الاقتصادي- آفاق البيئة والتنمية- حمزة زبيدات- تعد منطقة الأغوار من أهم المناطق الزراعية في فلسطين التاريخية، إذ تشكل عموداً فقرياً للإنتاج الزراعي الفلسطيني، بفضل تربتها الخصبة ومصادر مياهها الوفيرة. إلا أن هذه المنطقة تواجه مجموعة من المشاكل البيئية. نستعرض في هذا التقرير مشكلة بيئية وصحية خطيرة تهدد سكانها ومواردها الطبيعية، وهي انتشار حفر الصرف الصحي المفتوحة غير الصماء.
تعاني قرى الأغوار الفلسطينية كافة من انعدام تام لشبكات الصرف الصحي المنظمة، ما يدفع السكان الى استخدام الحفر الامتصاصية للتخلص من المياه العادمة، إضافة الى التخلص من المياه الرمادية. هذه الحفر، التي تفتقر إلى البنية التحتية، تُحدث آثاراً كارثية على الصحة العامة للسكان والبيئة والموارد.
لا يراعي السكان شروط الأمان والسلامة والصحة عند حفر واستخدام هذه الحفر الامتصاصية. إذ يتم حفرها بأعماق سطحية ومتوسطة، دون أية بنية إسمنتية في الأطراف والقاع، حتى أن حفراً كثيرة في بعض القرى تبقى دون غطاء لسقفها.
تختلف طرق هذه الحفر وأماكن تواجدها من قرية الى أخرى في الأغوار. إلا أن الضرر البالغ الذي تحدثه يكاد يكون واحداً على صحة السكان والموارد الطبيعية، وتحديداً على التربة والمياه الجوفية.
يعتبر الاحتلال الإسرائيلي هو السبب الرئيسي لمنع القرى والتجمعات الفلسطينية في منطقة الأغوار من إنشاء شبكات الصرف الصحي المنظمة والآمنة. تقدمت غالبية قرى الأغوار بطلبات من أجل إنشاء أنظمة صرف صحي، إلا أن هذه الطلبات تصطدم دوماً بالإجراءات الإسرائيلية التي تمنع تنفيذ مثل هذه المشاريع الحيوية.
كما يمنع الاحتلال القرى والتجمعات الفلسطينية من إنشاء مشاريع التوسع الهيكلي، الذي يشمل البنية التحتية، وعلى رأسها أنظمة الصرف الصحي ومشاريع إعادة تدوير مياه الصرف الصحي أو المياه الرمادية.
رغم أن الاحتلال هو المسبب الرئيسي لهذه المشكلة، إلا أن هناك أسباباً أخرى على رأسها سوء التنظيم من قبل الوزارات المعنية، إضافة الى النقص الحاد في الموازنات التي تقرها وزارة المالية وجهات الاختصاص من أجل إيجاد حلول بديلة.
يقول لؤي زبيدات لـ "آفاق": "للأسف، الحفرة ملاصقة لمنزلي، وتتسبب لنا بأذى كبير خاصة في فصل الصيف، حيث ينتشر الذباب والبعوض، علاوة على الروائح المؤذية جداً والتي تسببت بأمراض تنفس لأطفالي". وأضاف أن "السبب الرئيسي لهذه المشكلة هو عدم وجود نظام يحكم السكان وغياب الرقابة على التعديات التي يقومون بها، وعدم التزامهم بشروط النظافة والسلامة والأمان".
لا تتوقف مشكلة حفر الصرف الصحي المفتوحة وغير الصماء على الروائح المزعجة وانتشار الذباب، والبعوض، والأمراض الجلدية، والتنفسية، بل هناك أخطار وصلت الى حد التأثير على جودة المياه الجوفية في بعض القرى. إضافة الى التأثير على المزروعات والتربة في قرى أخرى. فمياه الصرف الصحي التي تتسرب من هذه الحفر تصل بسهولة إلى المياه الجوفية والينابيع التي يعتمد عليها السكان والمزارعون في المنطقة. هذا التلوث يؤدي إلى انتشار الأمراض المنقولة عبر المياه، مثل الكوليرا والتيفوئيد وفايروس الكبد الوبائي، ويزيد من خطر تفشي الأمراض الجلدية والتنفسية بين السكان، خاصة الأطفال وكبار السن.
يقول رئيس مجلس الخدمات المشترك لقرى بردلة وكردلة وعين البيضاء في الأغوار الشمالية، إبراهيم صوافطة: "هنا في قرية بردلة وبقية القرى، الناس يحفرون حفراً أغلبها غير صماء، وبالتالي فإن مياه الصرف الصحي تتسرب الى أسفل المنازل والى الأراضي الزراعية القريبة، وربما الى المياه الجوفية، إذ يوجد في القرية بئر للشرب وري المزروعات".
الا أن المشكلة تبدو أكبر في قرية الزبيدات، إذ تتواجد الحفر المفتوحة بين الأراضي الزراعية، ما يعني أن جزءاً من المزروعات تروى بمياه الصرف الصحي الملوثة، علماً أن هذه الأراضي الزراعية يعمل بها المزارعون بشكل مباشر ودون أخذ الاحتياطات الصحية اللازمة.
يقول مدير الصحة في محافظة أريحا والأغوار، طارق الحواش، إن فيروس الكبد الوبائي ينتشر في العديد من مناطق الأغوار، وهنالك انتشار كبير جداً في إحدى القرى (نتحفظ على ذكر اسمها) والسبب الرئيس هو نقص النظافة، وبخاصة في مجالات المياه. وعبر الحواش عن اعتقاده بأن حفر الصرف الصحي هي السبب الرئيسي لهذا الانتشار الواسع.
الحلول المقترحة
حل مشكلة حُفر الصرف الصحي المفتوحة، بحسب خبراء المياه، يتطلب اتخاذ إجراءات فعّالة على مستوى البنية التحتية والتخطيط. ومن بين الحلول المقترحة:
إنشاء شبكات صرف صحي حديثة: يجب أن تكون هذه الشبكات قادرة على تلبية احتياجات السكان وحماية البيئة.
اعتماد تقنيات معالجة مستدامة: يمكن استخدام تقنيات معالجة المياه العادمة والمياه الرمادية لإعادة استخدامها في الري، ما يسهم في تقليل التأثيرات البيئية.
الالتزام بمعايير الصحة والأمان: في ظل القيود الإسرائيلية، يُمكن للحفر الصماء أن تكون حلاً مؤقتاً، مع التأكيد على ضرورة اتباع معايير السلامة في بنائها وصيانتها.
التوعية المجتمعية: يلعب التثقيف دوراً محورياً في زيادة الوعي بأهمية البدائل المستدامة، إذ يمكن للمؤسسات البيئية والصحية تنظيم حملات توعية حول أخطار الحفر المفتوحة وفوائد الحلول الصحية البديلة.
استمرار الوضع الحالي في الأغوار يشكل تهديداً كبيراً ليس فقط على السكان، بل على الموارد الطبيعية الحيوية في المنطقة. وفي ظل الوضع القائم، تبرز الحاجة لتعاون الجهات المحلية والدولية والهيئات البيئية والصحية، لحشد التمويل اللازم لتطوير البنية التحتية وضمان مستقبل صحي وآمن للمنطقة.