على مدخل البلدة القديمة في الخليل، يافطة كبيرة لمحل لبيع المجوهرات والحلي، فيما لا يوجد إلا بسطة صغيرة يبيع عليها محمد الحروب (45 عاما) الحُلي والأكسسوارات.
يافطة تحكي معاناة رجل خسر مهنته ومحل الذهب الذي يمتلكه في البلدة القديمة، ليتحول به الحال من بائع للذهب إلى بائع على بسطة بعد أن حلم لسنوات بأن يصبح تاجر ذهب كبيراً.
ويقول الحروب: كنت أملك محلاً لبيع الذهب أغلقته قوات الاحتلال، وأجبرت على نقله خارج سوق الذهب، حتى استسلمت إلى بيع جميع الذهب الموجود كاملاً في متجري في عام 2006، بسعر 7.5 دينار للغرام الواحد، وتكبدت خسارة كبيرة وأنا الآن أبيع الحُلي والمشغولات المصنوعة يدوياً والمطرزات التراثية، وبات ما أجنيه لا يكفي لسد احتياجات أسرتي المكونة من عشرة أفراد».
وتابع: الخليل، وخاصة البلدة القديمة، شهدت خلال الانتفاضة الثانية، بعد العام 2000، مواجهات عنيفة مع جيش الاحتلال، وفرض الاحتلال إغلاق على المحال استمر لأسابيع ولأشهر في بعض الأحيان، وتسبب في خسارات هائلة للتجار، ما جعل المتسوقين يتجنبون الذهاب إلى هذه المنطقة خشية على حياتهم، بينما أغلقت البنوك والمؤسسات الأهلية فروعها.
تجار الذهب نموذج لتجار آخرين اضطروا لمغادرة الخليل القديمة للأسباب ذاتها، وأوصد باب رزقهم في هذه المنطقة مع إغلاق البلدة القديمة أمام المتسوقين.
ورغم أن الحكومة تعفي أهالي وتجار الخليل القديمة من الحد الأدنى من استهلاك المياه والكهرباء، إلا أن هؤلاء يعتبرون أن الدعم الحكومي غير كاف لتعزيز صمودهم، داعين إلى مشروع واسع يعزز السياحة المحلية والأجنبية ويعزز وجود المتسوقين في البلدة القديمة.
تغير الحال مع الحروب كما تغير حال عدد من تجار الذهب والتجار الآخرين الذين كانوا يملكون محلات في البلدة القديمة، وأغلقت أو اضطروا إلى تحويلها لبيع أصناف أخرى.
وكانت قوات الاحتلال أغلقت في العام 2000، 512 محلاً بأوامر عسكرية، و1300 محل مغلق بسبب اعتداءات المستوطنين في الخليل والحواجز والعراقيل.
ويرى سميح الحروب (47 عاماً) صاحب محل لبيع الذهب في باب الزاوية، أن إغلاق سوق الذهب والمحال في البلدة القديمة ألحق خسائر كبيرة كان لها أن تغير الوضع الاقتصادي في الخليل.
ويقول: خسرت أكثر من 170 ألف دينار جراء إغلاق متجر الذهب الذي اشتريته في العام 1980 في البلدة القديمة في الخليل.
وأضاف: «قام الجيش الإسرائيلي بمنع المواطنين من أن يفتحوا محالهم بعد الواحدة ظهراً، ثم أغلقوا شارع الشهداء، وسيطروا على مدرسة أسامة بن المنقذ القريبة من سوق الذهب وأنشؤوا فيها مستوطنة بيت «رومانو»، وأغلقوا متجرنا وأكثر من 30 متجر ذهب آخر في سوق الذهب»، مشيراً إلى أن قوات الاحتلال منعت التجار من نقل الأدوات والخزنات ولم يسمحوا لهم إلا بنقل المصوغات الذهبية.
ولفت إلى انه اضطر إلى شراء متجر لبيع الذهب في باب الزاوية، مشيرا إلى «انه لا يوجد حركة أو نشاط اقتصادي بسبب الوضع السياسي والاقتصادي المتردي التي تعيشه الخليل وباقي المحافظات، موضحا أن شراء الذهب يرتبط بحالات الاستقرار».
ويقول رئيس غرفة تجارة محافظة الخليل، ورئيس اتحاد الفلسطيني للمعادن الثمينة غازي السيد: إن جيش الاحتلال في العام 2000 أغلقوا أكثر من 40 محلاً لبيع الذهب، الأمر الذي ترتب عليه خسارات بالملايين لأصحاب المحال، وخسائر اقتصادية تعاني منها الخليل حتى يومنا هذا.
وأضاف: عرف لعشرات السنوات سوق الذهب كمركز اقتصادي وكان له قيمة اقتصادية كبيرة، وكان يتراوح سعر المتجر آنذاك 100 - 200 ألف دينار، حيث يرتبط سعر المتجر بشهرته وقربه عن مركز المدينة.
يشار إلى أن محافظة الخليل تقوم بتوزيع مبلغ 140 دولاراً للتاجر، كل 4 أشهر بما يصل سنوياً إلى مليون و400 ألف دولار لتعزيز صمود أهالي وتجار البلدة القديمة.
وأشار إلى انه تم إنشاء صندوق لدعم البلدة القديمة، والذي أقرته الحكومة في شهر 11 خلال اجتماع مجلس الوزراء في الخليل، مشيرا إلى أن الحكومة رصدت له 100 ألف دولار، فيما تبرعت الغرفة بـ 50 ألف دولار، لافتا إلى أن مؤسسة استهلاكية ستنبثق عن الصندوق تبيع السلع بأسعار تقل عنها في المناطق الأخرى، لدعم صمود أهالي البلدة القديمة في الخليل.
ودعا إلى منح البلدة القديمة نظام حوافز وامتيازات ضريبية وجمركية لتنشيط الحركة التجارية فيها.
وحذر السيد من خطورة تكرار سيناريو البلدة القديمة في باب الزاوية، القريب من المنطقة المعروفة بـ «H1»، والذي أصبح يعاني من عزوف المواطنين والتجار عن الوصول إلى باب الزاوية، وأصبح الامتداد باتجاه الشمال «شارع وادي التفاح، ودوار المنارة».
نقلا عن وفا