ما إن تشرق شمس الصباح حتى يستفيق الشاب، عبد السلام نوفل، ليذهب إلى مكان عمله في سوق الزاوية الشعبي في مدينة غزة. يبدأ بتجهيز أدوات عمله لاستقبال زبائنه، وليؤمن مصاريف عائلته المكونة من 14 فرداً.
عبد السلام (22 عاماً) يعمل إسكافياً، منذ أن كان في عمر العشرة أعوام. لم ينجح في دراسته، فساعد والده في بيع الترمس والمكسرات، ثم طلب منه عمه العمل معه في مهنة الإسكافي. يقول عبد السلام لـ "العربي الجديد": "بدأ عمي بتعليمي مهنة الإسكافي، وهي مهنة قديمة في غزة تقوم على تصليح الأحذية المتهالكة، وتعلمت كافة مراحلها، من كيفية التعامل مع الزبائن وصولاً إلى إعادة تجديد الحذاء. أصبحت أتقن المهنة بعد فترة وجيزة".
ويضيف عبد السلام: "في بداية الأمر واجهت صعوبة في العمل، وهي نظرة الناس المختلفة لمن يعمل في هذه المهنة. واجهت السخرية والاستهزاء، لكن حاجتي إلى العمل وقلة وجود الفرص، دفعتي للاستمرار وتحدي كل العراقيل. الآن، أصبح الجميع يعرفني، ولدي زبائن يأتون باستمرار بعدما أصبحت أدير العمل".
ينحدر الشاب عبد السلام من عائلة فقيرة تعاني وضعاً اقتصادياً صعباً، فوالداه يعانيان من المرض وأشقاؤه بحاجة إلى مصاريف كثيرة لأن غالبيتهم على مقاعد الدراسة. وهو الوحيد الذي تكفل بتلبية احتياجات أسرته. ويقول: "أنا افتخر الآن بعملي وأعتمد على نفسي، واستطعت تأمين مدخول ثابت، وتزوجت ولديّ طفلة بعمر ثمانية أشهر وهذا لم يمنعني من الاستمرار في مساعدة أهلي وتلبية متطلباتهم".
يضيف عبد السلام: "أقوم بتصليح كل أنواع الأحذية للأطفال والرجال والنساء، كذلك الحقائب الجلدية بأحجامها، خاصة الحقائب المدرسية التي يكثر تصليحها هنا".
ويرى عبد السلام أن الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تمر على سكان قطاع غزة زادت من أعداد زبائنه. حيث أصبح المواطن في غزة، نتيجة استمرار الحصار، يعاني من قلة الدخل خاصة الفئة الفقيرة والتي تكون أكثر طبقات المجتمع لجوءاً لإصلاح أحذيتها القديمة، بدلاً من شراء الأحذية الجديدة، فكلفة التصليح في متناول الجميع.
يقول عبد السلام إن الإسكافيين يعانون من الكثير من العوائق في غزة "تسبب لنا في بعض الأوقات التوقف عن العمل، خصوصاً من حيث نقص الأدوات، مثل إبر الخياطة والخرز والقطع الجلدية، إضافة إلى عدم توفر قطع غيار خاصة للماكينات بسبب قدمها. وهذا يعود إلى تحكم الاحتلال في عمليات إدخال البضائع والإغلاق الدائم للمعابر".
ويضيف أن "للمهنة مخاطرها، إذ نتعرض لبعض الجروح بالأيدي إثر استعمالنا الأدوات البدائية والحادة منها، خاصة الوخز بإبر الماكنة حيث أصبت عدة مرات بجروح مختلفة، وكل هذا لم يمنعني من مواصلة المهنة بسبب حاجتي لدخل يعيلني ويساعدني على مصاريف عائلتي".
حسن صبيح، أحد الزبائن ويقوم بإصلاح أحذية أطفاله لدى عبد السلام، يقول: "أنا أعيل أسرة مكونة من سبعة أفراد، منهم أطفال وطلاب مدارس، دائما أحذيتهم وشُنط مدارسهم تتعرض لبعض التلف وتحتاج إلى تصليح ولا أقدر أن أشتري لهم الجديد، لذا ألجأ إلى ورشة عبد السلام رغم وجود عدد كبير من العاملين في هذه المهنة. فهو يتقن عمله ويتفهم طلبي وأجرته تقدر وضع السكان الاجتماعي وحالة الفقر التي نعيشها".
داخل سوق الزاوية يصطف العديد من أصحاب هذه المهنة إلى جانب ماكيناتهم وأدواتهم البسيطة. منهم من يفترش الأرض والبعض الآخر يقف تحت المظلات، وآخرون يتخذون من ركن مكاناً لهم، والذي يعرف بمنطقة "الكندرجية".
وأغلب العاملين في المنطقة هم من جيل الشباب الذين ورثوا المهنة عن آبائهم وأجدادهم، وعملوا فيها بسبب قلة الوظائف والأعمال الأخرى وانتشار البطالة.
أحلام عبد السلام كثيرة،
يقول: "لدي إرادة وعزيمة بالرغم من أنني من أصحاب الدخل المحدود، إلا أنني أحلم بأن أؤسس يوماً من الأيام مصنعا للأحذية يكون فيه العديد من العمال، وأكون قد فتحت مجالاً للعمل، حيث لديّ أفكار لتصميمات وموديلات خاصة لأنفذها وأبيعها في الأسواق المحلية، بأسعار تكون في متناول الجميع وأقوم بتصديرها إلى الخارج".
نقلا عن العربي الجديد