تظهر بيانات وزارة الشؤون الاجتماعية أن عدد الأسر المستفيدة من مساعداتها في العام 2015 وصل الى 125 ألف أسرة، فيما تظهر مؤشرات عدة ان رقعة الفقر آخذة في الاتساع، أهمها استمرار تباطؤ النمو الاقتصادي والارتفاع المطرد في الأسعار، والنتيجة أن طلبات الاعانة في الوزارة في ازدياد.
في آخر مسح للفقر نفذه الجهاز المركزي للإحصاء في العام 2011، أظهر أن معدل الفقر بلغ 25.8%، مستندا الى خط الفقر الوطني الذي وضع في عام 1997، ويشمل ملامح مطلقة ونسبية تقوم على موازنة الاحتياجات الاساسية لأسرة تتكون من خمسة افراد.
وتعتمد المنهجية المتبعة في رسم خريطة الفقر في فلسطين على أنماط الاستهلاك الحقيقية للأسر باعتبارها أكثر دقة من مستويات الدخل، وذلك كون الاسرة الفلسطينية وفي كثير من الاحيان تستهلك أكثر من دخلها، بالإضافة الى عدم الافصاح الحقيقي عن حجم الدخل من قبل جزء من المواطنين، خاصة في حالات تعدد الدخول.
وعلى هذا يحدد خط الفقر المدقع بـ1832 شيقلا شهريا لتغطية كل من المأكل والملبس والمسكن للأسرة، ويقع ما يقارب 12.9% من الأفراد في فلسطين ضمن هذا المستوى من الفقر، وخط الفقر بـ2293 شيقلا تستخدم لتغطية تكاليف المأكل والملبس والمسكن، بالإضافة إلى الصحة والتعليم والمواصلات والمفروشات وغير ذلك من مستلزمات المنزل.
لكن في تقريره المقدم للجنة المانحين في نهاية العام الماضي، قال البنك الدولي ان الفلسطينيين يزدادون فقرا، معتمدا في ذلك على جملة من المؤشرات الاقتصادية التي تؤدي في محصلتها إلى زيادة الفقر لدى الشعب الفلسطيني، إذ أشار التقرير إلى سلسلة من التباطؤ في النمو منذ عام 2012 ادى الى تقلص في الاقتصاد الفلسطيني عام 2014، والسبب الرئيسي في ذلك يعود إلى تراجع الدعم المقدم من المانحين، بالإضافة الى بقاء مستوى الناتج المحلي الإجمالي مطلع العام 2015 ادنى مما كان عليه في العام الذي سبقه، الأمر الذي يعني تقلص نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي منذ عام 2012، في ظل النمو السكاني الحادث.
كذلك، هناك ارتفاع طرأ على أسعار المواد الغذائية خلال الأشهر الاخيرة من العام 2015، حيث شهد مؤشر اسعار الغذاء للفترة بين اذار وتشرين الأول من العام ارتفاعا نسبته 5.4% وسجل ارتفاعا بنسبة 6.2% بين تشرين الأول 2014 وتشرين الأول 2015.
وأشار معهد ماس في نشرته (13) حول الامن الغذائي انه وفي حال استمرت هذه النزعة لفترة طويلة، فإنها حتما ستشكل تهديدا خطيرا في ظل بقاء الأجور دون تحسن.
كل هذه المؤشرات تنذر بزيادة رقعة الفقر، وهذا ما أشار إليه خالد البرغوثي، من الادارة العامة لمكافحة الفقر في وزارة الشؤون الاجتماعية، الذي قال ان رقعة الفقر في فلسطين آخذة بالازدياد.
وقال البرغوثي لـ"وفا" إن عدد الأسر المستفيدة من برامج مكافحة الفقر، التي تقدمها الوزارة، بلغ حوالي 125 ألف اسرة في عام 2015، وهذا يمثل القدرة الاستيعابية القصوى للوزارة، ارتفاعا من حوالي 64 ألف أسرة في العام 2011، بزيادة 94%.
وأضاف: هنالك أعداد كبيرة من طلبات المساعدة تصل إلى الوزارة، حيث استقبلت الوزارة في 2015 حوالي 100 ألف طلب مساعدة، وهو رقم مرشح للارتفاع نظرا للظروف الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون، علما ان الوزارة ليست الجهة الوحيدة التي تقدم مساعدات في هذا الإطار، بل أن هنالك جهات أخرى مثل وكالة الغوث والتي يقتصر عملها على المخيمات، بالإضافة الى لجان الزكاة، وبعض المؤسسات الاهلية.
من جهته، اوضح الخبير في مجال دراسة ظاهرة الفقر الدكتور محمد غضية، عضو مجلس ادارة جمعية الاقتصاديين الفلسطينيين، أن خط الفقر يزداد صعودا نتيجة لجملة من الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الفلسطيني، معتبرا أن المنتج الرئيسي للفقر هو الاحتلال الاسرائيلي، الذي يمارس سياسة افقار للشعب الفلسطيني.
وأشار غضية إلى أن هنالك مشكلة وطنية داخلية أدت إلى إضعاف القدرة على مواجهة ظاهرة الفقر والحد من انتشاره، تمثلت في تعدد الجهات القائمة على تقديم المساعدات، بالإضافة إلى غياب الاستراتيجية الوطنية الفاعلة لمكافحة الفقر، والاعتماد على سياسات لا ترتكز على عملية تنموية إنما على نظام اغاثي، والذي اصبح هو السمة العامة لمظاهر مكافحة الفقر، والذي غالبا ما يكون على شكل دعم مالي نقدي لا يغطي في كثير من الاحيان ما نسبته 20% من خط الفقر، أو من خلال تقديم السلال الغذائية.
ورأى غضية أن مكافحة فعالة للفقر تحتاج الى استقلال وطني وسيادة، والذي يعتبر الممر الأساسي لذلك، ومن دونه ستستمر عملية افقار الشعب الفلسطيني مستمرة، "لكن، ضمن الهوامش المتاحة امام السلطة الوطنية، والمجتمع المدني الفلسطيني، يمكن القيام بأداء اكثر فاعلية في مكافحة هذه الظاهرة، وهذا يتطلب ان تكون خطة التنمية الفلسطينية متوسطة المدى هي خطة مكافحة للفقر تقوم على أساس التدرج من مفهوم الاغاثة وصولا للتنمية، بالإضافة إلى ضرورة توحيد الجهود ضمن هيئة وطنية عليا تضم في عضويتها كافة الجهات ذات العلاقة".
وعلى صعيد الامن الغذائي، والذي يتحقق وفق منظمة "الفاو" عندما يتوفر لجميع الناس، وفي جميع الاوقات، القدرة الفيزيائية والاقتصادية للحصول على ما يكفي من الغذاء لتلبية احتياجاتهم الحياتية لممارسة حياة صحية ومنتجة، فإن مؤشرات الحالة الفلسطينية لعام 2014 تشير إلى أن مستويات انعدام الأمن الغذائي في فلسطين مرتفعة جدا، حيث هناك ما يقارب 1.6 مليون فلسطيني، أي ما يعادل ثلث الأسر الفلسطينية، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، واذا ما تم ربط هذه النسب بنتائج المسح لعام 2011، وهي السنة التي مثلت آخر مسوح لخارطة الفقر، والتي أشارت في حينه إلى أن هنالك ما يقارب 1.3 مليون فلسطيني أي ما يعادل 27% من الأسر الفلسطينية غير امنين غذائيا، يلاحظ ان هنالك ارتفاعا في نسب الأسر غير الآمنة غذائيا.
نقلا عن وفا