هجرة الأرض: أسباب مُتنامية وخطر قادم
AHC: 0.80(%)   AIB: 1.04(3.70%)   AIG: 0.17(%)   AMLAK: 5.00(%)   APC: 7.25(%)   APIC: 2.27(%)   AQARIYA: 0.78(%)   ARAB: 0.85(3.66%)   ARKAAN: 1.29(0.00%)   AZIZA: 2.84(%)   BJP: 2.80(%)   BOP: 1.49(%)   BPC: 3.73(0.27%)   GMC: 0.76(%)   GUI: 2.00(%)   ISBK: 1.12(%)   ISH: 0.98(%)   JCC: 1.53( %)   JPH: 3.58( %)   JREI: 0.28(%)   LADAEN: 2.50( %)   MIC: 2.47(%)   NAPCO: 0.95( %)   NCI: 1.68(4.00%)   NIC: 3.00(%)   NSC: 2.95(%)   OOREDOO: 0.78(1.27%)   PADICO: 1.00(0.99%)   PALAQAR: 0.42(%)   PALTEL: 3.91(0.00%)   PEC: 2.84(%)   PIBC: 1.09(%)   PICO: 3.50(%)   PID: 1.91(%)   PIIC: 1.72(%)   PRICO: 0.29(0.00%)   PSE: 3.00(%)   QUDS: 1.06(%)   RSR: 4.50(%)   SAFABANK: 0.68(%)   SANAD: 2.20(%)   TIC: 2.98(%)   TNB: 1.20(0.00%)   TPIC: 1.95(%)   TRUST: 2.85(%)   UCI: 0.38(%)   VOIC: 5.29(%)   WASSEL: 1.00(0.00%)  
11:03 صباحاً 24 حزيران 2024

هجرة الأرض: أسباب مُتنامية وخطر قادم

الاقتصادي- آفاق البيئة والتنمية- عبد الباسط خلف- مع كل أزمة يمر بها الفلسطينيون تزداد الدعوات للعودة الأرض واستصلاحها، باعتبارها ملاذاً آمناً من الجوع والعوز. رأينا تلك الدعوات في خضم جائحة كوفيد-19، وسرعان ما اختفت بزوال خطر الجائحة. اليوم، وفي ظل العدوان على غزة، ومنع قرابة 200 ألف عامل من العودة إلى أعمالهم في أراضي 48، برزت تلك الدعوات مجدداً، في ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية.

فلماذا هجر الفلسطينيون أرضهم من الأساس، خصوصاً في الضفة الغربية؟ وكيف خطف "هوس الوظيفة" الأيدي العاملة من أرض كانت لا تبخل عليهم من خيراتها ودفئها؟

أسباب اقتصادية

أشار مدير عام الأراضي الزراعية في وزارة الزراعة الفلسطينية، عمار صلاحات، إلى وجود "تنافس بين القطاعات الإنتاجية"، فاقمه العمل في السوق الإسرائيلي، الذي يتميز بارتفاع الأجور مقارنة بالعائد الزراعي، ما سبب العزوف عن الأرض، عدا عن مصادرة الاحتلال مساحات كبيرة منها، واعتداء الاحتلال على المزارعين، وإقامة جدار الضم والتوسع.

وقال إن الوزارة وضعت في خطتها "عدة تدخلات لإعادة الفلاحين إلى أراضيهم"، أهمها استصلاح وتأهيل 5 آلاف دونم من الأراضي الجبلية سنوياً بالشراكة مع المؤسسات الأهلية، الأمر الذي يساهم في الحماية من المصادرة، وخلق مصادر دخل وفرص عمل.

وأكد أن وزارة الزراعة دعمت الفلاحين بمدخلات الإنتاج كالأشتال المثمرة، إذ وزعت خلال عشر سنوات قرابة 20 مليون شجرة مثمرة وحرجية، وتساهم مع مؤسسات أهلية في شق 300 كم من الطرق سنوياً.

وأضاف أن الوزارة سنت القانون الجديد وأنظمة أخرى وتعليمات لحماية الأرض، خاصة تلك عالية القيمة كمرج ابن عامر وسهل سميط، وصنفت الأراضي إلى عالية القيمة ومتوسطة ومنخفضة، ومنعت البناء في المناطق عالية القيمة إلا لمشاريع زراعية ومنشآت قابلة للإزالة وليست خرسانة، ووضعت قيوداً على البناء في المتوسطة والمنخفضة.

وبحسب صلاحات، فإن الوزارة تعمل حالياً في مشاريع "لزيادة ربحية الأرض"، خاصة أن أحد أهم أسباب هجرتها "عدم ربحيتها ومخاطرها المرتفعة"، كما تقدم الوزارة سلسلة إجراءات لإسناد المزارعين، تبدأ من الطرق الزراعية وتأهيلها وزراعتها، وإعفاءات ضريبية، وتمنع دخول أي منتج منافس، وتساهم في الإرشاد والتدريب على اختيار أصناف جديدة ذات جدوى، وساهمت في تحويل عمل الآبار الجوفية من الوقود إلى الكهرباء، وساعدت في إدارة الري والحصاد المائي، وبيوت تعبئة لتقليص تكاليف الإنتاج وتحسين التسويق.

وأشار إلى أذرع الوزارة الثلاثة: صندوق درء المخاطر والتأمينات الزراعية، والمؤسسة الفلسطينية للإقراض الزراعي، والشركة الفلسطينية الأردنية للإنتاج الزراعي، التي تعمل على مساعدة الفلاحين وتأمين أعمالهم، وتقدم قروضاً بفوائد منخفضة، وتفتح أسواقاً جديدة، وفق تعبيره.

وبيّن أن كل 5 دونمات يجري استصلاحها وزراعتها بمحاصيل كالأفوكادو والجوافا والمانجا تخلق فرصة عمل دائمة واحدة، فيما يوفر كل 15-20 دونماً مستصلحة تتم زراعتها بأصناف بعلية كالزيتون واللوزيات فرصة عمل واحدة، كما أن الحكومة بدأت بتأجير أراضي الدولة للخريجين لتأسيس مشاريع معظمها زراعية.

ووصف صلاحات إهمال حقول الزيتون "لوجود قناعة في أوساط الفلاحين بأن هذه الشجرة لا تحتاج لخدمة، وتعتبر شجرة الكسول"، وهي أيضاً "عائلية" لا تتفرغ الأسرة لها، ولا تعتمد عليها بمفردها في معيشتها. فيما تقدم الوزارة إرشادات في التشبيب والوقاية من الآفات ومعالجتها، والحراثة والإنتاج العضوي وتحسين نوعية الزيت وغيرها.

واعتبر الزراعة "ملاذاً لفاقدي العمل في معظم الأزمات"، مثلما حدث بعد العدوان الأخير على غزة، وإقفال أسواق العمل في الداخل المحتل، وفي أوقات أخرى كجائحة كورونا. وضرب مثالاً على بلدة عقابا، التي استطاعت حقولها استيعاب معظم فاقدي أعمالهم في الداخل.

الزراعة ليست جاذبة للشباب

من موقعه، أكد مدير الإغاثة الزراعية في طولكرم، عاهد زنابيط، أن هجرة الارض قبل عدوان الاحتلال الأخير على غزة "كانت أكثر وضوحاً؛ بسبب العمالة في مناطق عام 1948، والتي كانت تحقق عائداً مالياً مرتفعاً مقارنة بعائد الأرض المتواضع".

وأوضح بأن المعادلة تغيرت بعد تشرين الأول/أكتوبر 2023، لكنها لم تقترن بالعودة إلى الأرض على نطاق واسع، وامتصت الزراعات المروية جزءاً من فاقدي العمل في السوق الإسرائيلي.

وأشار إلى أن الوظائف في القطاعين العام والخاص "تجذب الفئات الشابة أكثر من الأرض"، مثلما تغيرت نظرة الأجيال الجديدة للأرض مقارنة بالآباء والأجداد الذين كان اهتمامهم بالأرض وبالزيتون أكثر.

ووفق زنابيط، فإن غالبية الشبان يميلون إلى الاعتقاد بأن موسم الزيتون ليس اقتصادياً، فهو موسمي، ولا يحقق لهم متطلبات الحياة، ولذلك يعزفون عنها.

وأكد أن اعتداءات الاحتلال والمستوطنين على الأراضي ومالكيها، ووضع عراقيل على الوصول إليها، خاصة في المناطق المتاخمة للجدار والمستعمرات، تسببت في "توجه المزارعين إلى مصادر بديلة".

وذكر أن الزحف العمراني وظروف تفتت الملكية "ساهمت في صناعة عوامل طاردة للعمل الزراعي، وصار تفكير الورثة مكرس للبناء في الأرض أو بيعها، جراء عائدها المتواضع ولصغر مساحتها".

واعتبر زنابيط غياب التخطيط والتحفيز في القطاع الزراعي سبباً لما يحصل، إذ ترتفع أسعار المدخلات وتتراجع أسعار المخرجات، ما يشجع المزارعين على ترك الأرض، وهو ما يتطلب جهداً حكومياً ومؤسساتياً حقيقياً، وعدم الاكتفاء بالشعارات، لإقناعهم بالعودة.

الزيتون في مهب الاستيطان

من ناحيته، فضّل نضال ربيع الأرض على الغربة والتجارة، وترك قبل 8 سنوات بنما والولايات المتحدة وكوستاريكا، واستقر في بلدته ترمسعيا شرق رام الله، وبدأ بممارسة الزراعة العضوية على أصولها، وأعاد إلى الحياة أنماطاً مفقودة وراح يحقق الاكتفاء الذاتي، والتحق بحركة طريق الفلاحين العالمية (لا فياكمبسينا) التي تضم 200 مليون عضو، لعون الفلاحين وتشجيع منتجاتهم، وتوزيعها بشكل جيد، وانتخب سابقاً في لجنتها التنفيذية وممثل فلسطين في الحركة، ويتقلد أيضاً سكرتير اللجنة الزراعية في بلدته.

وقال إن قطاع الزيتون في المناطق المحاذية للمستعمرات يشهد منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي تراجعاً بفعل اعتداءات المستوطنين على الفلاحين، إذ خسرت ترمسعيا نحو 5 أطنان زيت، بسبب منع المزارعين من جني ثمارهم، كما لم يسمح لهم بحراثة أرضهم وتقليم أشجارهم هذا الموسم، وهناك خشية من الحرائق صيفاً، بفعل الأعشاب.

وذكر أن العمل في السوق الإسرائيلي، والهجرة خارج الوطن ساهمت في الابتعاد عن الأرض والعزوف عن العمل الزراعي وبخاصة في صفوف الشباب، كما أن غياب الدعم والتوجيه الحكومي، وتدني أسعار المنتجات الزراعية، وعدم وجود تسويق، أمور تضاعف المشكلة.

والتمس ربيع العذر للفلاحين الذين يجبرون على البحث عن بديل للعمل في أرضهم، لضعف العائد من الزراعة، ولعدم وجود حماية لهم من هجمات المستعمرين.

وأكد أن المنتجات التقليدية للفلاح الفلسطيني كالقمح والشعير "لم تعد مجدية اقتصادياً"، وأصبح الأمر يتطلب البحث عن أصناف رائجة في السوق كالحمص والبصل والبرسيم.

ورأى بأن غياب متابعة جهات الاختصاص للفلاحين وتركهم وحدهم، وعدم تقديم إرشادات لهم يفاقم المشكلة، فالأصل توجيه المزارعين ومتابعتهم الدائمة ومساعدتهم في معالجة الآفات، وفتح أسواق جديدة، كي تصبح الأرض مجدية.

وخلص ربيع إلى القول إن العناية بالأرض تراجعت، ولم نعد نجد اهتماماً واسع النطاق من مالكيها، وإن حل الزحف العمراني، وحماية الحيز القليل المتبقي من الأرض يتمثل في تشجيع البناء العامودي، والحفاظ على المساحات الخصبة.

المطلوب إجراءات عملية.. لا شعارات

بدوره، أفاد مدير دائرة الضغط والمناصرة في اتحاد لجان العمل الزراعي، د. مؤيد بشارات، بأن الدعوة للرجوع إلى الأرض "ليست شعاراً وردياً"، بل تتطلب برنامج عمل لتصويب العلاقة معها.

وأشار إلى أن هجرة الأرض "مسألة سياسية وليست اقتصادية فحسب"، إذ وفر الاحتلال بعد تأسيس السلطة الفلسطينية فرص عمل مجدية في مناطق 1948، كانت -عملياً- بديلًا عن الأرض، واستوعبت قرابة ربع مليون عامل، إضافة إلى نحو 30 ألفاً يعملون في المستعمرات.

وشدد على أن العزوف عن العمل في الأرض "لم يكن وليد الصدفة، ومر بتحولات عديدة، غير من مكانتها كقيمة اقتصادية ووطنية"، ففي السابق كان يتم نبذ العاملين في المستعمرات، لكن الصورة تغيرت، وأصبح التبرير الاقتصادي حاضراً، وصار الفلاح يقارن بين مدخوله من الأرض والزيتون بما يحققه من أجر يومي.

وتطرق بشارات إلى سياسة الاحتلال في مصادرة الأراضي، وتعقيد الوصول إليها، واعتداءات المستوطنين، وبناء الجدار، التي شكلت "عوامل طاردة للمزارع."

وأوضح أن جائحة "كورونا" كانت فرصة ذهبية للعودة إلى الأرض، بعد الانقطاع عن العمل في الداخل، وجاء عدوان الاحتلال الدموي على غزة ليؤكد أن هذه العودة والتمكين الاقتصادي لفاقدي العمل في الداخل، ليست شعاراً.

وسرد بشارات تجربة مواطن من إحدى قرى رام الله، توقف عن العمل في الداخل بسبب العدوان، حاول إنشاء دفيئة على 4 دونمات لكن التكلفة البالغة 130 ألف شيقل كرأسمال أولي، حالت دون ذلك.

وذكر بشارات بأن تأسيس مشاريع زراعية، وتشجيع المواطنين على العمل في الأرض، يحتم وجود جهة رسمية داعمة للراغبين بتأسيس مشاريع زراعية، ولو بقروض ميسرة دون فوائد، لكن المعضلة غياب الحماية للمزارعين إما بفعل تذبذب الأسعار وتدنيها غالباً، أو بسبب اعتداءات الاحتلال والمستوطنين الذين قد يدمرون المشروع في أية لحظة.

وركز على أن غياب فاعلية صندوق درء المخاطر، وعدم تعويض المزارعين الذين يتعرضون للاعتداءات، يجعل من العمل الزراعي طارداً للشباب.

ووفق بشارات، فإن إبقاء قطاع الزراعة دون تدخل حكومي، يثبت "غياب الإرادة السياسية للحكومات المتعاقبة، التي رفعت شعار الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال، دون خطة وبرنامج لتطبيقه".

وأكد أن تكرار مشاكل تسويق المنتجات الزراعية، ككساد عنب الخليل، وعدم واقعية بدائل تحويل المنتج إلى دبس أو عصير أو زبيب، لأن أسعار السلع المستوردة كالزبيب التركي تنافس المنتج الوطني، تستوجب وجود حماية فعلية للسلع الزراعية المحلية تمنع إغراق الأسواق، لكن المعضلة في "اتفاقية باريس" التي حولت الاقتصاد الفلسطيني إلى تابع لاقتصاد الاحتلال.

وأوضح بشارات أن الواقع السياسي على الأرض "معقد أمام حماية المنتج الوطني"، خاصة مع وجود 512 نقطة في الضفة الغربية، يستطيع التجار والمهربون والسماسرة إدخال سلع الاحتلال والمستوطنات من خلالها، ومنافسة المنتج الوطني كما في بطيخ الأغوار، الذي تعرض لإغراق منافسه الاحتلالي.

وقارن بشارات بين المستوطن العامل في الزراعة بمستعمرة "مسواة" في الأغوار، الذي يحصل على المياه والكهرباء والصحة والتعليم بالمجان، وينال قرضا بـ 70 ألف دولار، ويحظى ببيوت تعبئة وثلاجات، ويتلقى حماية لتسويق منتجاته. أما المزارع الفلسطيني في الجفتلك، فلا يجد أي نوع من السياسات الداعمة لمشروعه الزراعي، ويعيش ظروفاً صعبة، ويعاني بسبب ضعف التيار الكهربائي، وارتفاع تكلفة المياه، ومع ذلك يتخذ قراراً بالصمود فوق أرضه.

وأكد أن تشجيع الجمعيات التعاونية الزراعية، ودعم المجموعات الشبابية التعاونية يقوي روح العمل الجماعي والتطوعي، ويعزز الارتباط بالأرض، ورغم أنها لم توفر عملاً بديلاً ومستقلاً، إلا أنها أثمرت بفائض من المنتجات كما في بورين والمغير، إذ يتم تسويقها في أسواق نابلس ورام الله والقرى المجاورة.

وأشار بشارات إلى أهمية تأسيس بنك خاص للمزارعين، على غرار الموجود في تونس وتركيا، في تقديم قروض سهلة وميسرة للفلاحين وللراغبين بدخول سوق العمل الزراعي، في ظل ارتفاع تكلفة إنشاء المشاريع الزراعية.

واشترط وجود برنامج تأمينات زراعية، لتوفير "شبكة أمان للفلاحين"، تمًاماً كما حدث في مستوطنات الأغوار خلال جائحة "كورونا"، الذين تلقوا تعويضات من شركات التأمين، بعد تلف الموسم، جراء القيود على دخول العمال الفلسطينيين وقتها.

وقال إن إلغاء الضرائب على الأعلاف، يشجع مربي الثروة الحيوانية على الاستمرار ويعزز صمودهم، خاصة في ظل الارتفاع الكبير للأسعار، وإغلاق الاحتلال للمراعي، وسيطرة الاستيطان الرعوي على أجزاء كبيرة منها، وتهجير التجمعات البدوية.

أسباب نفسية واجتماعية

من جانبه، عزا العميد السابق لكلية التنمية الاجتماعية والأسرية في جامعة القدس المفتوحة، د. إياد أبو بكر، أسباب العزوف عن العمل في الأرض، وتحديداً بين الشباب، إلى عوامل نفسية واجتماعية قللت الروابط مع الأرض، وأصبح المجتمع يميل إلى التمدن والراحة والتوجه نحو الحرف التي يقل فيها الجهد العضلي كالوظائف والتجارة وغيرها. خاصة أن العمل في الأرض "لم يعد يوفر عائداً اقتصادياً"، وتسبب ذلك في هجرتها.

وأضاف أن العودة إلى الأرض لا يكون "بكبسة زر" بل بعملية متكاملة، تتنوع بين التنشئة الاجتماعية، والعوامل الثقافية، وتقليد الوالدين"، ما يتطلب من الآباء العودة إلى الأرض ليشكلوا نموذجاً لأبنائهم، وحثهم على التمسك بها، وتشجيعهم على العمل الجماعي فيها، وتعويدهم على عدم الانقطاع عنها.

وبيّن أبو بكر أن التحولات الاجتماعية في الميراث تشكل عوامل مهمة في العلاقة مع الأرض، فتقسيمها بين الورثة رغم أنه يفتتها ويغير من طبيعتها غالباً، إلا أنه يخلق حالة منافسة بين الورثة.

وأفاد أن عدم تقسيم الميراث قد يخلق أحياناً "معضلة اجتماعية" خاصة تفاوت الاهتمام بالأرض بين الإخوة، وعدم العمل الجماعي والأسري فيها، ما قد يتسبب بغياب الدافعية للعودة إلى الزراعة.

وأوضح أن تغير تقسيمات العمل والتحولات الاجتماعية أدت إلى تراجع فكرة الإنتاج الأسري، فقديماً كانت العائلة كلها تساهم في كل العمليات الاقتصادية، وتتشارك في العمل الزراعي، أما الآن فأصبح العمل والإنتاج محصورين بعدد قليل من الأفراد، كما زادت وتيرة النزعة الاستهلاكية.

وأشار أبو بكر إلى أن الفوارق بين المدينة والريف تقلصت، بفعل تطور المواصلات وصغر مساحة الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 مقارنة بالدول الشاسعة التي يتطلب التنقل بين مدينة وأخرى عدة ساعات.

وخلص إلى القول بأن تطور الاتصالات والمواصلات قلص الفوارق بين المدن والأرياف، وساهم في زيادة النزعة نحو التمدن، وروج لعوامل الراحة، وشوه العلاقة مع الأرض.

المطلوب برنامج حماية وطني

من منظوره، رأى عضو الأمانة العامة لاتحاد الفلاحين والتعاونيين الفلسطينيين، جمال خورشيد، بأن الصراع الوجودي والنضال الوطني مرتبطان بالأرض، وهذا ما يتطلب سياسات لتعزيز تثبيت المواطنين، وبخاصة المزارعين فيها.

وأكد أن الأرض تتعرض لاعتداءات من ثلاث جهات: التغير المناخي، وهو أمر خارج عن إرادتنا، والاحتلال الذي لا نمتلك القدرة على انهائه، والاعتداءات الذاتية التي بالإمكان السيطرة عليها ووقفها، كالزحف العمراني، كما في مرج ابن عامر، الذي نخسر مساحات شاسعة منه، ونعجز عن توفيره للأجيال القادمة.

ورأى خورشيد بأن تشجيع المواطنين على العودة إلى الأرض والتصالح معها "مرهون ببرامج وطنية ذات بعد إستراتيجي، تضع حداً لهجرة الأرياف إلى المدن، بالرغم من تراجعها".

وشدّد على ضرورة تشجيع الفئات الشابة على الاستثمار في مشاريع وإطلاق مبادرات ذات صلة بالأرض، وتساهم في تحقيق السيادة الغذائية، وتزيد من وتيرة ارتباطهم بالأرض.

وقال إن تعزيز العودة إلى الأرض تتطلب "دعم المبادرات والمشاريع الريادية الشابة، وتفعيل دور مؤسسات الإقراض الزراعي بشروط سهلة، وإعادة هيكلة التعليم الزراعي ليتناسب مع الإنتاج الحقلي، ومنح إعفاءات ضريبية، وتشجيع الاستثمار الزراعي".

وبيّن أهمية دعم زراعة القمح التي عصفت بها أزمة حادة جراء منافسة القمح المستورد له، دفعت للعزوف عنه لعدم جدواه الاقتصادية وتدني ثمنه، ولكن بعد التوقف عن زراعته عادت أسعاره للتحسن.

وأوضح أنه بوسع بنوك البذور توفير الدعم والتشجيع للفلاحين الجدد، وتوزيع البذور مجاناً، على أن يعيدوها بعد الحصاد، مع ضرورة أن تتكامل أدوار الحكومة والقطاع الأهلي في تشجيع العودة إلى الأرض، ويعود التعليم الزراعي للمدارس وللجامعات لخلق ثقافة بديلة.

وأشار إلى أن "المخاطرة في الزراعة مرتفعة جداً بسبب الظروف المناخية والواقع الفلسطيني"، ولا تسمح بتشجيع الفئات الشابة وغيرها بالعمل في الزراعة كحرفة أساسية، وعلى الحكومة تبني إجراءات لتخفيض المخاطرة، والتوجه نحو التنميط الزراعي، كالانفتاح نحو أصناف جديدة كالعنب اللابذري، والزراعات التصديرية.

ونوه خورشيد إلى أهمية "عدم اعتبار العودة إلى الأرض مهنة، بل يجب الدمج بينها وبين أنشطة اقتصادية أخرى"، إذ بإمكان الموظفين في شتى القطاعات تأسيس مشاريع زراعية صغيرة تساند الأسرة، وتحسن من دخلها، وتوفر لها سيادة غذائية، وتمتص أزمات انقطاع الرواتب وتقليص نسب صرفها، كما في بلدة طمون التي لا يخلو بيت فيها إلا ويعمل أفراده في مشروع زراعي خاص ودفيئة.

Loading...