جاءت اللحظة الحاسمة التي انتظرها موظفو قطاع غزة لاستبدال مستحقاتهم المالية المتراكمة على حكومة غزة بأرضٍ حكومية وفق القرار الذي اتخذته حكومة غزة وشددت على ضرورة التسجيل فيه لضمان حقوقهم بعد تنكر حكومة الوفاق الفلسطيني لها.
لقد توسم الموظفون الذين فقدت رواتبهم بوصلة الطريق إلى جيوبهم، خيراً في القرار، لكنهم سرعان ما أيقنوا العكس وقالوا في أحاديث منفصلة لـمراسلة "الحدث" إن "الحكومة هي المستفيد الأول من القرار" خاصة وأن التسوية لن تتم إلا بعد خصم نسبة من المستحقات المتراكمة على الموظفين للبلديات وشركة الكهرباء والبنوك، وأكدوا أن ما سيتبقى لهم من مستحقاتهم، خاصة فئة صغار الموظفين، لن يُساوي نقطة في بحر الأسعار التي أعلنتها سلطة الأراضي للقطع التي أفرزتها.
"الحدث" في سياق التقرير التالي تقترب أكثر من الموظفين وتبحث مع الجهات الرسمية الأسس والمعاير التي تم خلالها التوافق على الأسعار كونها جاءت مُخيبة لآمال وطموحات الموظفين.
أسعار مُخيبة للآمال
في مدرسة شجرة الدر الأساسية شرق مدينة خان يونس، التقت مراسلة "الحدث" بمدرس اللياقة البدنية محمد أبو جلنبو، حيث أكد أن الأسعار التي أعلنتها سلطة الأراضي خيَّبت آماله إذ بدت مرتفعة جداً ومتفاوتة من منطقة لأخرى وحتى داخل المنطقة الواحدة، وقال: "الأسعار بددت أحلامنا في تأمين مستقبل أبنائنا".
وأشار إلى أنه اضطر للتسجيل ليقينه أنه لن يفلح في الحصول على مستحقاته نقداً، ورغم ذلك فهو غير متفائل بإمكانية أن يحصل على بضعة أمتارٍ معدودة، فقيمة مستحقاته بلغت حوالي (12000 دولار)، وحسب القرار، كما يقول لـ "الحدث"، سيتم خصم التراكمات عليه لدى شركة الكهرباء والبلدية والبنك وبالتالي لم يتبقّ لي من المستحقات سوى القليل الذي لن يُمكنه، وفق تقديره، من الحصول على قطعة أرض خاصة في ظل الأسعار المرتفعة التي أعلنتها سلطة الأراضي مؤخراً.
وكان "جلنبو" قد حصل على مرابحة من إحدى البنوك بقيمة (9) آلاف دولار، سدد منها ما قيمته فقط ألفي دولار، ووفقاً لقرار تسوية المستحقات حاول الرجل، وفق قوله، تصفير المرابحة بتحويل رصيد مستحقاته لها، إلا أن الأمر لم يكن سهلاً وتم خصم (4) آلاف دولار فقط من قيمة المرابحة، وهي مستحقاته على الحكومة قبل عام 2015، يؤكد الرجل أنه بعد تسوية الخصومات لدى البنك والبلديات ما يتبقى له قرابة (3 آلاف دولار) من كامل مستحقاته، وتساءل بسخرية: "في ظل الأسعار الخيالية للأراضي الحكومية التي أُعلن عنها هل يمكن شراء 5 أمتار بـ3 آلاف دولار؟!"
ومن جانبه عبر الموظف حسام الشاعر، عن حالة الإحباط التي تسللت إلى الموظفين بعد الإعلان عن أسعار الأراضي الحكومية المُراد تسوية مستحقاتهم بها، وتساءل عن كيفية الاستفادة من الأرض وآلية الحصول عليها ومقدار الحصة الواحدة لكل موظف؟ إلا أنه لم يجد أي إيجابة وبقي تائهاً يُخمن ويُقدر وقال لنا: "الأسعار جداً مرتفعة"، وأضاف أن بعض القطع المفرزة في خان يونس يبلغ سعر المتر فيها 85 ديناراً أي أن قطعة 300 متر تتطلب أن تكون المستحقات للموظف بعد خصم مستحقات البلديات والبنوك وشركة الكهرباء قرابة 25 ألف ديناراً، وقال: "لن يتمكن صغار الموظفين من الحصول على قطع بهذه المساحة، وإن استطاعوا فلن يتمكنوا من البناء عليها وسيضطروا لبيعها بثمنٍ بخس".
ووافقه الرأي، الموظف محمد شاهين مؤكداً لـ "الحدث" أن المستفيد الأكبر من تلك الأراضي سيكون كبار الموظفين من القضاة والمدراء العامون والوزراء وأصحاب الرتب العسكرية الُعليا، كون مستحقاتهم كبيرة جداً ولن تتأذي برفع الأسعار، وقال: "قد يعمدون إلى شراء أراضي صغار الموظفين للقيام بمشاريع استثمارية تُدر عليهم دخولاً مضاعفة خاصة إذا استمر الفشل في التوصل للمصالحة وإنهاء الانقسام".
ضبابية وعدم وضوح
وتشكو موظفة أخرى تعمل في ديوان الموظفين العام، رفضت الكشف عن هويتها، من حالة الضبابية وعدم الوضوح في إجراءات تنفيذ قرار تسوية المستحقات، وقالت لـ "الحدث": "اضطررنا للتسجيل من أجل ضمان بعض حقوقنا دون أن نعلم بالضبط الآلية التي سيتم تحصيلها بها"، مشبهة حال الموظفين بالسائرين في حقل ألغام في كل خطوة يخشون انفجار ينسف أحلامهم بالحصول على حقوقهم التي حُرموا منها سنوات بسبب الخلافات السياسية بين الحكومتين في غزة والضفة، وأكدت لـ "الحدث" أن المشروع لن يحل أزمة الموظفين والسبب، وفق تقديرها، أن الأراضي التي سيحصلوا عليها خالية من أي مقومات للحياة كشبكات المياه والصرف الصحي وحتى خدمات التعليم والصحة، لافتة إلى أن الغالبية من الموظفين سيضطرون لبيع تلك الأراضي مُجدداً لأن لا طاقة مالية لهم بتبعات البناء هناك.
وفي السياق ذاته، أوضحت الموظفة أن عملية البيع لن تكون مُجدية للموظف في ظل افتقار الأرض للمقومات السابقة وسيتم بيعها بأسعار زهيدة وبالتلي يكون غُرر بالموظف في الحصول على مستحقاته، وطالبت بضرورة أن يتم تسوية المستحقات عبر إنشاء مُدن سكنية على غرار التي أنشأتها السلطة الفلسطينية في منطقة تل الهوا وغيرها، وقالت: "في هذه الحالة يكون المشروع مُجدياً بحيث يتم احتساب المستحقات من ثمن الشقة وتسديد البقية على أقساط، شريطة أن يتم توفير الرواتب شهرياً للموظفين".
أسعار طبيعية
مراسلة "الحدث" حملت شكوى الموظفين إلى الجهة التي أعلنت أسعار الأراضي، حيث قال رئيس سلطة الأراضي إبراهيم رضوان لنا إن الأسعار طبيعية وتذمر الموظفين نابع من عدم مناسبة الأسعار لمستحقاتهم، مؤكداً أن الأسعار لم تُقدر عبثاً بل عبر لجنة تثمين مُختصة، وأشار إلى أن الأسعار تتناسب مع السوق، وأحياناً أقل منه. وبيَّن أن كل منطقة لها أسعارها وفقاً لموقعها من الناحية الجغرافية والاقتصادية.
وأعلنت اللجنة العليا لمشروع الأراضي في قطاع غزة الشهر الماضي قائمة أسعار الأراضي التي تم فرزها لتسوية مستحقات الموظفين الحكومين في غزة، وبحسب بيان صادر عن اللجنة فقد تم تحديد سعر متر الأرض في محافظة الشمال وفقاً للموقع ففي منطقة بيسان بلغ سعر متر الأرض الواقعة على شارع رئيسي (90 ديناراً)، وتنخفض لتصل إلى (70 ديناراً) لمتر الأرض التي لا تطل على شارع رئيسي، أما في منطقة طبريا فالمتر على الشارع الرئيسي (150) ديناراً، وعلى غير رئيسي ينخفض إلى (120) ديناراً، وفي منطقة الفردوس بلغ سعر متر الأرض على الشارع الرئيسي (245 ديناراً) وعلى شارع غير رئيسي (200 دينارٍ).
وكانت أسعار متر الأرض في مدينة غزة في منطقة المشتل على شارع رئيسي (490 ديناراً) وعلى شارع غير رئيسي (440 ديناراً)، أما منطقة المقوسي فكانت أسعارها أكثر ارتفاعاً إذ بلغ سعر متر الأرض على الشارع الرئيسي غرب محطة بهلول (740 ديناراً) كونها على شارعين أما الأرض التي تقع على شارع واحد في ذات المنطقة فسعر المتر (670 ديناراً) ، فيما كانت منطقة الزهراء بغزة الأقل سعراً إذ بلغت قيمة متر الأرض على شارع رئيسي (350 ديناراً)، وانخفضت إلى (300 دينارٍ) للمتر في الشوارع غير الرئيسية.
فيما جاءت الأسعار في محافظتي خان يونس ورفح أقل من نظيرتها في مناطق الشمال وغزة، ووفقاً للبيان فقد بلغ سعر المتر في منطقة الإسراء1 حوالي (185 ديناراً) للأرض التي تقع على الشارع الرئيسي و(160 ديناراً) على غير الرئيسي، وفي منطقة الإسراء 2 سعر المتر على الشوارع الرئيسية (155 ديناراً) وانخفضت إلى (125 ديناراً) للأراضي على الشوارع غير الرئيسية، أما في محافظة رفح فالأراضي التي خُصصت في منطقتي الفرقان والأندلس يترواح سعر المتر على الشوارع الرئيسية بين (120 -70 ديناراً) وعلى غير رئيسية بين (95 -55 ديناراً).
وعلى الرغم من تأكيد العديد من الموظفين أن الأسعار خيالية ومبالغ فيها، إلا أنهم لم يملكوا حلاً إلا التسجيل خشية ضياع حقوقهم كاملة، وفق قولهم، وطالبوا رئيس سلطة الأراضي والجهات المختصة بالعمل على تحويل الانتفاع إلى بناء مُدن سكنية يُمكنهم من خلالها الحصول على شقة العمر بدلاً عن مستحقاتهم وتقسيط ما يتبقى وفقاً لحالة رواتبهم وانتظامها.
بحاجة لتمويل ضخم
ويُشير المسؤول رضوان إلى أن انشاء المدن السكنية طموح تتطلع لأن تُحققه وتصل إليه الجهات الحكومية في غزة إلا أن العائق، كما أخبر الحدث، حاجة تلك المشاريع لتمويل ضخم لا يُمكن توفيره في ظل حالة الانقسام بين الحكومتين في الضفة وغزة وتنكر الأولى للأخيرة وعدم اعترافها بموظفيها، وقال: "الحكومة ستبحث عن تمويل من جهات داعمة لمساعدة الموظفين ولكن حتى الآن لا يوجد أفق"، وشدد على أن المدن السكنية قد تُمثل حلاً جيداً ومفيداً للموظفين الذين لن يمتلكوا الأموال للبناء بعد حصولهم على الأرض.
ومن وجهة نظر الموظفين يبقى الحل الأمثل والذي يُرضيهم جميعاً هو حصولهم على مستحقاتهم المالية نقداً وتوجيهها وفقاً لاحتياجاتهم ومشاريعهم الخاصة.
عن "الحدث"