكد وقوفه وتضامنه مع المعلمين وعلى أن الحكومة ستلتزم باتفاق 2013. وحسب الوزير صيدم، فان مستحقات المعلمين بلغت الآن 102.5 مليون شيقل. هذا المبلغ يراه الوزير صيدم "كبير جدا" لكن بصراحة بلهجة الموازنات هو مبلغ صغير "لا يحكى فيه".
الحلول ومراكز القوى
كان من الواضح من خلال الحديث مع الخبراء على أن المال موجود لكن المشكلة في توزيعه وفي مراكز القوى "هناك مراكز قوى تحصل على الجزء الأكبر من مقدرات الموازنة فلا يعقل أن ينفق على الجهاز الأمن 26% هنا خلل واضح في استخدام هذا المفتاح" يقول الباحث الاقتصادي د. بكر اشتية. ويضيف: المال العام موجود لكن ادارة هذا المال تصطدم بمراكز القوى، فمن غير المنصف أن يكون أعداد رجال الأمن أكبر من المعلمين "نحن لا نريد 65388 الف موظف امن في الضفة الغربية نريد حاجة المؤسسة الامنية الفعلية لها فهناك تضخم في هذا القطاع"، وفقا لاقواله.
ولان المقدرات محدودة في الاقتصاد الفلسطيني؛ رأى الباحث الاقتصادي أن الحكومة في حال توصلت لاتفاق بغض النظر عن طبيعته ستذهب إلى الجهات المانحة والاقتراض. لكنه أكد أن هذه الآليات ستعمل على زيادة الديّن العام وهو ما سيؤثر على الاجيال القادمة. لذا، أكد على ضرورة اعادة النظر في طريقة اعداد الموازنة على أن تكون تنموية أكثر منها أمنية واستهلاكية.
وحسب دراسة اعتمدت على بيانات وزارة المالية قام بها الباحث في شؤون الموازنة العامة مؤيد عفانة، بينت أن متوسط رواتب موظفي وزارة التربية والتعليم اقل من المتوسط العام لموظفي السلطة الوطنية بشقيه المدني والعسكري كما توجد فروقات دالة احصائية وفجوات واسعة لصالح الوزارات الاخرى بلغت حوالي 1000 شيقل زيادة عن متوسط رواتب موظفي وزارة التربية والتعليم فيما الفجوة تزداد اتساعا بالمقارنة مع متوسط الرواتب للقطاع الامني، حيث بلغت حوالي 1700 شيكل لصالح راتب العسكري.
وقال عفانة، إن الحكومة تستطيع أن تدفع كافة استحقاقات الموظفين مشيرا إلى أن الـ 102 مليون شيقل لا يعد مبلغا كبيرا.
وقال:إن الحكومة يمكن أن تدفع الأموال من خلال بند الاحتياطات المالية في الموازنة التي تقدر بـ 55 مليون شيقل. وأيضا من خلال التقليل من النفقات التحويلية التي تدفعها الوزارات ومراكز المسؤولية الى الحالات الاجتماعية والعديد من النفقات الاخرى التي يمكن الترشيد فيها. وتقدر النفقات التحويلية في وزارات السلطة بـ 4.321 مليارات شيقل.
وحل ثالث، الحكومة وضعت سقفا للاقتراض هذا العام بحدود 970 مليون شيقل. وهنا، قال عفانة، إن الحكومة تستطيع زيادة السقف لسد مستحقات المعلمين.
وطريقة رابعة، من خلال الارجاعات الضريبية إذ تستطيع الحكومة ان تشجع القطاع الخاص بدفع الضريبة مسبقا مقابل خصم تشجيعي.
لا شك ان مشاكل التعليم في فلسطين تاريخية. رغم أهمية هذا القطاع لكن قانون الخدمة المدنية لم ينصفهم إلا بـ35% كعلاوة طبيعة مهنة مقابل 200% للطبيب مثلا! إضافة إلى ذلك فان مشكلة التعليم والاحتجاجات الحالية تسلط الضوء على سوء ادارة المال. ففي ظل الأزمة المالية وافقت الحكومة على ترقية عشرات المدراء إلى وكلاء ما يعني زيادة على راتب كل شخص 1000 شيقل على الأقل.
وفي دليل آخر على ضعف اهتمام الحكومة بالقطاع التعليمي، بينت دراسة أعدها عفانة، أن هناك 255 موظفا من وزارة التربية والتعليم يحملون فئة مدير (سي) فاعلى من أصل 56173 موظف وموظفة أي ما نسبته 0.48%! مقابل، 239 في وزارة الشؤون المدنية ما نسبته 48.4%!! ما يعادل 121 ضعفا!!
نقلاً عن بوابة اقتصاد فلسطين