وجد الخياط الفلسطيني يحيى الحداد، نفسه محاصراً بانقطاع الكهرباء لفترات طويلة في مشغله الصغير، ما يؤدي إلى عدم تنفيذ طلبات زبائنه وخسارته مادياً. لكن الحداد ابتكر فكرة جديدة، عبر تشغيل ماكينة الخياطة من خلال دراجة هوائية تعمل على تحريكها.
ويقول الحداد إن الدافع الرئيسي وراء ابتكاره كان الرغبة في ممارسة مهنته وتوفير متطلبات منزله وعائلته بشكل يومي، في ظل استمرار أزمة الكهرباء، وعدم قدرته على توفير مولد كهربائي، بسبب ارتفاع ثمنه وثمن الوقود اللازم لتشغيله.
ويوضح أن الفكرة تعتمد على تثبيت دراجة هوائية متوسطة الحجم على قاعدة حديدية، حيث يتم ربط المحرك الخلفي للدراجة ومحرك آلة الخياطة بواسطة قطعة بلاستيكية تعمل على دوران المحرك فور تحريك المحركات الخاصة بالدراجة من قبل شخص آخر.
وكان القطاع يضم قبل اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 نحو 900 مصنع، ووصل عدد العاملين فيها إلى 36 ألف عامل من مختلف الفئات العمرية. وخلال سنوات الانتفاضة تدنى العدد إلى قرابة 15 ألف عامل، قبل أن تغلق المصانع أبوابها وتسرح العاملين مع فرض الحصار عام 2006.
ويبين الحداد أنه بدأ بالاعتماد على الدراجة الهوائية كبديل عن التيار الكهربائي، منذ أكثر من ثلاث سنوات، بفعل اشتداد أزمة التيار الكهربائي، وصعوبة توفير بدائل قليلة التكلفة، في ظل تراجع الحالة الاقتصادية لمهنة الخياطة في غزة، بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع.
ويضيف: "الفكرة في بداية الأمر كانت تلقى استغراباً شديداً من المواطنين الراغبين في إصلاح ملابسهم أو شراء بعض القطع الجاهزة التي أقوم بإنتاجها من خلال ماكينة الخياطة، إلا أنها ومع مرور الوقت أصبحت شيئاً يميز محلي عن غيره من المحال الخاصة بالخياطين".
وينوه إلى أنه يعتمد على ورشة تصليح الملابس الخاصة به كمهنة أساسية للمساهمة في توفير الأموال لعائلته المكونة من ثمانية أفراد، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، بفعل الحصار الإسرائيلي وإغلاق غالبية المصانع أبوابها في غزة.
وأدى الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ عشر سنوات إلى ارتفاع معدلات الفقر، لتصل إلى 80% بين صفوف السكان، وتفشي البطالة، حيث يقدر عدد العاطلين عن العمل بنحو 230 ألفا، 60% منهم من فئة الشباب، وفقاً للجنة الشعبية لكسر الحصار.
ويؤكد الأربعيني الفلسطيني، أنّ الحصار المفروض على القطاع أسهم في توقف الكثير من المشاريع الخاصة بالخياطين الفلسطينيين في غزة، ولجوء الكثيرين منهم إلى مشاريع بسيطة كصيانة الملابس، والاعتماد على بعض المساعدات الإغاثية التي تقدمها المؤسسات الدولية.
ويلفت إلى أنّ مهنة الخياطة تتراجع بشكل واضح، حيث أدى الحصار الإسرائيلي الذي تبعه إغلاق المعابر بين الحين والآخر، إلى تعطل دخول جزء كبير من الإنتاج الإسرائيلي من الملابس، الذي كانت تعتمد عليه مصانع القطاع في تشغيل عدد كبير من العمالة الفلسطينية.
وقبل فرض الحصار والحروب المتلاحقة على غزة كان الحداد يمتلك مصنعاً ضخماً للملابس، إلى أن جرى تدميره من قبل الاحتلال في حرب غزة عام 2008، فضلاً عن تلف غالبية الآلات الخاصة، وعدم سماح الاحتلال الإسرائيلي بدخول المواد الخام جراء إغلاق المعابر.
ويشير الحداد إلى أنّ ما تبقى من مشاريع للخياطين الغزيين لا تتجاوز مشاريع لتصليح الملابس التالفة، أو بعض القطع الجاهزة قليلة التكلفة، في ظل الاعتماد بشكل كبير على الاستيراد من الأسواق الخارجية، وارتفاع تكلفة البضائع المحلية من الملابس المنتجة في القطاع.
يشار إلى أن قطاع الخياطة في غزة كان يمثل قبل انتفاضة الأقصى وفرض الحصار، ثاني القطاعات الصناعية من حيث توفير فرص العمل، والثالث من حيث المشاركة في الناتج المحلي، وكذلك كان يساهم بنحو 16% من ناتج الدخل القومي.
نقلا عن العربي الجديد