قطاع الزراعة يتآكل.. هكذا فقد الفقراء حاضنتهم
AHC: 0.80(%)   AIB: 1.09(0.00%)   AIG: 0.17(%)   AMLAK: 5.00(%)   APC: 7.25(%)   APIC: 2.20(2.22%)   AQARIYA: 0.78(%)   ARAB: 0.78(4.00%)   ARKAAN: 1.31(0.00%)   AZIZA: 2.71(%)   BJP: 2.80(%)   BOP: 1.49(%)   BPC: 3.74(1.58%)   GMC: 0.76(%)   GUI: 2.00(%)   ISBK: 1.12(%)   ISH: 0.98(%)   JCC: 1.50(3.23%)   JPH: 3.58( %)   JREI: 0.28(%)   LADAEN: 2.50( %)   MIC: 2.47(%)   NAPCO: 0.95( %)   NCI: 1.75(2.94%)   NIC: 3.00(0.33%)   NSC: 2.95(%)   OOREDOO: 0.78(%)   PADICO: 1.02(%)   PALAQAR: 0.42(%)   PALTEL: 3.98(0.25%)   PEC: 2.84(%)   PIBC: 1.09(0.91%)   PICO: 3.50(%)   PID: 1.90(%)   PIIC: 1.72(4.44%)   PRICO: 0.30(%)   PSE: 3.00(%)   QUDS: 1.08(0.93%)   RSR: 4.50(0.00%)   SAFABANK: 0.68(3.03%)   SANAD: 2.20(%)   TIC: 2.98(%)   TNB: 1.20(0.00%)   TPIC: 1.94(%)   TRUST: 2.85(%)   UCI: 0.40(%)   VOIC: 5.29(%)   WASSEL: 1.00(0.00%)  
12:00 صباحاً 31 كانون الثاني 2016

قطاع الزراعة يتآكل.. هكذا فقد الفقراء حاضنتهم

ساعات قليلة من الصقيع، كانت كفيلة بتحويل مزرعة أحمد سعيد 44 عاما من طمون في طوباس إلى أثر بعد عين. كان أحمد يعقد آمالا على نجاح الموسم وتوسيع استثماراته الزراعية، لكن الصقيع باغته من حيث لم يحتسب فقرر مغادرة القطاع الزراعي بعد 10 سنوات فيها الكثير من النكسات والقليل من الحظوظ.
تجربة أحمد سعيد ليست حالة فريدة من نوعها، فقط دفعت عوامل مثل الكلفة العالية للمياه، وارتفاع مدخلات الانتاج الاخرى، وانكشاف القطاع الزراعي على مخاطر تقلبات الطقس واعتداءات الاحتلال إلى العزوف عن الاستثمار في هذا القطاع.
النتيجة هي تآكل مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الاجمالي، ومزيد من الاعتماد على اسرائيل في الخضار والفواكه، ومنتجات الثروة الحيوانية، ما يجعل الأمن الغذائي الفلسطيني في مهب الريح.
 يكشف "حياة وسوق" في هذا التقرير عن معالم التراجع الخطير في قطاع الزراعة الذي زادت قيمة اجمالي انتاجه خلال الاعوام العشرين الماضية بنسبة 23 % في وقت كانت فيه نسبة الزيادة في الناتج المحلي الاجمالي ككل في الفترة نفسها 450%.

بلغة الارقام
تشير الاحصاءات الصادرة عن الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني، الى ان القطاع الزراعي عام 1994 كان يساهم بنسبة 13% من الناتج المحلي الاجمالي، بينما تراجعت مساهمته الى 3.8% عام 2014.
وتبين الاحصائيات ان الناتج المحلي الاجمالي زاد اربعة أضعاف ونصف منذ عام 1994 حيث كان 2.8 مليار دولار، حتى عام 2014 حيث أصبح الناتج المحلي الاجمالي 12715 مليار دولار، في المقابل زادت قيمة الانتاج الزراعي من 377 مليون دولار بعد عشرين عاما الى 494 مليون دولار، بمعنى أنه لم يتجاوز في نموه ضعفا واحدا على الأقل.
بينما قطاع الصناعة كان يساهم عام 1994 بنسبة 22% من الناتج المحلي الاجمالي، بقيمة 626.6 مليون دولار، من 2,843.3 مليار دولار (الناتج المحلي الاجمالي)، لتصبح مساهمته بعد عشرين عاما،  14%، بقيمة 1,788.5 مليار دولار، أي نما من ناحية القيمة المالية بنحو 2.8 مرة.
وفيما كان قطاع الخدمات عام 1994 يساهم بنسبة 25% من الناتج المحلي الاجمالي، بقيمة  714.0 مليون دولار، من الناتج المحلي الاجمالي،  أصبحت مساهمته عام 2014، 20%  بقيمة 2,615.7 مليار دولار، من 12,715.6،  أي أنه نما ثلاثة اضعاف ونصف الضعف.
أما قطاع الانشاءات عام 1994 كان يساهم بنسبة 11% من الناتج المحلي الاجمالي بقيمة 315.9 مليون دولار، من 2,843.3 الناتج المحلي الاجمالي، لتصبح مساهمته بعد عشرين عاما 5% بقيمة 751.2 مليون دولار، أي نما ماليا بمقدار  2.3 أضعاف.
وفي قطاع المعلومات والاتصالات كان يساهم بـ 0.0006 % من الناتج المحلي الاجمالي عام 1994، بقيمة 1.9 مليون دولار، لتصبح مساهمته بعد عشرين عاما 4%، بقيمة 504.7 مليون دولار، أي نما بمقدار 5 أضعاف.
وفي قطاع تجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات والدراجات النارية، كان يساهم بـنسبة 14% عام 1994، بقيمة 403.7 مليون دولار، لتصبح مساهمته عام 2014  18%، بقيمة 2,396.1  أي نما بمعدل 5.9
فرغم ان هذه القطاعات قد تراجعت نسبة مساهمتها في الناتج المحلي الاجمالي، الا ان قيمتها المالية تضاعفت ونمت بشكل كبير، بعكس القطاع الزراعي الذي تراجعت نسبته ولم يحدث فيه أي نمو خلال العشرين عاما الاخيرة.

سياسات اقتصادية سلبية
ويؤكد المحلل الاقتصادي، والمحاضر في جامعة النجاح الوطنية، د. بكر اشتية تراجع نسبة القطاع الزراعي من الناتج المحلي الاجمالي، كما ان حجم الانتاج النهائي تراجع، إضافة الى أن 90% من الاستهلاك الوسيط في القطاع الزراعي يأتي من اسرائيل، وهذا مؤشر سلبي على القطاع الزراعي، ومظهر ضعف.
ويشير اشتية الى ان تراجع القطاع الزراعي في فلسطين، يضعف ويقلل مقاطعة البضائع الاسرائيلية، موضحا أن أفقر وزارة في فلسطين، هي وزارة الزراعة، والفقر ليس بالكَمّ بل بنوع الانفاق الموجود، منوها الى ان الانفاق على الزراعة هو انفاق غير تنموي، يذهب الى الرواتب والأجور، كما أنه لا توجد برامج توعية او تطوير، أو شركات تأمين زراعية، أو تسويق زراعي، أو مؤسسات اقراض زراعي.
ويقول اشتية: "انه لا يوجد هناك اهتمام بالقطاع الزراعي، الذي يمثل الأمن الغذائي في فلسطين".
 من جانبه، يقول المحلل الاقتصادي الدكتور نصر عبد الكريم ان السياسات الاقتصادية ساهمت باعادة هيكلة الاقتصاد الفلسطيني بشكل سلبي، فهي عملت على زيادة حصة التجارة والخدمات بشكل كبير في الناتج المحلي الاجمالي، ودورها في الاقتصاد، واضعفت بالمقابل دورها في الاقتصاد والصناعة التي هي قطاعات انتاجية مستدامة.
ويضيف: "ان هدف الحكومات المتعاقبة في آخر فترة كان الجباية المالية، والهدف المالي هو الذي تسعى له الحكومات، ومن أجل تحسينه شجعت الاستيراد بدفع الجمارك وزادت تحويلات المقاصة".
ويرى عبد الكريم ان تراجع الانتاج الزراعي كان نتيجة أسباب سياساتية وموضوعية، ولعدم انتباه الحكومات المتعاقبة لسياسات دعم القطاع الزراعي، ما أدى الى إهماله، وتراجع نسبته في الناتج المحلي الاجمالي، ونتيجة لذلك ارتهن الاستهلاك اليومي للناس، وأصبحت الأسواق والأسعار للسلع عرضة للصدمات السعرية في الخارج، واصبحنا نتأثر بأي تطور في اسرائيل او العالم.
ويشير عبد الكريم الى ان اهمال القطاع الزراعي وتراجع حصته، جعل الناس يصلون الى قناعة ان الاستثمار في القطاع الزراعي غير مجد وغير مغر، ما أدى الى هجرة الناس لهذا القطاع، ويسهل الاستيلاء عليه من قبل اسرائيل.
 ويوضح عبد الكريم انه كان من المفترض إحداث توازن تنموي زراعي في المناطق والتجمعات الواقعة خارج المدن، مع القطاعات الأخرى التي نمت فيها، وإحداث توازن مع المراكز الحضرية والحد من الهجرة الى المدينة.
ويؤكد أنه نتيجة عدم التوازن لم يحصل أي نشاط تنموي في المناطق الريفية، وأصبحت هناك فجوة تنموية على المستوى الجغرافي.
ويرى عبد الكريم أنه كان يتوجب على الحكومة خلق اهتمام بالقطاع الزراعي، وتبني سياسات بهذا الاتجاه لخلق بيئة تفضيلية وتحفيزية لهذا القطاع الهام.
ويوضح عبد الكريم أن نمو القطاعات الأخرى مثل القطاع المصرفي والمالي، والخدمات، لا يعتبر نشاطا اقتصاديا حقيقيا بل اقتصاد خدمي يخدم القطاعات الأخرى ويعيش عليها.

وحول أسباب عدم نمو القطاع الزراعي، يرجع وكيل وزارة الزراعة عبد الله لحلوح، الأسباب الى التحديات التي يواجهها القطاع الزراعي سواء كانت من قبل الاحتلال أو التغيرات الجوية، أو عدم وجود التكنولوجيا الزراعية، وعدم توفر مدخلات الانتاج، جميعها ساهمت في عدم نمو القطاع الزراعي.
كما أنه يرى ان لطريقة حساب قيمة الانتاج الزراعي في الناتج المحلي الاجمالي، تلعب دورا هاما في التأثير على النسبة، ويوضح أن الكثير من المنتجات الزراعية عند حساب قيمتها الانتاجية تدخل في قطاعات أخرى، مثل الزيتون والحليب الذي يتحول الى القطاع الصناعي عند تحويله الى الزيت والألبان، وذلك لأن صفته قد تغيرت من زراعة إلى صناعة، وبالتالي القطاع الزراعي يخسر من قيمته الإنتاجية، التي تذهب لقطاعات الصناعة.
ويشير لحلوح الى أن الحروب المتكررة على قطاع غزة، ساهمت في تراجع المساحات المزروعة بالقطاع، وفي الضفة أثرت مصادرة الأراضي وإقامة جدار الضم والتوسع، من قبل الاحتلال.
 ويوضح لحلوح ان وجود مليوني دونم على شكل المراعي، يمنع وصول مربي المواشي اليها باستثناء 15% منها، ما يضطر المزارع لاستيراد الأعلاف، فتزيد من تكلفة الانتاج، وتقلل من التنافسية والربحية.
ويضيف ان القطاع الزراعي الفلسطيني يعمل بـ 25% فقط من طاقته، كما أن اسرائيل تسيطر على 85% من حقوقنا المائية، ويشير إلى إنه في حال استرددنا حقنا في المياه من إسرائيل فستزيد المساحة المزروعة بـ 6 أضعاف مما عليه الآن، وبالتالي ستتوفر 200 ألف فرصة عمل.

 ويقول البنك الدولي في تقرير له، انه منح تسهيلات وانشطة للسلطة الفلسطينية في مناطق "ج" التي تشكل نسبة 61% من مساحة الضفة الغربية، ستدر على خزينة الدولة 2.2 مليارد دولار سنويا، أي بزيادة قدرها 23%.
وأكد التقرير أنه في حالة منح امكانية لمزارعين فلسطينيين بالوصول إلى المنطقة "ج" ، حيث غالبية الأراضي ومصادر المياه في الضفة الغربية، فسيضيفون للخزينة الفلسطينية 704 مليون دولار – أي اضافة قدرها 7% للناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالعام 2011.
ويشير لحلوح الى ان 27% من مساحة القطاع الزراعي في غزة، تعتبر منطقة أمنية عازلة على طول الحدود بين قطاع غزة واسرائيل، لا يستطيع المزارعون الوصول اليها، وهي أراضي كانت كانت مزروعة مسبقا، موضحا أن خسائرنا في الحرب الاخيرة على غزة، بلغت نصف مليار دولار عام 2014، وهذا أثر على نمو القطاع الزراعي ومساهمته في الناتج المحلي الاجمالي.
ويذكر لحلوح أن الاحتلال عزل ما يقارب 700 الف دونم معظمها اراض زراعية، خلف الجدار في طولكرم وقلقيلية، وهناك 18 بئرا لا تزال خلف الجدار.
وكانت مساحة الارض الحقيقية المزروعة في فلسطين تشكل 25% من مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة، لكن الان وحسب آخر تعداد زراعي عام 2010 أصبحت لا تشكل أكثر من 21% فقط، أي تراجع بمقدار 4%.
وحول تركيز وزارة الزراعة وخططها المستقبلية لتحسين نمو القطاع الزراعي يقول لحلوح: "إن الوزارة تركز على زيادة مساحة الاراضي وتأهيلها وشق الطرق الزراعية وتأهيلها واستصلاح عشرات آلاف الدونمات، لزيادة الرقعة الخضراء واضافة اصناف أخرى من  الخضار والفاكهة، لزيادة نسبة الاكتفاء الذاتي.
ويضيف أن وزارة الزراعة تعمل على تطوير البنية التحتية للقطاع الزراعي، وعلى تطوير البحوث الزراعية والخدمات البيطرية والارشادية تحسين الانتاجية، ومصادر المياه.
وتفتقر وزارة الزراعة للمشاريع المقدمة للمزارعين، نتيجة عدم وجود التمويل، وتلجأ الى تعويضهم عن طريق مشاريع مع منظمات غير حكومية فاعلة في القطاع  الزراعي.
وتنقسم موازنة الزراعة كما يقول لحلوح إلى ثلاثة أقسام الأول: الموازنة الجارية، والرأسمالية وهي بحدود 1% والموازنة التطويرية وهي ضمن خطة التمويل الوطنية.
ويشير لحلوح الى أن الموازنة التطويرية للزراعة زادت حيث بلغت 9% وهي ثالث مرتبة بعد التعليم والحكم المحلي.
ويؤكد لحلوح أن هناك نقلة نوعية باهتمام الحكومة بالقطاع الزراعي، لادراك الجميع بأهميته، وضرورة النهوض بالقطاعات الانتاجية.ويقول المرشد التنموي في الاغاثة الزراعية خالد داوود إن هناك عدة مشاكل تواجه القطاع الزراعي منها، محدودية الاراضي الزراعيةوشح مياه الري والخبرات وعدم استخدام التكنولوجيا الحديثة في الزراعة، وضعف رأس المال والمخاطرة العالية، والظروف الجوية والكوارث الطبيعية، وعدم وجود دعم للقطاع الزراعي، بالاضافة الى عدم التأمين.

 

المصدر/ الحياة الجديدة

Loading...