مع نهاية عام 2015 مازال الاقتصاد في قطاع غزة يعاني من سياسة الحصار التي تفرضها إسرائيل على قطاع غزة للعام التاسع على التوالي , هذا بالإضافة إلى الحروب و الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة والتي عمقت من الأزمة الاقتصادية نتيجة للدمار الهائل التي خلفته للبنية التحتية و كافة القطاعات والأنشطة الاقتصادية.
كما أن التأخر في عملية إعادة الاعمار أدي إلي تداعيات خطيرة على الاوضاع الاقتصادية في قطاع غزة , حيث حذرت العديد من المؤسسات الدولية من تداعيات إبقاء الحصار المفروض على قطاع غزة و تأخر عملية إعادة الاعمار على كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية و الصحية و البيئية.
ومع بدء عام 2015 إنتهجت إسرائيل سياسة جديدة ضد قطاع غزة , تمثلت بتشديد الخناق على تنقل التجار ورجال الأعمال عبر معبر بيت حانون , وتجاوزت ذلك بإعتقال العشرات من التجار و رجال الأعمال , كما أضافت إسرائيل العديد من السلع و البضائع إلى قوائم الممنوعات , وكل هذا يأتي في إطار سياسة إسرائيل بتشديد الحصار وخنق قطاع غزة.
معدلات البطالة
وشهد عام 2015 إرتفاع في معدلات البطالة و بحسب مركز الإحصاء الفلسطيني فإن معدل البطالة في قطاع غزة قد بلغ 42.7% في الربع الثالث من عام 2015 وتجاوز عدد العاطلين عن العمل ما يزيد عن 200 ألف شخص , وبحسب البنك الدولي فإن معدلات البطالة في قطاع غزة تعتبر الأعلى عالميا , وإرتفعت معدلات البطالة بين فئة الشباب و الخريجين في قطاع غزة لتتجاوز 60%.
الفقر و إنعدام الأمن الغذائي
كما ارتفعت معدلات الفقر و الفقر المدقع لتجاوز 65% وتجاوز عدد الاشخاص الذين يتلقون مساعدات إغاثية من الاونروا و المؤسسات الإغاثية الدولية أكثر من مليون شخص بنسبة تصل إلى 60% من سكان قطاع غزة , وتجاوزت نسبة انعدام الأمن الغذائي 72% لدي الأسر في قطاع غزة , وبحسب أخر إحصائية صادرة عن مركز الإحصاء الفلسطيني للفقر في الأراضي الفلسطينية في منتصف عام 2012 , أي قبل تعرض قطاع غزة لحربي 2012 و 2014 , فإن 38.8% من سكان قطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر الوطنى في فلسطين و الذي يبلغ 2293 شيكل , و21.1% يعيشون تحت خط الفقر المدقع والذي يبلغ 1832 شيكل.
الناتج المحلى الإجمالى ونصيب الفرد منه
شهد عام 2015 مزيدا من الإنكماش في الناتج المحلى الإجمالي لقطاع غزة وبعتبر هذا الإنكماش هو الأسوء منذ عدة سنوات , وبحسب مركز الإحصاء الفلسطيني شهد الربع الثاني من عام 2015 تراجعا بالناتج المحلى الإجمالي بنسبة 1.5% مقارنة مع الربع الثاني في عام 2014 , وتراجعا بنسبة 8.2% مقارنة مع الربع الرابع من العام 2014 , كما إنخفض نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى في قطاع غزة بنسية 4.8% مقارنة مع الربع الثاني من العام 2014 , وبلغ نصيب الفرد في قطاع غزة من الناتج المحلي الإجمالي 261.2 دولار أمريكي خلال الربع الثاني من عام 2015 , وشهدت الثلاث سنوات الأخيرة نسبة إنخفاض في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي تجاوزت 17% , حيث بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى في عام 2012 حوالى 1159 دولار, وإنخفض في عام 2014 إلى 971 دولار ومن المتوقع أن يشهد مزيدا من الإنخفاض مع الإعلان عن نتائج عام 2015 , وبحسب البنك الدولي فإن دخل الفرد في قطاع غزة إنخفض في الوقت الحالى بنسبة 31% عما كان علية قبل 20 عام.
عملية إعادة الإعمار
حتى هذة اللحظة وبعد مرور ما يقارب من عام ونصف على وقف إطلاق النار , لم تبدأ عملية إعادة الإعمار الحقيقية و ما تم تنفيذة خلال تلك الفترة يندرج تحت بند المشاريع الإغاثية وإصلاح الأضرار الجزئية و البالغة لمعظم المنازل التى تضررت بالحرب الأخيرة.
وبحسب مؤسسة أوكسفام البريطانية فإن عملية إعادة الإعمار سوف تستغرق مائة عام في حال لم يرفع الحصار عن قطاع غزة , وإستمرار إدخال مواد البناء وفق الألية الدولية المعمول بها حاليا , و التي ثبت فشلها في التطبيق على أرض الواقع , حيث أن ما دخل من مادة الاسمنت للقطاع الخاص لإعادة اعمار قطاع غزة خلال عام ونصف من وقف إطلاق النار لا يتجاوز 400 الف طن وهذه الكمية تساوي احتياج قطاع غزة من الاسمنت لشهرين فقط.
معبر كرم أبو سالم – الواردات و الصادرات
لم يشهد عام 2015 أي تغير في واقع المعابر , فكافة معابر قطاع غزة التجارية مغلقة باستثناء معبر كرم أبو سالم وهو الوحيد الذي يعمل حتى اللحظة وفق الالية السابقة لما قبل الحرب على قطاع غزة , فلم يتغير أي شيء على آلية عمل المعبر من حيث ساعات العمل , عدد الشاحنات الواردة , نوع وكمية البضائع الواردة , والزيادة التي حدثت في عدد الشاحنات الواردة نابعة من زيادة عدد الشاحنات الواردة للمساعدات و دخول مواد البناء للمشاريع الدولية و المشاريع القطرية العاملة في قطاع غزة و كميات مقننة من مواد البناء للقطاع الخاص لإعادة إعمار قطاع غزة.
ومازالت إسرائيل تمنع دخول العديد من السلع و البضائع و المواد الخام و المعدات و الآليات و الماكينات و على رأسها مواد البناء و التى تدخل فقط و بكميات مقننة وفق خطة روبرت سيري لإدخال مواد البناء ( الاسمنت – الحصمة – الحديد – البوسكورس).
ومن خلال رصد حركة الشاحنات الواردة عبر معبر كرم أبو سالم و أيام الاغلاق خلال عام 2015 فقد بلغ عدد أيام إغلاق معبر كرم أبو سالم 133 يوم خلال عام 2015 وهو ما يمثل 36% من عدد أيام العام .
وبلغ عدد الشاحنات الواردة إلى قطاع غزة 93123 شاحنة خلال عام 2015 , مقارنة مع 53153 شاحنة واردة إلى قطاع غزة في عام 2014 , و 55833 شاحنة في عام 2013 و 57441 شاحنة في عام 2012 من مختلف الأصناف المسموح دخولها إلى قطاع غزة , وبلغت نسبة الإرتفاع في عدد الشاحنات الواردة 43% خلال عام 2015 ,و بلغ متوسط عدد الشاحنات اليومية الواردة إلى قطاع غزة 255 شاحنة خلال عام 2015.
وعلى صعيد خروج البضائع من قطاع غزة , فقد بلغ عدد الشاحنات الصادرة 1269 شاحنة إلى أسواق الضفة الغربية و الأسواق الإسرائيلية و الخارج , وهذا يمثل 25% من عدد الشاحنات الصادرة من قطاع غزة قبل فرض الحصار.
التوقعات الاقتصادية للعام القادم 2016
السيناريو المتشائم
يستند هذا السيناريو الى فرضية أن الوضع السياسي و الاقتصادي سيتدهور خلال عام 2016 وهو المتوقع والمرشح للحدوث في ظل المؤشرات الحالية الداخلية و الخارجية , فعلى الصعيد الداخلى مازالت حالة الانقسام الفلسطيني مسيطرة على أرض الواقع و لا يوجد مصالحة حقيقة , حتى على صعيد حكومة الوفاق الوطنى لم يشعر المواطن في قطاع غزة بأي تغيرات جوهرية , وما زال المواطن يعاني ويدفع ثمن عدم الوفاق و استمرار الحصار.
أما على الصعيد الخارجي لا يوجد أي حلول تلوح بالأفق فالمفاوضات مع إسرائيل متوقفة و متعثرة و الاوضاع قابلة للاشتعال مرة أخرى وفي أي لحظة في ظل التعنت الإسرائيلي , حتى على الصعيد الإقليمي فالأوضاع غير مستقرة .
كما ان استمرار وبقاء الحصار المفروض على قطاع غزة منذ تسع سنوات , والتباطؤ في عملية إعادة الإعمار سوف يؤديان إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية لقطاع غزة , وسوف تزداد الاوضاع الاقتصادية سوءا في عام 2016 , و يؤدي ذلك إلى ارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة والفقر و انخفاض في معدلات النمو الاقتصادي يؤدي إلى انخفاض قيمة الناتج المحلي الإجمالي ، وانخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي , وانخفاض إجمالي الاستهلاك و إجمالي الاستثمارات الخاصة و العامة.
السيناريو المتفائل
يستند هذا السيناريو إلى افتراض تحسن الوضع الاقتصادي والسياسي في فلسطين و إلى تطبيق المصالحة الفلسطينية على أرض الواقع و إنهاء أثار الانقسام الفلسطيني و تفعيل دور حكومة الوفاق الوطني في قطاع غزة و إنهاء الحصار وفتح كافة المعابر التجارية وإدخال كافة احتياجات غزة من السلع والبضائع والآليات و المعدات دون قيود أو شروط أو رقابة و على رأسها مواد البناء , والسماح بتسويق وتصدير منتجات قطاع غزة الصناعية و الزراعية لأسواق الضفة الغربية و العالم الخارجي دون قيود أو شروط , و البدء بعملية إعادة إعمار حقيقة لقطاع غزة سوف توفر فرص العمل لعشرات الآلاف من العمال العاطلين عن العمل , و حل الأزمات التي يعاني منها قطاع غزة و من أبرزها، استمرار انقطاع الكهرباء، وشح المياه.
كل هذا سوف يساهم في تحسن الأوضاع الاقتصادية و انخفاض معدلات البطالة و الفقر و زيادة في النمو الاقتصادي تنعكس بالإيجاب على الناتج المحلى الإجمالي وعلى نصيب الفرد , و انتهاء حالة الركود الاقتصادي التى يمر بها قطاع غزة.
وفي النهاية فإن كافة المؤشرات السابقة تؤكد بإن قطاع غزة حاليا ليس على حافة الإنهيار بل يدخل مرحلة ما بعد الموت السريري , حيث أن قطاع غزة اصبح نموذج لأكبر سجن بالعالم , بلا إعمار, بلا معابر, بلا ماء , بلا كهرباء , بلا عمل , بلا دواء , بلا حياة , بلا تنمية , ويجب أن يعلم الجميع بأن الخناق يضيق بقطاع غزة و الإنفجار قادم لا محال , و أصبح المطلوب من المؤسسات و المنظمات الدولية الضغط الفعلى على إسرائيل لإنهاء حصارها لقطاع غزة وفتح كافة المعابر التجارية وإدخال كافة إحتياجات قطاع غزة من السلع و البضائع وعلى رأسها مواد البناء دون قيود وشروط..
د.ماهر تيسير الطباع
مدير العلاقات العامة والإعلام بغرفة تجارة وصناعة محافظة غزة