بدأت الفلسطينية آمنة فياض، (30 عاماً)، من ذوي الإعاقة، الاعتياد على عملها في النجارة وتصميم المقاعد (الأرائك)، باستخدام معدات على قدر من الخطورة، كالمنشار الكهربائي وأجهزة أخرى، متحدية مجتمع غزة المحافظ، الذي يرى أن هذه المهنة للرجال.
وتجمع فياض، القطع الخشبية الناتجة معاً، بواسطة ماكينة (دبّاسة الخشب)، والغراء، وتشكل منها مجسم الأريكة.
منذ ستة أشهر بدأت فياض، برفقة خمس سيدات أخريات من ذوي الإعاقة، العمل في صناعة أطقم الكنب وتنجيدها، ضمن تدريبات مكثفة تلقيّنها، في مشروع "إرادة" التابع للجامعة الإسلامية.
ويختص مشروع "إرادة"، والممول من الحكومة التركية، والبنك الإسلامي للتنمية، ومنظمة العمل الدولية، وعدد من المؤسسات المحلية، بتدريب وتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة، في مجال الحرف اليدوية.
وتقول فياض، التي تعاني من قصر القامة، "سمعت العديد من الانتقادات ممن حولي، بسبب عملي في صناعة الكنب، والبعض دعاني للتوقف عن العمل".
وتابعت " لم أهتم لأحد، وأكملت عملي في المجال الذي أحببته، وبفضل تشجيع عائلتي أيضاً".
وأضافت فياض، الحاصلة على شهادة الدبلوم في مجال النطق والسمعيات، "التحقت بمشروع إرادة لأنني كنت أرغب في تجربة العمل في صناعة الكنب، كان صعباً في بداية الأمر، ومع مرور الوقتبدأت بالتأقلم".
وعلى لوح خشبي مستطيل الشكل، وضعت فياض، علامات بقلمها، لاستكمال بناء مجسم الكنبة، "لم يكن التعامل مع أدوات النجارة سهلاً، إنها أدوات خطرة ويصعب التعامل معها".
وتشعر صانعة أطقم الكنب حالياً، "بالثقة بالنفس وأن لي دور في الحياة، ولست عالة على أحد، ولم أعد أقضي كل وقتي في المنزل كما السابق، وازدادت مهارتي في التواصل مع الآخرين".
وبحسب إحصائية أصدرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي)، فإن عدد ذوي الإعاقة البالغين أكثر من 18عاماً، يبلغ 27 ألفاً، منهم 17 ألفاً يعانون من إعاقة حركية.
وحسب إحصائية مشتركة بين اتحاد المعاقين في غزة، ووزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية، تقدّر نسبة الجرحى الذين أصيبوا بإعاقات سمعية وبصرية وحركية بسبب الحرب، أكثر من (40%) من مجموع الجرحى، البالغ عددهم أكثر من 11 ألف مصاب.
وفي ورشة مجاورة لقص وتدبيس هياكل أطقم الكنب، تنشغل ماجدة مراد (45 عاماً)، بوضع الإسفنج والبطانة الداخلية والقماش، على الأرائك الخشبية، لتكون جاهزة بشكلها النهائي.
وتقول مراد، التي تضع مفاصل صناعية في ساقيها، إنها "تحب العمل في التنجيد، منذ سنوات، وكانت تصنع في منزلها بعض الفراش والمقاعد".
وأضافت "سعيدة جداً بافتتاح دورات في التنجيد وصناعة الكنب، وسجلت بعا دون تردد، على الرغم نظرة المجتمع التي ترفض غالباً عمل المرأة في هذا المجال".
وعملت مراد في السابق معلمة في رياض الأطفال لمدة 15 عاماً، قبل أن تفقد ركبتيها أثناء محاولتها إنقاذ أبناء أخيها من قصف إسرائيلي خلال الحرب الأولى على غزة عام 2008-2009.
وتقول مراد عندما أصبت، شعرت بالإحباط، ومكثت في المنزل عاماً كاملاً، وكنت أمشي منحنية الظهر، بسبب إصابتي وعدم قدرتي على السفر لإجراء عملية بسبب الحصار الإسرائيلي، وبعد التحاقي بـ"إرادة" تغيرت حياتي وأصبح لدي هدف، وعمل".
وتأمل مراد أن تتكفل جهة مانحة، ببناء ورشة كبيرة خاصة بها وبزميلاتها، وتستوعب أكبر عدد من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وأنتجت السيدات الست، خمسة أطقم كنب، منذ التحاقهن بدورات مشروع إرادة، وتم بيع 4 منها، وفق منال حسنة، نائب مدير العلاقات العامة في مشروع إرادة.
وتقول حسنة، "لأول مرة يتم تدريب مجموعة من السيدات ذوي الإعاقة، في مجال التنجيد وصناعة الكنب، الذي كان حكراً على الرجال سابقاً".
وأشارت حسنة أن أداء المتدربات، كن مجتهدات خلال فترة التدريب، وكانت لديهن همة عالية، واستطعن إثبات مهارتهن، ومخرجاتهن كانت مميزة، وتنافس منتجات الأصحاء.
وتابعت:" منذ مطلع العام الحالي، بعد انتهاء مدة التدريب، تم توفير فرص عمل للسيدات الست، ثلاثة منهنّ في مشروع إرادة والأخريات، في جمعيات خيرية، تناسب منطقة سكناهم، وبراتب شهري بقيمة 400 دولار أمريكي".
وتهدف الدورة إلى "دمج النساء من فئة ذوى الاحتياجات الخاصة، من خلال التدريب والتأهيل الحرفي"، وحسب حسنة.
ولفتت حسنة إلى أن منع إسرائيل لإدخال بعض أنواع الأخشاب أثر نوعًا ما على عمل الورشة، حيث أدى إلى ارتفاع أسعار تكلفة المنتجات وبالتالي ارتفاع ثمنها على المستهلك.
وحظرت إسرائيل، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إدخال الأخشاب التي يزيد سُمكها عن (2.5) سم إلى قطاع غزة، لأسباب مرتبطة بإمكانية استخدامها في غير أهدافها الرئيسية، حسب الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية.
وتعرض النسوة منتجاتهن، بالإضافة إلى منتجات الورش الحرفية الأخرى في برنامج "إرادة"، خلال مرحلة التدريب، والعمل، في معرض المشروع.
وقالت حسنة، أن الهدف من المعرض هو الاعتماد الذاتي من إدارة المشروع، في تغطية تكاليفه، دون الاعتماد على التمويل الخارجي, مشيرة إلى أن مردودات المعرض على مدار 4 سنوات وفرت 60% من المصاريف التشغيلية.
ومضت قائلة، "نتوقع خلال الأعوام الثلاثة القادمة، أن نوفر المصاريف التشغيلية كاملة من مردود المشروع، وفتح الباب أمام عدد أكبر من ذوي الإعاقة الراغبين في الانتساب لبرامج التدريب، لكن القدرات المالية تحول دون ذلك".
وأوضحت أن القدرة التدريبة السنوية للمشروع 400 شخص فقط، يتم تدريبهم بشكل مجاني، ويكلف كل فرد منهم نحو ألف دولار، مشيرة أن مئات الأشخاص على قائمة الانتظار.
نقلا عن الاناضول