يصفف الشاب الفلسطيني محمد عجور بعناية قطع الحلوى جنباً إلى جنب على مدخل سوق الشجاعية الشعبي شرق مدينة غزة، وفقاً لعادة علّمه إياها والده الذي بدأ بصناعة حلويات الحلقوم والسكاكر والبسكويت منذ ما يزيد عن العقود الثلاثة.
"من الإبرة حتى الصاروخ"، عبارة مجازية يمكنها أنّ تلخص ما يحتويه ذلك السوق الشعبي العامر بمختلف المستلزمات المنزلية والشخصية والغذائية، والذي بات قبلة لأهالي قطاع غزة من شماله إلى جنوبه، يختصر وقتهم عن البحث، ويفيهم بالأغراض المطلوبة.
يتفرع من شارع السوق الرئيسي عدد من الشوارع والأزقة الفرعية، التي تحتوي على مئات البسطات والمحلات الصغيرة المكتظة بالبضائع، من أدوات منزلية، ملابس، عطور، إكسسوارات، مواد تجميل، مواد غذائية، فواكه وخضروات، حلويات، عطارة، وغيرها.
على مدخل إحدى النواصي المؤدية إلى السوق يقف أيضاً بائع الخروب العشريني عماد قلجة، الذي ورث عمله عن عمه حسن الذي بدأ بالبيع في السوق القديم منذ 35 عاماً، يروي بمشروبه البارد عطش كل من قصد السوق، أو خرج منه مرهقاً نتيجة الازدحام داخله.
ويقول قلجة إنّ العمل في السوق لا يتوقف إلا بعد حلول المساء، وإنه منطقة حيوية، يزورها الآلاف يومياً، وهذا ما يميزه عن باقي الأماكن والأسواق التي ينشط العمل فيها حتى ساعات الظهيرة فقط، مبيناً أنه مثل باقي الأسواق يمر بفترات ركود، عند اشتداد الأزمات التي تعصف بقطاع غزة.
في الداخل، جلست البائعة المُسنة أم علي حسيب فوق بسطتها المرتفعة عن الأرض، تبيع الملابس النسائية، وقد ظهرت على ملامحها علامات حب وصداقة المكان، وتقول: "اعتدت على هذا السوق الحيوي الذي بات جزءاً من حياتي، ويساعدني أبنائي في تصفيف البضاعة".
وتضيف أم علي في حديث مع "العربي الجديد": "هذا السوق مثل باقي الأسواق، ينشط في الأيام الأولى من الشهر، ويتأثر بالرواتب، لكنه في الغالب أفضل من الأماكن الأخرى، نظرا لاحتوائه على كل المستلزمات التي يحتاجها المواطنون".
بائع الملابس يحيى الجبالي وهو أب لسبعة أبناء، وافقها الرأي، مشيراً إلى أنّ زبائن من شمال قطاع غزة حتى جنوبه يأتون للسوق، لأنه سوق يومي، ولا يقتصر على يوم محدد مثل سوق الأربعاء في مدينة خان يونس، أو سوق الجمعة في مدينة غزة، أو سوق الأحد شمال القطاع.
ويشتكي الجبالي الذي بدأ بالعمل في السوق منذ 12 عاماً، من الأوضاع التي تمر بها الأسواق في الوقت الحالي. ويقول لـ"العربي الجديد": "بعد انتهاء مواسم الأعياد والمدارس يصيب الأسواق ركود تام، وتبدأ العجلة بالدوران بشكل خجول بعد نزول الرواتب، منذ ثلاثة أشهر، والأسواق ضعيفة، وإقبال المواطنين خفيف".
طرقات السوق وتفريعاتها العديدة لا تخلو للحظة واحدة من عربات الباعة المتجولين، والتي تحمل على ظهرها الملابس والحلويات والمرطبات والمسليات، وهي لأشخاص لا يملكون مكاناً في السوق يمكنهم من عرض بضاعتهم، نتيجة شح الأماكن، وملكيتها التي تعود لتجار آخرين.
ويقول صبحي المزين، صاحب إحدى العربات التي تبيع الكعك: "منذ ما يزيد عن عشر سنوات، أشتري الكعك صباحاً، وأطوف به داخل أزقة السوق، العمل هنا جيد لكنه مرهق للغاية، والاكتظاظ داخله يزيد من التعب الملقى على عاتقي".
ويضيف المزين وهو أب لثلاثة أطفال : "أحاول عدم مضايقة الزبائن وأصحاب المحال التجارية والبسطات، وأصبح لي الكثير من الأصدقاء هنا، ينتظرون مجيئي ليتناولوا إفطارهم الخفيف، والذي لا يكلف الشخص سوى شيكل واحد (ربع دولار)".
التناقض، صفة أخرى تميز سوق الشجاعية القديم، الذي يحوي الباعة المتجولين، والمحال التجارية الصغيرة والبسطات، إلى جانب المتاجر الكبيرة التي تبيع الملابس والأحذية الحديثة، والماركات العالمية لمواد التجميل، وحاملات اليد النسائية والإكسسوارات، وغيرها.
ويقول درويش الرنتيسي صاحب أحد متاجر بيع مواد التجميل بدأنا بالعمل هنا عام 2000، واخترنا هذا المكان نتيجة اكتظاظ الزبائن، وساعات العمل التي تبدأ من الساعة الثامنة صباحاً حتى المساء، مبيناً أن زيادة عدد المحال التجارية فتح المجال أمام التنافس في أصناف البضاعة، والأسعار.
ويشير الرنتيسي إلى أنهم يحاولون التميز، عبر توفير أحدث الماركات العالمية بأسعار متناسبة مع المواطنين وأوضاعهم الصعبة، ونجحوا في ذلك، بعد أن أصبحوا يوردون البضائع للمواطنين والعرائس ومراكز التجميل المنتشرة في قطاع غزة من شماله حتى جنوبه.
نقلا عن العربي الجديد