يجلس المواطن الفلسطيني سائد وليد بين أبنائه وبناته الست، يتأمل ملامحهم التي كستها الحاجة والعوز، وقد بدا الإنهاك واضحاً عليه هو أيضاً، بعد أن استنفد كل الوسائل التي يمكنه من خلالها توفير لقمة عيش أسرته التي تقطن حي الزيتون، إلى الجنوب الشرقي من مدينة غزة.
وليد، الذي يعمل في مجال البناء والتشييد، توقف منذ عدة سنوات عن العمل بسبب عدم توفر مواد البناء اللازمة، نتيجة الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي بدأ منذ اللحظة الأولى للإعلان عن نتائج الانتخابات الفلسطينية في يناير/كانون الثاني عام 2007، وفوز حركة "حماس" فيها.
بدأ وليد العمل في مجال البناء منذ 32 عاماً، عمل خلالها داخل الخط الأخضر، "الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948"، وكان الدخل جيداً، وساعده ذلك على شراء قطعة أرض، وبناء شقة صغيرة، لكن الأمر بدأ يسوء منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 1987، والتضييقات الكبيرة التي فرضتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في ذلك الحين.
ويقول وليد "كانت الفترة الفاصلة ما بين عامي 1987 و2007 صعبة، لكنها لم تصل إلى السوء الذي وصلت إليه الأوضاع في الوقت الحالي، والذي يشهد شللاً شبه كامل في مختلف القطاعات، وعلى رأسها قطاع الإنشاءات والتعمير".
ويضيف: "بعد أن توقف عملي في الداخل المحتل، بدأت بالعمل في قطاع غزة، كان العمل قليلاً، لكنه كان يساهم بتوفير الاحتياجات اللازمة للبيت (..) منذ بداية الحصار الإسرائيلي توقفنا عن العمل، وأثر ذلك على عشرات الحرف المرتبطة بقطاع البناء".
الإرهاق الذي كان واضحاً على وجه وليد، بدا كبيراً قبل أن يستجمع قواه لمواصلة الحديث: "عملت في البيع بالأسواق وأمام المدارس، والنجارة، وتصليح السيارات، وبيع المثلجات والحلويات، لكن ذلك كله لم يجدِ نظراً لصعوبة الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها قطاع غزة".
ويضيف: "أصبحت أشعر أنني عاجز أمام أطفالي الذين ينتظرون عودتي يومياً من أجل توفير
متطلباتهم المدرسية والحياتية العادية، كذلك أشعر بالحرج والخجل من نظراتهم، وحاجتهم بأن يكونوا مثل بقية أقرانهم". ويتابع متسائلاً: "أليس من حق أطفالي العيش مثل باقي أطفال العالم".
ويقول الستيني وليد: "العمال وأصحاب المهن والحرف الذين أفنوا حياتهم في العمل لا يقبلون أن يصبحوا متسولين، وعالة على المجتمع، ولا ينتظرون صدقات ومعونات من أحد، هم فقط بحاجة إلى توفير المواد اللازمة التي تمكنهم من العودة إلى العمل بشكل طبيعي".
ويضيف: "الاحتلال الإسرائيلي يعرف جيداً أن منع دخول مواد البناء يؤثر على سير الحياة بشكل كامل، وذلك لأهميتها، وارتباط مختلف الحرف بها. توقُفنا عن العمل أصبح تحصيل حاصل بعد أن تضاعف سعر كيس الإسمنت من 20 إلى 100 شيكل، أي خمسة أضعاف ثمنه الحقيقي".
ويوضح وليد أنّ سوء الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها غزة، أدت إلى تدهور أوضاع العاطلين عن العمل، وتحديداً العاملين في مجال البناء، ويقول: "أعرف عدداً من أصدقائي، لا يستر منزلهم سوى الحيطان، وبعض فاعلي الخير، والمؤسسات الخيرية".
في الأثناء، يؤكد نقيب المقاولين الفلسطينيين في غزة المهندس نبيل أبو معيلق لـ "العربي الجديد"، أنّ واقع قطاع الإنشاءات في القطاع في أسوأ أحواله، تحديداً بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، والدمار الواسع الذي خلفته، في ظل منع دخول مواد البناء عبر معبر كرم أبو سالم التجاري.
ويقول أبو معيلق إنّ نحو ثلاثمائة شركة تعمل في مجال المقاولات والبناء أصيبت بشلل شبه تام، ما أدى إلى توقف نحو مائتي ألف عامل بشكل مباشر وغير مباشر، بعد تأثر عدد من المهن المساندة لذات الأضرار.
ويبين نقيب المقاولين الفلسطينيين أن قطاع المقاولات والبناء يساهم بثلث الدخل القومي في أوقات الاستقرار، لافتاً إلى أنّ الجهود لم تتوقف لمطالبة الجميع، وعلى كافة المستويات للضغط على الجانب الإسرائيلي "المتعنت" من أجل رفع الحصار وإدخال مواد البناء.
وتمنع سلطات الاحتلال الإسرائيلي حتى الآن إدخال مواد البناء إلى القطاع المحاصر، وسمحت مؤخراً بشكل محدود ومقنن بإدخال بعض هذه المواد، وخاصة "الإسمنت" للمتضررين جزئياً من العدوان الأخير، تحت إشراف ورقابة دولية مشددة.
وكانت الأنفاق التي هدمها الجيش المصري بعد انقلاب الثالث من يوليو بوابة لإدخال مواد البناء إلى القطاع المحاصر، لكن بعد إغلاقها نهائياً شُل العمل في قطاع الإنشاءات، بعدما بات المنفذ الوحيد للقطاع على العالم الخارجي، معبر كرم أبو سالم، تحت سيطرة إسرائيلية كاملة.
نقلا عن العربي الجديد